حفتر وتزوير العملة
Arab
1 week ago
share

منذ إعلان مصرف ليبيا المركزي، الأحد الماضي، عن اكتشافه وجود 3.5 مليارات دينار ليبي مزورة (نحو 636 مليون دولار)، والقلق لا يزال قائماً على كل المستويات في ليبيا، وأهمها عند المواطن، لكن من دون أن تتخذ السلطات القضائية والسياسية إجراءات تجاه هذا الإعلان الفاضح، أو البدء في معالجات لوقف تفشي هذا السم في شرايين الاقتصاد الوطني. هذا الإعلان ليس مجرد رقم، بل هو شهادة إدانة صارخة لعمل يحاول تحويل السيادة النقدية إلى ساحة نهب وعبث.

صحيح أن بيان المصرف المركزي وصف ما اكتشفه بـ"الاستيلاء غير المشروع" وبأنه "ضرب جسيم للاقتصاد"، لكنه ترك السؤال الأكبر معلقاً: مَنْ المسؤول عن هذه الجريمة الاقتصادية البشعة؟ ولماذا لم يصرّح باسم اللواء المتقاعد خليفة حفتر وسلطته في شرق البلاد، رغم أن الأدلة تشير إليه بأصابع اتهام لا لبس فيها؟ فلم يخف حفتر ذلك، بل أعلن منذ عام 2018 عن طباعة كميات من الدينار الليبي في روسيا وتسلّمها عبر فرع المصرف المركزي في شرق البلاد، ومررها رغم تحذيرات المصرف المركزي الشرعي في طرابلس، وهو الجهة المخوّلة قانوناً بإصدار النقد، من التعامل بها على قاعدة أن أي عملة لم تصدر عنه عبر أي جهة تعد مزورة.

كارثة هذا التزوير بطباعة المليارات بدون غطاء شرعي، كشفت عن سبب التضخم المرعب الذي أكل قيمة الرواتب ومدخرات البسطاء، وكشفت عن سبب ارتفاع أسعار العملة الأجنبية في السوق السوداء التي زاد الطلب عليها، وسبب تفشي ظاهرة غسل الأموال، فالطرف الوحيد الذي أعلن طباعة النقد خارج شرعية مؤسسة المصرف المركزي هو حفتر، لكن السؤال الذي يجب أن يثار الآن: كيف لحفتر أن يتباهى بإطلاق مشاريع إعمار وبناء وهو يموّلها بالدينار المزور؟ أليس المعنى الواضح أنه سعّر تلك المشاريع والمباني بالعملة المزورة؟ ألم يحن للذين يقاتلون في صفوفه الانتباه إلى أنه دفع لهم رواتبهم من عملة مغشوشة ومزورة؟

ادعاء بعض مناصري حفتر بأنهم لم يكونوا يعلمون بهذه التداعيات الخطرة هو إسفاف، فكيف لرجل قاد الحروب وسعى للسلطة لعقود طويلة، ومحاط بمستشارين اقتصاديين، أن يجهل أن طباعة النقد بلا سقف هي سم قاتل لأي اقتصاد؟ حاصرت الأزمة المالية حفتر فكان خياره هذا بوعيه التام ليلبي احتياجات شراء الولاءات وتمويل الصراع المسلح وتلميع صورته بادعاء الإعمار، على حساب اقتصاد البلاد بتضخم يلتهم لقمة عيش المواطن البسيط، وربما قريباً انهيار الثقة الدولية بالدينار الليبي.

لا شك أن مسؤولية جنائية تلاحق حفتر ومن شاركه في عملية الطباعة غير القانونية والترويج والتداول، فالتشريعات الليبية تقول علناً إنها جريمة كبرى يعاقَب عليها بالسجن المؤبد، فهل سيواجه حفتر القضاء؟ تبدو الإجابة غير واضحة، خصوصاً أن إعلان المصرف المركزي عن الكمية المزورة بدون الإفصاح عن الجهة المسؤولة، رغم أن الجميع يعرفها، يشي بمراوغة سياسية خطيرة يقوم بها عبر رمي القضية في ساحة المتصارعين السياسيين.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows