الشواطئ المجانية... "رفاهية محرّمة" على فقراء مصر
Arab
1 week ago
share

تتجه أنظار ملايين المصريين في الصيف نحو البحر أملاََ في هدنة من ضغوط الحياة الاقتصادية، لكن يبدو أن نزهة فقراء مصر أصبحت "رفاهية محرّمة" مع غلاء أسعار الشواطئ.

يبدو أن مشهد البحر هذا العام، الذي يُفترض أن يكون مجانياً ومفتوحاً للجميع، لم يعد كما كان. فالشواطئ التي تربّت عليها أجيال من المصريين باتت مغلقة أمامهم، تُدار كأنها ملكية خاصة، والدخول إليها لا يتم إلا مقابل رسوم، باهظة أحياناً، تجعل من الترفيه حقّاً مؤجّلاً لمن لا يملكون.

في مدينة الإسكندرية شمالي مصر التي يسميها المصريون "عروس البحر المتوسط"، والتي طالما عُرفت بشواطئها الشعبية الممتدة من المنتزه وحتى العجمي، لم يتبق سوى القليل من شواطئها المجانية التي تقلصت من 12 شاطئاً عام 2015 إلى 5 فقط في صيف 2024، كما شهدت أسعار الشاليهات والوحدات المصيفية والمفروشة ارتفاعاً كبيراً.

الوضع لا يختلف كثيراً في مرسى مطروح، التي كانت تستقبل ملايين الزوار سنوياً، لكنها باتت اليوم مخصّصة إما لمشروعات استثمارية محلية وأجنبية، أو تخضع لإيجارات سنوية تُمنح لمستثمرين يفرضون أسعارهم على الجمهور.

وشهدت دمياط ورأس البر تحولات مشابهة، حيث تقلّصت المساحات المفتوحة أمام الزوار لحساب الكافيهات والمطاعم المستأجرة داخل الشاطئ نفسه، في مشهد يعكس سياسات "الخصخصة الصامتة" التي تضرب المرافق العامة في مصر، حيث صدرت قرارات رسمية في أكثر من محافظة بتحويل شواطئ مجانية إلى شواطئ برسوم دخول تتراوح بين 25 و 50 جنيهاً (الدولار يساوي 50 جنيهاً) للفرد الواحد بخلاف مصاريف أخرى، بحجة تحسين الخدمة والصيانة.

يقول إبراهيم منصور، موظف من محافظة المنيا، لـ"العربي الجديد"، أنه جاء إلى الإسكندرية في رحلة مع أسرته المكونة من خمسة أفراد لقضاء إجازة المصيف، مضيفاً: "وصلنا الساعة السابعة صباحاً لنحجز مكاناً على أحد الشواطئ شرقي المدينة لحين تدبير مكان للإقامة، لكننا فوجئنا بأن علينا دفع 100 جنيه للفرد الواحد، بخلاف متطلبات يوم كامل من الطعام والمشروبات، فاضطررنا للمغادرة والجلوس في مكان بديل بالقرب من الشاطئ بأسعار أقل كلفة من الأسعار الحالية مع كثير من التقشف في الاحتياجات الضرورية مثل التنزه أو ملاهي الأطفال". ويتابع: "هل أصبح التنفّس من البحر رفاهية؟ نحن لا نطلب شيئاً أكثر من الرمل والماء، فهل هذا كثير؟".

على شاطئ ستانلي الشهير، تجلس سيدة مسنّة تدعى أم محمد على حافة الكورنيش، تنظر بحسرة إلى الموج المتكسر من دون أن تطأ قدماها الرمال. تقول: "كنا نأتي من زمان ونجلس بالمجّان لقضاء إجازة المصيف، الآن حتى الشاطئ أصبح الجلوس عليه بمقابل مادي وهو ما يضطر البعض للجلوس على الرصيف لمشاهدة البحر من بعيد".

ويتدخل في الحوار زوجها الحاج إبراهيم السعدني قائلاً: "بعض الشواطئ التي تُوصف بأنها شعبية تُدار الآن من قبل مستثمرين حصلوا عليها بحق الانتفاع، ويحددون أسعار الدخول والخدمات بما يتجاوز القيمة التي حددتها المحافظة، مضيفاً أنه على الرغم من حديث الحكومة عن خطة لتوسيع عدد الشواطئ المجانية، إلا أن الواقع على الأرض يشير إلى العكس، حيث تُدار معظم الشواطئ بشكل استثماري، مع تضاؤل الحضور الرسمي لرقابة الأسعار وجودة الخدمة.

تراجعت أسرة محمد علي، الموظف في إحدى الشركات الحكومية، عن التوجه إلى مصيفها المفضل في الساحل الشمالي، الذي اعتادت أن تقضي فيه خمسة أيام كل عام، بعدما فوجئت بارتفاع ملحوظ في أسعار إيجار الشاليه بما يقارب 50% عن سعر العام السابق بعد أن بلغت تكلفة الإقامة والمعيشة هذا العام ما يزيد عن 40 ألف جنيه، في حين بلغت كلفتها العام السابق ما يقارب 25 ألف جنيه.

ويقول علي لـ"العربي الجديد" إن ارتفاع الأسعار لم يكن السبب الوحيد لإلغاء المصيف، موضحاً أنه ولأول مرة يعجز عن تدبير او إدخار مبلغ المصيف مثل كل عام نتيجة غلاء المعيشة والمتطلبات والاحتياجات اليومية لأسرته بخلاف مصاريف المدارس والدروس الخصوصية لثلاثة من أبنائه في مختلف مراحل التعليم.

وأكد أنه سوف يتحايل على الأمر بأقل تكلفة وبالإمكانات المتاحة من خلال الاشتراك في رحلات اليوم الواحد لقضاء وقت ممتع على أحد الشواطئ أو باصطحاب الأسرة إلى التنزه على الكورنيش أو داخل أحد الأندية أو الساحات التي تضم حمامات سباحة. فيما يؤكد الحاج سعد الخيال، سمسار عقارات بمنطقة العصافرة شرقي الإسكندرية، لـ"العربي الجديد"، أن أسعار الخدمات ومن بينها الشقق المصيفية بدأت في الارتفاع منذ مطلع الشهر الماضي مقارنة بالشهرين الماضيين، بالتزامن مع بدء إجازة نهاية العام الدراسي وزيادة نسبة إقبال مواطني مصر من مختلف المحافظات لقضاء العطلات أو المصيف.

ويشير الخيال إلى أن الأسعار تتراوح ما بين 1500 إلى 2000 جنيه في الليلة حسب الامكانات وقربها من البحر، لذلك تشهد أشهر الصيف ارتفاعاً كبيراً في عدد رحلات اليوم الواحد التي تناسب أصحاب الدخول المتوسطة.

وتحذر الباحثة الاجتماعية الدكتورة نجلاء عبد المنعم من "فقدان فئات واسعة في المجتمع حقها في الترفيه الطبيعي، ما يُفاقم من مشاعر التهميش والغضب المجتمعي"، وتضيف: "حين يُحرم الفقير من البحر والهواء والشمس، تتحول الحياة اليومية إلى سجن مفتوح"، مؤكدة أن الإجازة أو الاستمتاع بالطبيعة، سواء بالتنزه أو المصيف، حق من الحقوق الأساسية التي يجب أن يحافظ عليها الإنسان للتغلب على ضغوط العمل وصعوبة المعيشة.

وتشير إلي أن هناك نماذج دولية متقدمة تتيح الشواطئ للسكان مجاناً، وتُموّل صيانتها من ضرائب السياحة والخدمات الفندقية، من دون تحميل الزائر العادي أعباء إضافية، "لكن في مصر تُغلق المساحات العامة وتُباع كأنها أرض استثمارية، ما يُقصي الفقراء تماماً"، بحسب تعبيرها.

من جهته، يقول الخبير القانوني الدكتور محمد عبد السلام لـ"العربي الجديد": "تخصيص شواطئ عامة لمستثمرين وتحويلها إلى مساحات مغلقة يخالف نص الدستور والعدالة الاجتماعية، ويصنع نوعاً من التمييز غير المقبول".

ويضيف عبد السلام أن دستور مصر يقر في مادته 46 أن "لكل شخص الحق في التمتع بالبيئة الطبيعية، وحمايتها واجب وطني"، وهو ما يشمل بطبيعة الحال الشواطئ والسواحل العامة. لكن الواقع يُظهر انفصاماً بين النصوص القانونية والممارسة اليومية. ويشير إلى أن هناك سوابق قضائية صدرت لصالح المواطنين ضد فرض رسوم غير قانونية، لكنها غالباً ما تُراوغها الإدارات المحلية بتغيير مسميات الشواطئ أو اعتبارها "خدمة مدفوعة" وليست مرفقاً عاماً.

من جانبها، تبرّر محافظة الإسكندرية، في تصريحات متكررة، أن رسوم الشواطئ "تُفرض لتغطية تكاليف النظافة والإنقاذ والإدارة، مع الحفاظ على الأسعار في متناول المواطن العادي"، بحسب ما تنقله بيانات الإدارة المركزية للسياحة والمصايف.

وأعلنت الإدارة المركزية للسياحة والمصايف بالإسكندرية تصنيف الشواطئ لهذا العام مميزة وسياحية وأخرى برسوم دخول و"خدمة لمن يطلبها"، مع تأكيد مجانية استخدام دورات المياه ووحدات خلع الملابس في جميع الشواطئ.

وأكدت في بيان لها تكثيف حملات الرقابة والتفتيش على شواطئ الإسكندرية كافة بقطاعيها الشرقي والغربي، لضمان عدم وجود أي حالات استغلال للمصطافين ولتحقيق أقصى درجات الانضباط وحل أي مشكلة فور حدوثها.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows