
في الأول من يوليو من كل عام، يحتفل اليمنيون بـ”يوم الأغنية اليمنية“، منذ إعلانه عام 2021، في محاولة لإحياء روح هذا الفن العريق وتسليط الضوء على مكانته في تشكيل الهوية الثقافية اليمنية، التي تخللتها الألحان والمفردات منذ قرون، وغدت انعكاسا صادقا لحياة الإنسان اليمني، خاصة في الريف.
منذ بداياتها، ارتبطت الأغنية اليمنية ارتباطا وثيقا بالريف، حيث الطبيعة والمطر والتراب والوديان، إذ تغنّى الفنانون بتفاصيل الحياة الريفية شعرًا ولحنًا، وأبرزهم الفنان الكبير أيوب طارش، وأحمد السنيدر وغيرهم من الفانيين اليمنيين.
تجسيد لواقع الريف
وتعد أغنية الفنان الراحل أحمد السنيدار،”ما أجمل الصبح في ريف اليمن حين يطلع” من أشهر أعماله، وتصف جمال الصباح في ريف اليمن وتأثير الطبيعة الخلابة على النفس، وتعبر عن مدى جمال الطبيعة وروعتها، وتصف تفاصيل دقيقة مثل ألوان الزرع والزهور وتراقص الأغصان على أنغام النسيم.
كما تغنى الفنان أيوب طارش، وعبد الباسط عبسي وكوكبة من الفنانين بالريف والزراعة والطبيعة، ولم تكن تلك الاغاني مجرد كلمات عابرة، بل توثيق وجداني لحياة الفلاحين والرعاة، وتجسيد لواقع الريف ومرآة لما يدور في السهول والجبال والقرى، واستطاعت ان تحفظ مكانتها في ذاكرة ووجدان اليمن.
مواضيع مقترحة
-
أغاني المطر في اليمن.. امتداد لثقافة تقديس الأرض
-
مصورو ريف اليمن: عيونٌ عاشقةٌ وملهمةٌ توثق الجمال
-
ألحان الحقول.. صوت الأرض الذي يواجه الاندثار
يقول آدم الحسامي، رئيس مؤسسة أرنيادا للتنمية الثقافية،”:” كل شعب يريد أن يحافظ على تراثه عليه أن يصنع تقاليد دورية وأشكال حيوية من الاستعادة الحديثة لذلك الميراث، لافتا أن الأغنية اليمنية بثرائها وتنوعها، شكّلت شخصيتنا الوطنية أكثر من الأدبيات السياسية.
ويضيف لمنصة “ريف اليمن: “لدينا قصائد مغنّاة عمرها قرون، لم تنقطع عن وجداننا، بل تطورت، خاصة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وهو زمن ذهبي نتمنى أن يعود، لا أن نحتفل به فقط”. منوها أن يوم الأغنية اليمنية هو مناسبة وطنية للتنويه إلى محورية فن الغناء لدى جميع الشعوب والخصوصية البارزة لليمنيين وهم يمتلكون ميراثا هو الأكثر عراقة في المنطقة.
تجبرك أغلب الأغاني اليمنية، أن تعيش تفاصيلها المرتبطة بروح الريف والزراعة، ويتجسد ذلك عندما يحاكي الروح صوت أبو أصيل” يا مروح بلادك ليل والشمس غابت”، وارجع لحولك، و”ياغريب الوطن يكفيك غربة وأسفار الوفاء دين يالله شرّفوا الأهل والـدار”، لأيوب طارش، وكلها توقظ فيك الحنين للحظات التي لن تنس في الريف اليمني.
الأغنية والريف
ويؤكد سام البحيري، مدير مؤسسة ميون للإنتاج الفني، أن الأغنية اليمنية بطبيعتها تنتمي إلى الريف اليمني وتكوينه المرتبط بالأرض والزراعة والبناء والعمل وحب الأرض والإخلاص لها والتمسك بها.
“منذ بداياتها، ارتبطت الأغنية اليمنية ارتباطا وثيقا بالريف، حيث الطبيعة والمطر والتراب والوديان، ويوم الأغنية اليمنية هو مناسبة وطنية للتنويه إلى محورية فن الغناء لدى جميع الشعوب”
ويضيف: “أغلب الفنانين والشعراء اليمنيين خرجوا من بيئة ريفية، فتغنّوا بالمشاقر، والمطر، والسبول، والمحاجن، والسيول، وعند سماع الأغنية اليمنية، تنتقل بك الكلمات إلى الشواجب، والحقول، وسمرات الليل في ظلال الشجر.
ويقول:” عند استرجاع أسماء الشعراء والفنانين اليمنين منذ القدم سنجد أغلبهم من سكان الأرياف، ومن البديهي أن الشاعر والفنان متأثرا ببيئته ونشأته وتكوينه، ولو نظرنا لواقع اليمن جغرافيا لوجدنا أن نسبة الريف في اليمن 70% وهذا ما يعطي مؤشرا ودلالة عن نسبة الانتاج الفني والغنائي المرتبط بالأرض”.
“عند سماع الأغاني اليمنية تحملك مفردات الأغنية إلى ظلال الشواجب وتحت علبة الدار، والليل والنجم وهمس النسيم ومسامرة المحبوب والزفاف بطابع الريف، لذا نجد مفردات الاغنية اليمنية منسوجة من اللهجة الريفية وكذا اللحن بشجن الحقول وصوت البلابل وسرديات حكايا البئر والرعيان ومواسم الزراعة: يضيف البحيري.
تنوع فريد
الفن بجميع أشكاله وسيلة الشعب للتعبير عن العادات، والتقاليد، والطقوس، وينبعث منه رغبة في إثبات الذات المجتمعية، وتحديد هوية المجتمع، وثقافته، والمستوى الحضاري الذي ينتمي إليه، ومن هذا الجانب يتحدث رشدي العريقي المهتم بالأغان التراث الشعبية.
يقول العريقي لمنصة ريف اليمن:” تعددت أنواع الأغاني الشعبية اليمنية بتعدد المهن والحرف والعادات والتقاليد للمجتمع اليمني، لافتًا أن هناك ما يتعلق بالزراعة وما يرتبط بأعمال البناء والمناسبات المختلفة”.
“الأغنية اليمنية بطبيعتها تنتمي إلى الريف وتكوينه المرتبط بالأرض والزراعة والبناء والعمل وحب الأرض، ونجد مفردات الاغنية اليمنية منسوجة من اللهجة الريفية ولحن الحقول”
لم تغيب المرأة عن الاغنية اليمنية، إذ يشير العريقي إلى أن هناك أغاني للمرأة كـ الملالة، وأغاني المهد والطفولة وكل مهنة أو حرفة أو عادة لها طقوس، ومراسيم معينه بما يؤدي للتنوع فمثلا اغاني البتلة والتلام تختلف عن أغاني الحصاد والتقليم.
كما توجد أغاني بحسب التوقيت صباحية ومسائية، ذاكرًا أغنية نجيم الصباح التي تغنى في العرس نهاية السهرة قبل الفجر، وهناك أغان بحسب الطقس والمواسم كأغاني المطر واغاني الاستسقاء، والمناسبات تتنوع أغانيها فمثلا الزفة او الهديني وأغاني الحناء فتتعدد النصوص وأغراضها الشعرية وكذلك الكلمات وما تعبر عنه.
مشيرا أن كل منطقة من مناطق اليمن لها خصوصية مع وجود تشابه كبير فمثلا الزامل والمهاجل وغيرها من الفنون الغنائية الشعبية تختلف كلماتها وألحانها من منطقة لأخرى لكنها تؤدى لنفس الأغراض والعادات والمناسبات.
من جانبه يقول الفنان والملحن سنان التبعي أن الأغنية اليمنية القديمة عبرت أكثر عن واقع الحياة الريفية واقتربت أكثر بصدق تعبيرها عن حياة الريف والبادية من الانسان الريفي ولامست مشاعره، لافتًا أنها كانت تعكس تفاصيل الحياة اليومية للإنسان اليمني في الحقول والوديان والجبال فهي لم تكن مجرد وسيلة ترفيه بل كانت سجلاً حياً لتقاليد المجتمع وقيمه وهمومه.
ويلفت التبعي خلال حديثه لمنصة ريف اليمن، أن الأغنية كانت تركز على عناصر الطبيعة وهموم ومزاج الانسان وقناعاته التي ترسخت من بيئته المحيطة وأصبحت جزء من نمط حياته وانشغالاته وتتناول مواضيع مختلفة، الامطار، الخضرة، الزرع والرعيان العنب والبن والحصاد وحتى المردود الاقتصادي والعلاقات الاجتماعية في الريف وتمجيد الأرض وخصوبتها.
واقع الأغنية اليمنية
وأشار إلى أن الأغاني القديمة كانت وسيلة للحفاظ على التراث الفني وتخليد لألحان أو أسماء آلات ورقصات وايقاعات ومهاجل الملالة والبالة والدان والهبيش، مبينا أن الآلات المستخدمة في الفن اليمني القديم تعزز ارتباطها بالبيئة الريفية (الطبل والمزمار والعود والشبيبة (الناي)
“مستقبل الأغنية اليمنية لا يختلف كثيرًا عن واقع المجتمع السياسية والاقتصادية لكن خصوصيتها ستظل ثابتة ويصعب على غيرها من الأغاني العربية تجاوزها بسهولة”
ويرى الفنان ضرار الخامري أن هناك إمكانيات متاحة في ساحة الأغنية اليمنية لم تكن موجودة منذ الستينيات وحتى نهاية التسعينيات، ورغم ذلك نعاني من قصور واضح في إنتاج أعمال جديدة تلبي ذائقة الجمهور الفنية المتنوعة.
واضاف أن كثير من الفنانين لا يجدون جدوى مادية من إنتاج الجديد، ما يدفع البعض إلى إعادة غناء أعمال قديمة وتقديمها بأساليب وأصوات معاصرة، وقد نجح بعضهم فعلاً في ذلك، وتميزوا عن البقية، مقارنًا أن في الماضي كان الفنان يُنتج ألبومًا ويُكافأ عليه حتى وإن كان المقابل زهيدًا، أما اليوم فإنك إن أردت إنتاج عملٍ فني، فعليك أن تدفع من جيبك.
ويشير الخامري خلال حديثه لمنصة ريف اليمن، إلى أن مستقبل الأغنية اليمنية لن يختلف كثيرًا عن واقع حالة المجتمع السياسية والاقتصادية التي تؤثر على الأغنية بطرق غير مباشرة أحياناً، مستدركا بالقول:”ستظل للأغنية اليمنية خصوصيتها التي يصعب على غيرها من الأغاني العربية تجاوزها بسهولة.
موضحا أن الأغنية اليمنية تتميز بمقامات فريدة وإيقاعات مختلفة، متسائلا:” لكن كيف يمكن لهذا التميّز أن يُعرف ويُحفظ ما لم يكن هناك تجديد واع يحافظ على روح الأغنية وأصالتها؟ لافتا أن من يعملون على تجديد الأغاني قليلون جدا، وهم يبذلون جهدًا كبيرًا بإمكانيات محدودة، وإذا لم يتم دعمهم واحتضانهم، فلن يتمكنوا من الاستمرار، ولن ينهض أحد من بعدهم ليكمل هذا الطريق.
The post كيف جسدت الأغنية اليمنية واقع الحياة الريفية؟ first appeared on ريف اليمن.