
لا تزال المشاورات قائمة في لبنان لصياغة جواب موحّد على المقترح الذي حمله المبعوث الأميركي توماس برّاك، خلال جولته على المسؤولين في بيروت يوم 19 يونيو/ حزيران الماضي، خصوصاً لناحية البند المتعلّق بحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، والآلية التنفيذية لتطبيق الاستراتيجية الخاصة به، وسط تمسّك حزب الله بـ"أولويات"، واعتبار الملف شأناً لبنانياً، يُبحث بالحوار الداخلي.
وقالت مصادر رسمية لبنانية لـ"العربي الجديد" إنّ "الاجتماعات والمشاورات لا تزال قائمة على مستوى اللجنة الممثلة للرؤساء الثلاثة، والتواصل مستمرّ للتوصل إلى صيغة موحّدة قبل عودة برّاك، المرتقبة مطلع الأسبوع المقبل إلى بيروت، وسيكون هناك تنسيق مع حزب الله أيضاً". وأشارت المصادر إلى أنّ "برّاك لم يُحدّد مهلة لسحب سلاح حزب الله، لكنه تحدّث عن ضرورة إنجاز الموضوع سريعاً، خلال أشهر قليلة، قبل نهاية العام الجاري، على أن يشمل ذلك أيضاً جميع الأسلحة غير الشرعية في لبنان، ضمنها الفلسطينية".
كما لفتت إلى أن "هناك ضمانات يجب الحصول عليها ويطلبها لبنان، بمعنى وقف الاعتداءات الإسرائيلية، والانسحاب من النقاط الخمس، وبدء مسار إعادة الإعمار، وتحرير الأسرى اللبنانيين لدى إسرائيل، ومن المقترحات أن يكون سحب السلاح تدريجياً، بدءاً من شمال نهر الليطاني، ويوسّع الجيش اللبناني انتشاره، ليقابَل ببدء انسحاب إسرائيل من النقاط الخمس، على أن ينتشر الجيش اللبناني أيضاً في كلّ نقطة يتم الانسحاب منها".
ولفتت المصادر أيضاً إلى أنّ "العناوين الأساسية لورقة برّاك باتت معروفة، ومرتبطة بالسلاح، والإصلاحات المالية، ومكافحة اقتصاد الكاش، وترسيم الحدود، والعلاقات مع سورية، والملفات المرتبطة بين البلدين، سواء الترسيم أو ضبط الحدود وغيره، وهي ملفات لا يمكن تحقيقها دفعة واحدة، من هنا يتمسّك لبنان بضرورة وقف الاعتداءات الإسرائيلية والخروقات المستمرّة منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي".
مصدر في حزب الله: لعدم الخضوع للإملاءات الاميركية
من جهته، قال مصدر نيابي في حزب الله لـ"العربي الجديد" إن "الحزب ينتظر الصيغة اللبنانية، وكله ثقة أيضاً بالدور الذي يقوم به رئيس البرلمان نبيه بري"، مشيراً إلى أن "موقفنا بات معروفاً بأنّ الحزب التزم باتفاق وقف إطلاق النار، ولم يخرقه، والدليل انتشار الجيش في جنوب الليطاني، والمهام التي يقوم بها، حتى في الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق أخرى، مع تعاون واضح من حزب الله". وأشار المصدر إلى أن "الحزب تعاون منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ مع الدولة، ولم يقم بأي خطوة رغم كل الخروقات الإسرائيلية التي تخطّت حاجز الألفين، وأسفرت عن سقوط عددٍ كبير من الشهداء، ولكن ينتظر منها ألا تخضع لأي إملاءات أو شروط خارجية، فالأميركيون والإسرائيليون يريدون لحزب الله أن يرضخ، وهذا لن يحصل، ولا يمكن فرض مهل على لبنان، والتعاطي مع الدولة بهذه الطريقة".
وشدد المصدر على أن "حزب الله سبق أن أعرب عن موقفه إزاء ملف السلاح، وبأنه شأن وطني يجب أن يُبحث بين الأفرقاء في الداخل اللبناني، وهو ما تحدث عنه أيضاً الرئيس جوزاف عون وشدد عليه في أكثر من مناسبة، لكن الأميركيين والإسرائيليين يضغطون ويهددون بهدف إنهاء حزب الله، فهذا مخططهم ولن يحصل".
ميدانياً، تستمرّ الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار، بحيث استهدف قصف إسرائيلي، اليوم الأربعاء، منطقة القاطع في أطراف بلدة شبعا جنوبي لبنان، كما قام جيش الاحتلال بعملية تمشيط بالأسلحة الرشاشة من موقعه في تلة الحمامص باتجاه أطراف مدينة الخيام، في حين سجل تحليق لطيران الاحتلال على علو منخفض في الأجواء اللبنانية ضمنها في الضاحية الجنوبية، والعاصمة بيروت.
سلام: لا استقرار مع استمرار الانتهاكات الإسرائيلية
وفي موقف له اليوم الأربعاء، شدد رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام على أنه "لا يمكن تحقيق الاستقرار في لبنان طالما استمرّت الانتهاكات الإسرائيلية، وبقي الاحتلال قائماً لأجزاء من أرضنا، وأسرانا في سجون العدو". وخلال كلمة له في المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أكد سلام: "نكثّف الضغوط السياسية والدبلوماسية لتنفيذ القرار 1701، ونوفّر كل ما يلزم لضمان العودة الكريمة لأهلنا، وإعادة إعمار ما دمّره العدوان". وأضاف: "في موازاة ذلك، تواصل الدولة، انسجاماً مع اتفاق الطائف وبيان حكومتنا الوزاري، جهودها لبسط سلطتها الكاملة على جميع أراضيها بقواها الذاتية، بهدف حصر السلاح في يدها وحدها".
وأردف سلام: "لقد عزّزنا السيطرة على مطار رفيق الحريري الدولي والطريق المؤدي إليه عبر إجراءات إدارية وأمنية صارمة للحد من التهريب وتعزيز السلامة العامة، كما أطلقنا تعاوناً مباشراً مع الجانب السوري لضبط الحدود، ومكافحة التهريب، وتأمين العودة الآمنة والكريمة للنازحين". وفي إطار عرضه رؤية حكومته، عرّج سلام على الملف الإقليمي، مشيراً: "اتّخذنا قراراً واضحاً بإعادة وصل لبنان بعمقه العربي، لاستعادة موقعه الطبيعي كشريك فاعل في مسارات التنمية، وتنشيط التجارة البينية، وجذب الاستثمار"، لافتاً إلى أن "المنطقة تمرّ بتحوّل تاريخي، ولبنان لا يمكن أن يبقى على الهامش، فلا نهوض خارج عمقه العربي، ولا مستقبل دون شراكة قائمة على الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة".
وفي ملف إعادة الأعمار، قال: "هذه ليست مسألة هندسية أو مالية فحسب، بل هي أيضاً عملية سياسية واقتصادية واجتماعية تهدف إلى تثبيت الناس في أرضهم، واستعادة ما دمّرته الحرب من ثقة، وبُنى، وكرامة"، مضيفاً: "لقد تعهّدنا بإعادة بناء ما دمّره العدوان الأخير، ونعمل على إطلاق جهود الإعمار ضمن أطر شفافة ومسارات خاضعة للمساءلة والمحاسبة".
