إسرائيل تحاصر الصحافيات الفلسطينيات في الفضاء الرقمي
Arab
1 week ago
share

"لا أشعر إطلاقاً بوجود أمن رقمي في فلسطين. هذا الموضوع فوضوي، غير منظم، ولا توجد منظومة حقيقية تحمي البيانات. تعرضت للتحريض والملاحقة، وكان لذلك، بشكل غير مباشر، دور في اعتقالي داخل سجون الاحتلال"؛ بهذه الكلمات تلخّص إحدى الصحافيات الفلسطينيات واقعاً بات شائعاً في أوساطهن في فلسطين، حيث يتقاطع الفعل الصحافي مع الرقابة الأمنية والملاحقة الرقمية، وصولاً إلى السجن أو الإخفاء القسري.

ثلاثية القمع: التحريض والملاحقة والاعتقال

الصحافيون الفلسطينيون هم العين الشاهدة على الانتهاكات الإسرائيلية، لكونهم شهوداً مباشرين على العنف الاستعماري اليومي. هذا الدور جعلهم عرضة لاستهداف ممنهج، يتدرج من التحريض والملاحقة، إلى الاعتقال، في ما يمكن وصفه بـ"ثلاثية القمع" التي تهدف إلى تغييب الصوت الفلسطيني إعلامياً داخل فلسطين وخارجها. ومنذ بدء حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تحوّل الفضاء الرقمي إلى ميدان رقابة واسع، باتت فيه كل كلمة أو منشور عرضةً للتجريم تحت بند "التحريض"، وهو ما دفع كثيرين، خصوصاً الصحافيات، إلى ممارسة رقابة ذاتية على محتواهن الرقمي، والاكتفاء بنقل الأخبار من دون التعبير عن الرأي، خوفاً من الاستهداف. منذ سنوات، تسير إسرائيل في استراتيجية "أمننة" العمل الصحافي الفلسطيني، إذ باتت التغطية الإعلامية الميدانية تُصنف نشاطاً أمنياً، تُطبق عليه أدوات الرقابة والملاحقة نفسها المخصصة للنشاط السياسي أو المقاوم. وهو ما ترسخ بشكل أكثر حدّة مع العدوان على قطاع غزة، حيث اغتالت قوات الاحتلال صحافيين وصحافيات بشكل مباشر. وحتى ما قبل أكتوبر 2023، اغتال قناص إسرائيلي الصحافية شيرين أبو عاقلة، مراسلة قناة الجزيرة، خلال تغطيتها اقتحام مخيم جنين في مايو/ أيار 2022، برصاصة مباشرة في الرأس، رغم ارتدائها سترة الصحافة.

استهداف الصحافيات الفلسطينيات

وثق مركز صدى سوشال اعتقال ثماني صحافيات فلسطينيات من الضفة الغربية منذ بدء العدوان على غزة، هن إخلاص صوالحة، ورولا حسنين، وبشرى الطويل، وأسماء هريش، وحنين القواريق، ورشا حرز الله، وسمية جوابرة، وأشواق عوض. معظمهن اعتُقلن إدارياً من دون توجيه تهم رسمية، باستثناء صحافيتين نُسبت إليهما تهم "التحريض". أما في قطاع غزة، فالحال أكثر تعقيداً، حيث تتعرض الصحافيات الفلسطينيات للإخفاء القسري، وسط انعدام المعلومات الدقيقة بشأن أماكن احتجازهن أو ظروفهن. الصحافية إخلاص صوالحة أشارت في شهادتها لـ"صدى سوشال"، في التقرير الذي نشر يوم الاثنين، إلى أن اعتقالها ربما يكون مرتبطاً بعملها الصحافي، لكن غياب الشفافية في الاعتقال الإداري يحول دون معرفة الأسباب الحقيقية، فيما الصحافية لمى غوشة، التي اعتُقلت قبل الحرب وأُفرج عنها بشروط قاسية، تؤكد أنّ ملاحقتها بدأت بسبب منشوراتها على "فيسبوك".

أدوات القمع الرقمية

لا تقتصر الرقابة الإسرائيلية على الملاحقة اليدوية، بل تتكئ على منظومة تكنولوجية متقدمة، تشمل برامج تجسس مثل "بيغاسوس"، الذي يُمكّن الأجهزة الأمنية من الوصول الكامل إلى هاتف الصحافي من دون علمه، وأنظمة بيومترية مثل "رد وولف" التي تُستخدم عند نقاط التفتيش لرصد تحركات الأشخاص وربطها بنشاطهم الإعلامي، والذكاء الاصطناعي التحليلي عبر نظام "لافندر" الذي يبني قرارات تصنيف الأشخاص "أهدافاً محتملة" على أساس تحليل بيانات ضخمة، ما يجعل العمل الصحافي محفوفاً بخطر التصفية الفورية. وقالت صحافية لم يذكر اسمها، لـ"صدى سوشال": "منذ خروجي من المعتقل، بدأت أمارس رقابة ذاتية على نفسي، لا أتنازل عن مبادئي، لكنني أحاول تجنب ما يمكن أن يُعتبر تحريضاً". فيما اختارت أخريات الانسحاب الكامل من الفضاء الرقمي، "كنت ناشطة جداً على منصات التواصل الاجتماعي، لكن بعد اندلاع الحرب واعتقالي، قررت حذف حساباتي لحمايتي النفسية والأمنية"، صرحت أخرى.

انتهاك الحق في الخصوصية

وفق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 17)، يُعد الأمن الرقمي جزءاً من الحق في الخصوصية. وأكد المقرر الخاص لحرية التعبير في الأمم المتحدة أن الرقابة الرقمية يجب أن تكون مقيدة بالقانون ومتناسبة مع الهدف. لكن، في السياق الفلسطيني، تعمل إسرائيل على تقويض هذا الحق منهجياً، بخاصة تجاه الصحافيات، عبر سياسة قائمة على اختراق البيانات، ومحاولة إسكات الشاهدات على الانتهاكات. وتشير الشهادات التي نشرها "صدى سوشال" إلى غياب بنى حماية محلية قادرة على توفير أدوات دفاع رقمي للصحافيات الفلسطينيات، ما يدفعهن إلى مواجهة القمع الرقمي وحيدات، من دون حماية قانونية أو دعم تقني. كما أن غياب الحاضنة المؤسسية يحوّل الاستهداف إلى تهديد مركّب يتجاوز الشخص ليصل إلى العائلة في حال رفض الصحافية الانصياع للأوامر العسكرية أو الصمت. ويشدد المركز على أن ما يتعرض له العمل الصحافي الفلسطيني (الصحافيات خصوصاً)، من ملاحقة رقمية واستهداف مباشر، يُحتم ضرورة بناء وعي جماعي حول الأمان الرقمي، لا بوصفه ترفاً تقنياً، بل أداة بقاء ومقاومة. فحين يُحوَّل الصحافي من ناقل للحدث إلى "هدف أمني" يصبح الفضاء الرقمي ساحة حرب موازية تتطلب دفاعاً، وتضامناً، وتنظيماً.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows