هل يستعيد المغرب المنطقة العازلة بعد هجوم "البوليساريو" على السمارة؟
Arab
1 week ago
share

أعاد الهجوم الذي استهدف، الجمعة الماضية، مدينة السمارة جنوب المغرب، وتبنّته جبهة "البوليساريو" الانفصالية علناً وصراحةً، طرح تساؤلات حول التهديدات الأمنية والعسكرية التي تنطلق من المنطقة العازلة في الصحراء الغربية، والخطوات التي قد تتخذها الرباط للحيلولة دون تحول المنطقة إلى قاعدة خلفية لشنّ الجبهة عمليات عسكرية في المنطقة.

وبينما لم يصدر إلى حدّ الساعة أي موقف رسمي مغربي على الهجوم، باستثناء بيان أصدره حزب "التجمع الوطني للأحرار" (قائد الائتلاف الحكومي الحالي في البلاد) تعالت الأصوات في المغرب مطالبة بضرورة استعادة المنطقة العازلة شرق الجدار الأمني، التي تستغلها "البوليساريو" منصةً لإطلاق المقذوفات واستهداف المدنيين، وذلك من أجل تأمين المنطقة ووقف الاعتداءات.

وكانت مدينة السمارة قد شهدت مساء الجمعة الماضية، حدثاً أمنياً مقلقاً بعد إطلاق "البوليساريو" 4 مقذوفات باتجاه المدينة، سقطت إحداها قرب مؤسسة تعليمية وأخرى قرب قاعدة تابعة لبعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء "المينورسو"، من دون أن تسفر عن إصابات بشرية.

وليست المرة الأولى التي تتعرض فيها مدينة السمارة لهجوم من "البوليساريو"، إذ جرى استهدافها ليل 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ما أسفر عن مقتل شخص واحد وإصابات عدة. وجاء الهجوم بالتزامن مع عقد مجلس الأمن الدولي جلسات لمناقشة تجديد المهمة السنوية لبعثة "مينورسو". ويعد هجوم السمارة الأخير هو الثالث من نوعه في غضون أشهر، بعد قصف مدينة المحبس يوم 10 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، والذي استهدف مدنيين صحراويين كانوا يحتفلون بالذكرى 49 للمسيرة الخضراء.

ولئن كان مراقبون يرون أن هجوم السمارة الأخير يدخل في سياق ما يمكن وصفه بالعمليات "النمطية" التي اعتادت "البوليساريو" على شنها منذ إعلان انسحابها الأحادي من قرار وقف إطلاق النار الموقع عام 1990 عقب عملية الكركرات في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، يعتبر المحلل السياسي المغربي رشيد لزرق، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تكرار الهجمات من داخل المنطقة العازلة يكشف هشاشة الوضع الأمني شرق الجدار ويضع المغرب أمام لحظة اختبار للردع والشرعية.

ويوضح لزرق أن استمرار ضبط النفس لم يمنع التصعيد، ما يعزز مشروعية المغرب في تفعيل حقه في الدفاع عن النفس، خاصّة في ظل عجز الأمم المتحدة عن ضبط التحركات العدائية، معتبراً أن "إعلان المنطقة العازلة مصدر تهديد مباشر، وتحميل الجبهة الانفصالية مسؤولية الخروقات، يعد خطوة ضرورية لتحريك المجتمع الدولي وإعادة تقييم دور بعثة المينورسو التي فشلت في فرض احترام وقف إطلاق النار".

ويذهب المحلل السياسي إلى أن التحرك المغربي يمكن أن يتخذ شكل عمليات محدودة ودقيقة تستهدف تعطيل مصادر الخطر داخل المنطقة العازلة، دون خرق لروح القانون الدولي، لافتاً إلى أنه وفق للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة يحق للدول الدفاع عن نفسها في حال وقوع عدوان مسلح.

ويقول إن هذا المسار القانوني يتيح للمغرب التحرك على نحوٍ محسوب، مع الحفاظ على المسار الدبلوماسي من خلال رفع الملف إلى مجلس الأمن، والمطالبة بمساءلة جبهة البوليساريو، والتأكيد أن أمن المواطنين وسيادة الدولة ليستا مجالاً للتفاوض أو المجاملة.

من جهته، يقول الباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية، محمد شقير، إنه بعد تكرار "البوليساريو" لـ"استفزازاته العسكرية من خلال استهداف بعض الأماكن بالسمارة وبالأخص مقرّ "المينورسو"، يمكن للقيادة العسكرية بالمملكة التفكير في التقليص من المنطقة العازلة التي تستغلها عناصر الجبهة لقصف السمارة، خاصة بعدما أغلقت السلطات الموريتانية معبر بريكة".

غير أن شقير يرى، في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن هذه الخطوة العسكرية لن يجرِ الإقدام عليها إلّا بعد أن يجري إلغاء دور "المينورسو" في المنطقة، وكذا إمكانية إدماج "البوليساريو" من طرف الولايات المتحدة في لائحة التنظيمات الإرهابية، مشيراً إلى أن المغرب يحاول دائماً ألّا تكون هناك حدود مباشرة مع الجزائر وذلك تفادياً لأي مواجهة عسكرية مباشرة أو استغلال السلطات الجزائرية ذلك لإعلان الحرب على المملكة وإشعال المنطقة.

ويضيف: "الكل يتذكر بأن الملك الراحل الحسن الثاني على الرغم من تلويحه بحق المتابعة لملاحقة عناصر الجبهة التي كانت تتسلل عبر الحدود الجزائرية إلّا أنه لم ينفذ هذا الإجراء حتى لا يمنح الفرصة لنظام الهواري بومدين لاتهام المغرب بانتهاك الحدود الجزائرية، وإعلان الحرب الذي كان يرى بأنها ستكون حرباً مدمرة للجانبين ولكل المنطقة، ولن يكون فيها منتصر أو منهزم".

ورداً على سؤال لـ"العربي الجديد"، حول إن كان المغرب سيقدم على استعادة المنطقة العازلة بعد هجوم السمارة، يقول القيادي السابق في "البوليساريو"، مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، إنه يتعين وضع الهجوم في سياقه حتى نتوقع ردة فعل المغرب عليه، موضحاً أن الهجوم يبقى حدثاً عادياً يتكرر على مدار السنة حسب تقارير الأمين العام للأمم المتحدة الدورية، وأن الاستثناء هذه المرة، أنه استهدف مدينة السمارة للمرة الثالثة بعد عودة البوليساريو إلى الحرب في 2020 (إثر تمكن الجيش المغربي في عملية سلمية من تأمين معبر الكركرات الحدودي الفاصل بين المغرب وموريتانيا في 13 نوفمبر 2020، بعد إغلاق عناصر البوليساريو للطريق التجاري لمدة 3 أسابيع).

ويلفت ولد سيدي مولود إلى أن المغرب قطع عملياً الطريق على وصول "البوليساريو" للمناطق شرق الحزام منذ العام 1985، حينما شيد الشطر الرابع من الحزام الأمني في قطاع المحبس، ولم يترك فوق خمس كيلومترات بينه وبين حدود موريتانيا قرب تيندوف، ويضيف: "ضم المزيد من الأراضي سيزيد الأمور تعقيداً خاصة أن الحزام سيقترب من مناطق حساسة للبلدين الجارين، وكلاهما لا يريد مشاكل على حدوده، كما لا يريد أن يدفع بـ"البوليساريو" نحو أراضيه ما دامت قضية الصحراء لم يفصل فيها دولياً لصالح طرف من الأطراف. ولهذا نجد الجزائر وموريتانيا معرفين في قرارات مجلس الأمن كأطراف في النزاع".

ويرى أنه في حال حدوث تقدم جديد للمغرب فستتعقد الأمور ميدانياً وأممياً، وقد تتوقف العملية السياسية، وهو وضع لا يخدم المغرب على اعتبار أن مكاسبه الشرعية كلها مرتبطة بالعملية السياسية. ويوضح أن المغرب يسيطر من الناحية العملية على المنطقة شرق الحزام عن طريق المسيرات، وأن لا حاجة له للدخول في مغامرة ما دامت حرب البوليساريو منخفضة الشدة.

وتقع المنطقة العازلة شرق الجدار الرملي المغربي وغرب وشمال حدود الجزائر وموريتانيا، وهي بمثابة منطقة عازلة جرى الاتفاق عليها ضمن اتفاق وقف إطلاق النار عام 1991 بين المغرب والبوليساريو، فيما تعتبرها الأخيرة "أراضيَ محرّرة".

وبحسب بنود الاتفاقية العسكرية رقم 1 بين المغرب و"البوليساريو"، والتي هي من مشمولات اتفاقية وقف إطلاق النار سنة 1991 وكانت موضوع مراجعة سنة 1997/1998، تقسم الصحراء إلى خمس مناطق هي: منطقة عازلة عرضها 5 كيلومترات شرق الجدار الرملي للقوات المسلحة الملكية، منطقتان مقيدتا الولوج (25 كيلومتراً شرق الجدار الرملي و30 كيلومتراً غربه، على التوالي)، منطقتان خاضعتان لقيود محدودة، تشملان ما تبقى من أراضي الصحراء. ووفقاً للاتفاق العسكري تمنع الأمم المتحدة دخول أفراد أو معدات الجيش الملكي المغربي والقوات العسكرية لـ"البوليساريو" براً أو بحراً إلى المنطقة العازلة، كما يحظر إطلاق نيران الأسلحة داخلها وفوق أجوائها في جميع الأوقات.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows