جدّد بنك المغرب (البنك المركزي المغربي) تمسكه بالمضي قدماً في إصلاح نظام سعر صرف الدرهم وفق مقاربة "تدريجية حذرة"، رغم الضغوط المتزايدة من مؤسّسات مالية دولية، وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي، التي تدعو إلى اعتماد تعويم أوسع وأكثر مرونة للعملة المغربية. وأكد محافظ بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، خلال جلسة استماع أمام لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية بمجلس المستشارين، أن أي انتقال نحو مزيد من الليونة في سعر الصرف يجب أن يجري بضمانات واضحة لضبط التضخم وتأمين رصيد كافٍ من العملة الصعبة دون التأثير السلبي على التوازنات الماكرو اقتصادية.
وكان المغرب قد بدأ فعلياً في إصلاح نظام سعر الصرف في يناير/كانون الثاني 2018، من خلال السماح بتحرك سعر الدرهم داخل نطاق 2.5% صعوداً وهبوطاً بدلاً من 0.3% سابقاً، ثم وسع ذلك النطاق في مارس/آذار 2020 إلى 5%. غير أن الأزمة الصحية الناتجة عن جائحة كورونا دفعت السلطات النقدية إلى تعليق التوسع في التعويم مؤقتاً، رغم التوصيات المتكرّرة من صندوق النقد بالمضي قدماً في الإصلاح، ويرى البنك المركزي أن هذا القرار يبقى سيادياً، وقد جرى الإعداد له على مدى 15 عاماً، ويجب أن ينفذ ضمن شروط متكاملة تشمل استقرار التضخم وتوافر احتياطي نقدي مستدام.
وخلال عرضه، شدّد الجواهري على أن المغرب لا يمكنه القفز نحو تعويم كامل دون تهيئة الظروف التقنية والمؤسّسية اللازمة. وأوضح أن هذه الشروط تشمل، من بين أمور أخرى، تعزيز سيولة سوق الصرف، وتطوير أدوات مالية لتغطية وتقليل المخاطر المرتبطة بتقلبات العملة، وتحديث البنية الرقابية، إلى جانب تعزيز قدرة البنوك والشركات الصغيرة والمتوسطة على التكيّف مع نظام صرف أكثر مرونة، وأكد أن البنك المركزي يعمل على مرافقة المؤسّسات الإنتاجية في هذا التحول، لا سيّما أن أكثر من 90% من النسيج المقاولاتي في المغرب يتكون من شركات صغيرة ومتوسطة أو صغيرة جداً.
ومن الناحية الفنية، أكد مدير الدراسات الاقتصادية ببنك المغرب، محمد التعموتي، خلال الاجتماع أمس الاثنين، أن الانتقال إلى المرحلة التالية من إصلاح نظام الصرف يتطلب توافر بيئة اقتصادية داعمة، وعلى رأسها تراجع عجز الميزان التجاري، وتوسيع قاعدة الصادرات، وزيادة مرونة الاقتصاد تجاه الصدمات الخارجية، ولفت إلى أن تحرير سعر صرف العملة لا ينبغي أن يجري بمعزل عن إصلاحات هيكلية موازية في السياسات الضريبية والجمركية والتجارية.
وبحسب آخر توقعات بنك المغرب، فإن احتياطي النقد الأجنبي يتوقع أن يبلغ حوالى 40.7 مليار دولار مع نهاية العام الجاري، مرشحاً للارتفاع إلى 42 مليار دولار في 2026، وهو ما يعادل ما بين 5 إلى 6 أشهر من الواردات من السلع والخدمات. ويعد هذا المستوى من الاحتياطي معياراً إيجابياً من وجهة نظر المؤسسات الدولية، إلا أن المركزي المغربي يرى أن الكمية وحدها لا تكفي، بل يجب أيضاً أن تدار السياسة النقدية ضمن إطار يضمن الاستقرار الاقتصادي العام.
تجدر الإشارة إلى أن المغرب يواجه عجزاً متزايداً في ميزانه التجاري يتجاوز 19.5% من الناتج المحلي الإجمالي، نتيجة ضعف التنوع في هيكل الصادرات وارتفاع التبعية للواردات. ويخشى من أن يؤدي التعويم الكامل، دون إصلاحات موازية، إلى تدهور قيمة الدرهم بحدّة، ما يرفع كلفة الاستيراد ويضغط على القدرة الشرائية للأسر، ويهدّد الاستقرار الاجتماعي. وفي هذا السياق، أشار الجواهري إلى أن خيار البنك المركزي هو المرور عبر مرحلة وسيطة في إصلاح الصرف، تمهد لاحقاً للانتقال إلى نظام يقوم على استهداف التضخم بدلاً من الدفاع عن سعر العملة.
وفيما تتواصل ضغوط صندوق النقد لتسريع الإصلاحات، يصر بنك المغرب على أن "السيادة النقدية" يجب أن تظل بيد الدولة، وأن الإصلاح يجب أن يجري بإرادة وطنية وليس استجابة لاعتبارات ظرفية خارجية. وتبقى المحطة القادمة في علاقة المغرب بالمؤسّسات الدولية هي مراجعة التقييم السنوي من بعثة الصندوق، التي ستأخذ بعين الاعتبار مدى التقدم في ملف الصرف، وقدرة الاقتصاد المغربي على مواجهة تحديات المرحلة القادمة.
ويصر محافظ المركزي على أن الانتقال لمرحلة ثانية في تعويم سعر الصرف، يستدعي ضمان الحفاظ على التوازنات الماكرواقتصادية و تأمين مستوى مناسب من رصيد القد الأجنبي. ولا يخفي المحافظ البنك ارتياحه لمستوى النقد الأجنبي الذي يغطي ما بين خمسة وستة أشهر من واردات والخدمات. وإذا كان البنك المركزي يؤكد على تطوير سوق الصرف بين المصارف، فإنه ينشغل أكثر بمواكبة الشركات الصغيرة والمتوسطة والصغيرة جداً التي تمثل أكثر من 90% في النسيج المقاولاتي المحلي.
Related News
