
في انتهاك صارخ للكرامة الإنسانية والخصوصية، تتوالى شهادات صادمة لنساء يتعرضن لـ"تفتيش مهين وتحرش ممنهج"، داخل سجن المنيا شديد الحراسة بمصر، ما يثير تساؤلات جدية حول واقع حقوق الإنسان في السجون المصرية ومعاملة ذوي السجناء، في ممارسات وصفتها منظمات حقوقية بأنها "أساليب تعذيب نفسي ممنهج"، تدفع الزائرات إلى استغاثات عاجلة بوقف ما يتعرضن له.
وفي شهادة مؤلمة كشفت عنها الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، اليوم الثلاثاء، روت إحدى السيدات تجربتها في زيارة سجن المنيا: "معلش أنا كنت في زيارة يوم (...) وعلى أمل إنّ التفتيش يكون اتّحسن بعد الشكاوى، لكن والله للأسف بقى أسوأ من الأول وبمنتهى المهانة، تفتيش النساء إهانة. أول ما دخلنا، قالت الشرطية اخلعي النقاب والطرحة، عايزة تكوني بشعرك. بعد كده، ارفعي العباية. أضافت: مرور الجهاز مش مشكلة، لكن المطالبة برفع "البادي"، وأكون – آسفة يعني – على اللحم، لتفتش وتفحص الجسد ليه؟ هو مش لو في حاجة الجهاز هيدي إنذار؟ وطبعاً ما تقدريش تتكلمي، لأن الزيارة هتتلغي. وأنا جاية من (...) لسجن "المنيا" ماشية من بيتي قبل ميعاد الزيارة بـ24 ساعة".
هذه الشهادة ليست حالة فردية، بل هي جزء من نمط واسع من الشكاوى التي تلقتها الشبكة المصرية لحقوق الإنسان من عشرات من أهالي النزلاء في سجن المنيا شديد الحراسة. وتفيد الشكاوى بتعرض الزائرات لــ"تحرش جنسي وتفتيش جسدي فاضح بحجة التفتيش عن الممنوعات".
وأكدت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، أن هذه الممارسات ليست مجرد انتهاكات فردية، بل تمثل "سياسة متعمدة لإرهاب العائلات، وبثّ الخوف، وإرسال رسالة قمعية مفادها أن العقاب لا يقتصر على السجين فحسب، بل يمتد ليشمل كل من يقترب منه أو يتضامن معه". فالتفتيش الذاتي المهين يخلف آثاراً نفسية شديدة السوء على النساء الزائرات، ويُشكل نوعاً من "الانتهاك الصامت" الذي لا يقل ضرراً عن العنف الجسدي. وقد رصدت الشبكة في ثلاثة تقارير سابقة تكرار هذه الانتهاكات، ما أجبر العديد من الأهالي على الامتناع عن اصطحاب بناتهم الصغيرات خوفاً عليهن. ويجري كل ذلك في ظل صمت وتجاهل تام من الضباط المشرفين على الزيارات، والذين يتعاملون مع الشكاوى بالتهديد بإلغاء الزيارة ومنع دخول الأهالي.
انتهاكات متواصلة في السجون المصرية
ولا تقتصر الانتهاكات على تفتيش الزائرات، بل تتعداها لتشمل حزمة من الممارسات التي تستهدف ذوي السجناء في مصر. وتشير العديد من التقارير الحقوقية المحلية والدولية إلى أن ذوي السجناء، خاصة المعتقلين السياسيين، يتعرضون لمعاملة قاسية ومهينة، وغالباً ما تُستخدم زيارات السجن وسيلةً للضغط والترهيب. وكثيراً ما تُفرض قيود غير مبررة على عدد الزيارات أو مدتها، أو تُمنع الزيارات بالكامل لأسباب واهية أو دون إبداء أسباب، ما يزيد من معاناة السجناء وذويهم.
وطبقاً لتقارير حقوقية، يواجه ذوو السجناء، خاصّة الأمهات والزوجات وكبار السن، إجراءات روتينية مُعقدة وطويلة، وتأخيرات متعمدة، ومعاملة غير إنسانية من موظفي السجون. الهدف من ذلك هو الإذلال وكسر إرادتهم. وغالباً ما يُحرم السجناء من أبسط حقوقهم خلال الزيارة، مثل استلام الملابس والطعام والأدوية الضرورية، ما يضاعف من معاناة ذويهم الذين يسعون لتوفير هذه الاحتياجات. وتعرض ذوو السجناء للمراقبة المستمرة، وقد يُستدعَون للاستجواب أو يُهددون بالاعتقال إذا ما تحدثوا علناً عن انتهاكات حقوق السجناء أو شاركوا في أي أنشطة حقوقية. وتُسبب هذه الممارسات آثاراً نفسية وجسدية وخيمة على ذوي السجناء، الذين يعيشون تحت ضغط نفسي وعصبي دائم، وتتأثر حياتهم الاجتماعية والاقتصادية كثيراً.
وتؤكد منظمات مثل "هيومن رايتس ووتش"، ومنظمة العفو الدولية، ومبادرة الحرية، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان (قبل توقفها)، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، أن هذه الممارسات تُمثل انتهاكاً صريحاً للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، مثل اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والتي تحظر أي شكل من أشكال سوء المعاملة أو العقوبة القاسية.
وفي مواجهة هذه الانتهاكات، تقدمت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان للمرة الرابعة بشكاوى رسمية موجهة إلى النائب العام المصري ووزير الداخلية ومكتب الشكاوى والتفتيش بوزارة الداخلية ومصلحة السجون، ودعت الشبكة إلى فتح تحقيق عاجل وشفاف، ومحاسبة كل من يشارك أو يسهل هذه الانتهاكات بحق النساء داخل سجن المنيا شديد الحراسة، وشددت على أن هناك وسائل تفتيش حديثة وأكثر كرامة واحتراماً للخصوصية يمكن استخدامها للكشف عن الممنوعات، من دون المساس بجسد المرأة وكرامتها".
وطالبت الشبكة بوقف هذا "التحرش الجنسي غير الأخلاقي"، وهذه "الفاحشة التي تُمارس على مرأى ومسمع الجميع أثناء الزيارات"، فكرامة النساء وحقهن في الخصوصية "ليستا مساحة للمساومة أو التفتيش المهين، بل هما حقوق أساسية يجب احترامها وصونها"، حسب البيان.

Related News


