
على أوراق مبعثرة، وعلى صفحتها الفيسبوكيّة، دوّنت سميرة يوميّات الحصار في دوما التي لجأت إليها سنة 2013، هرباً من أجهزة النظام. فيحدُث أن تُحاصر دوما، ويسيطر عليها فصيل "جيش الإسلام"، أحد الفصائل الإسلاميّة السلفيّة التي تسلّقت على ظهر الثورة السوريّة، وساهمت مع النظام الساقط وسواه في تدمير نضالها الوطنيّ السلميّ. لن يلبث هذا الفصيل أن خطف رفاق النضال الأربعة المدنيّين الأحرار اللاجئين: سميرة الخليل ورزان زيتونة وزوجها وائل حمّادي وناظم حمّادي. سجناءٌ سابقون في سجون الطاغيين؛ وما يزال مصيرهم مجهولاً، أربعة يجسّدون الثورة السوريّة الأصيلة التي قامت ضد الظلم والاستبداد، لا ضدّ طائفة بعينها، ذلك قبل اغتيالها وتطييفها. ما يذكّر بشعارات مدينة كفرنبل وثورتها الأصيلة، وقد رُفعت على لافتاتٍ شاركتها المظاهرات السوريّة في شتّى المناطق. ذلك هو صوت سميرة ورفاقها الأحرار والثوّار الأصلاء أصالة الشعب السوريّ الحرّ، بينما هي مقتل للمتطرّفين السلفيّين، وللنظامين الدوليّ والعربيّ المتواطئين.
جمع كتابات سميرة زوجها المناضل اليساريّ والسجين السابق، الطبيب والكاتب الصحافيّ، المهجّر خارج البلاد، ياسين الحاج صالح، في كتاب توثيقيّ حرّره وقدّم له، بعنوان" يوميّات الحصار في دوما 2013". وقد أوضح فيه تفاصيل مهمّة تسلّط الضوء على ما يتمّم مشهديّة تلك المرحلة القاسية ليوميّات مدينةٍ مُعذّبة أسوة بغيرها من المدن السوريّة التي انتفضت ضدّ الظلم والاستبداد لتحرير سوريّة بأكملها. لم تكن سميرة ورفاقها يتوقّعون أنّ حضورهم الثوريّ الوطنيّ المدنيّ الديمقراطيّ الحرّ سيخطفه ويغيّبه مدّعو الثورة الإقصائيّون والاستئصاليّون. ثورة مضادّة لطغاة بدلاء عن السلفيّة، يقول ياسين إنها: "قد تكون أصغر الطوائف السوريّة وأحدثها، لكنّها مؤذية جدّاً، وحقودة جدّاً، وأنانيّة جدّاً". وفي موضع آخر كتب: "حال سميرة ورفاقها يمثّل حال سوريّة بين نظام هو الوحشيّة مجسّدة وإسلاميّين هم اللا إنسانيّة مجسّدة".
كتبت سميرة أنّ الحصار: "أسوأ بكثير من السجن (الأسديّ) الذي خبرتُه أربع سنوات". فيوميّات الحصار كانت تتوالى تحت قصف براميل الأسد القاتلة وقذائف الهاون، ثمّ وسط مجزرة الكيماويّ: جوع، عطش، برد، عتمة، موت، وقود وكهرباء شحيحان، أمراض، لا طبابة أو دواء، فقر، احتكار وغلاء فاحش، ورعب. أشلاء. دماء. مقابر جماعية. عجز، قُتل مدنيّون أبرياء؛ أطفال نساء وشيوخ، عزّل إلّا من رحمة السماء"، وتساءلت سميرة بغير براءة: "أين الذين حرّروا المكان؟ لماذا لا يقفون بوجه تجّار ومرتزقة المكان؟... تخسر الثورة سياسيّاً وعسكريّاً، تخسر الثورة روحها، إن لم تكن لحماية المدنيّين". وتتّهم النظام الدوليّ بالتواطؤ مع النظام القاتل و"العالم كلّه شايف". ويرى ياسين أنّ أمر تغييب زوجته ورزان زيتونة: "هو أثر مباشر من آثار منهج النظام الدوليّ في إدارة الأزمة السوريّة وهندسة دمار البلد على النحو المعلوم".
لأنّ "الناس هم الوطن" بحسب سميرة، التصقت بالأهالي، تشاركهم المأساة، وبإحساسها المتفرّد وبلهجة عامّيّة، في الغالب، سردت أحزانهم ومآسيهم، وآزرتهم قدر إمكانها.
وتعليقاً على ما ذكرته سميرة من أن "المشايخ هون، أضرب من المخابرات الجويّة"، كتب ياسين إنّ من بين ما يرمز إليه اختطاف سميرة ورفاقها: "مشاركة نسويّة كبيرة في الثورة يُراد لها أن تطوى، وإلى كون القضيّة النسويّة بُعْد أساسيّ من قضيّة الحرّيّة السوريّة".
رغم القهر والعجز والخراب، آمنت سميرة بانتصار ثورتها، ثورة السوريّين الأصيلة، وكتبت: "بالخلاص القريب، يا وطن".

Related News
