
بعد مرور أقل من أسبوع على وقف الحرب على إيران ورغم نشوة الإنجازات من وجهة النظر الإسرائيلية، والادعاءات بتحقيق جزء كبير من أهداف الحرب، بدأت تتعالى بعض الأصوات المشككة بحجم "الانتصارات" الإسرائيلية، مشيرة إلى أن الجولة المقبلة مع إيران ليست سوى مسألة وقت. على سبيل المثال، كتب الصحافي رفيف دروكير، في مقال نُشر بصحيفة "هآرتس" أمس الاثنين: "الفرق بين صور النصر وتحقيق أهداف الحرب يكشف، أكثر من أي شيء آخر، عن جوعنا لتحقيق نصر أخيراً. الهدف المركزي الذي حُدِّد للحرب هو القضاء على البرنامج النووي الإيراني، وإزالة التهديد الوجودي، بحسب تعبير رئيس الحكومة. ومع ذلك، لا تزال هناك علامات استفهام بشأن حجم الأضرار التي تسبّبت بها الغارات الإسرائيلية، رغم وجود إجماع واسع إلى حد كبير على أن إيران ما زالت تمتلك يورانيوم مخصباً بنسبة 60%. هذا يعني أن المشروع تراجع فقط بضعة أشهر إلى الوراء، وإذا كانت الأضرار أقل مما يُعتقد، فإن احتفالات النصر التاريخي لم تُرجع المشروع دقيقة واحدة إلى الوراء".
رفيف دروكير: نجح الإيرانيون في إصابة العديد من قواعد الجيش الإسرائيلي ومواقع استراتيجية
وأضاف دروكير: "جزء غريب في حالة النشوة (الإسرائيلية) يتعلق بالثمن الذي دفعناه. ماكينة دعائية محكمة الصياغة حرصت على التذكير بأنه، رغم أن الدولة مشلولة، والعديد منا يرتجف داخل الغرف المحصنة، والمباني تنهار، ومطار بن غوريون متوقف عن العمل، فإن ما حدث لا يزال أقل بكثير مما كان متوقعاً. علاوة على ذلك، لم يُبلَّغ عن العديد من نتائج الضربات الإيرانية. لقد نجح الإيرانيون في إصابة العديد من قواعد الجيش الإسرائيلي ومواقع استراتيجية. الرقابة العسكرية تمنع نشر المواقع الدقيقة للإصابات، بحجة أن ذلك سيساعد الإيرانيين على تصويب صواريخهم بدقة أكبر، وهي حجة ضعيفة".
من جهته، أوضح راز تسيمت، رئيس قسم دراسات إيران في معهد أبحاث الأمن القومي بجامعة تل أبيب، في مقالة تحليلية نُشرت بتاريخ 24 يونيو/ حزيران الماضي، أن "الهدنة الهشة بين إيران وإسرائيل تشير إلى نهاية المرحلة الحالية، وهي الأخطر حتى الآن، في المعركة المستمرة بين الجمهورية الإسلامية وإسرائيل. ويمكن لإسرائيل أن تُلخّص هذه الجولة بشيء من الرضا... في الأسابيع المقبلة، سيتضح ما إذا كان بالإمكان الحفاظ على هذه الإنجازات من خلال تسوية سياسية، أم أن إسرائيل ستكون مضطرة إلى فرضها بالقوة".
على أي حال، وفقاً لتسيمت، "حتى وإن وفّرت الضربات الإسرائيلية والأميركية رداً فعّالاً على التهديد النووي، فإنها لا تكفي لتقديم حل شامل للتهديدات التي تمثّلها إيران. في نهاية المطاف، يكمن الحل طويل الأمد للتحدي الإيراني لأمن إسرائيل في تغيير النظام في طهران، غير أن هذا التغيير يعتمد أولاً وقبل كل شيء على التطورات الداخلية في الجمهورية الإسلامية. وحتى ذلك الحين، يتعيّن على إسرائيل أن تتهيأ لاستمرار المعركة ضد إيران عبر وسائل دبلوماسية، واقتصادية، واستخباراتية سرّية، وأحياناً عسكرية، مع تنسيق وتعاون مستمر مع الولايات المتحدة لضمان تحقيق أهدافها الاستراتيجية كافة في مواجهة إيران".
نتنياهو واستغلال نتائج الحرب على إيران سياسياً
رغم الغموض المحيط بنتائج الحرب على إيران، لم يتردد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في استغلال الشعور العام بتحقيق إنجازات عسكرية من أجل تحقيق جزء كبير من الأهداف السياسية المرتبطة بالحرب. في هذا السياق، لم يكن هناك فصل بين دوافع وأهداف نتنياهو السياسية وبين الأهداف العسكرية الاستراتيجية للحرب. فقد نجح نتنياهو، أولاً، في تمديد حالة الحرب والطوارئ التي تشكّل ضرورة لبقاء التحالف الحكومي، خصوصاً في ظل التهديد الذي شكّلته الأحزاب الحريدية بالانسحاب من الائتلاف والتصويت لصالح قانون حلّ الكنيست قبيل بدء الحرب على إيران، وذلك بسبب عدم إقرار قانون إعفاء طلاب المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية.
كما يسعى نتنياهو إلى طمس صورة الإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إذ لا يريد أن يُسجَّل في كتب التاريخ بوصفه رئيس الوزراء المسؤول عن أكبر فشل أمني في تاريخ إسرائيل. بل يطمح إلى أن يُذكر اسمه باعتباره القائد الذي قضى على المشروع النووي الإيراني، وحمى إسرائيل من التهديد الوجودي الأكبر الذي لطالما حذّر منه على مدار ما يقارب العقدين. فمنذ عودته إلى رئاسة الحكومة عام 2009، حوّل نتنياهو الملف النووي الإيراني إلى القضية الأهم على جدول أعمال المؤسسة والرأي العام في إسرائيل.
يسعى نتنياهو إلى طمس صورة الإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر 2023
حظيت الحرب على إيران بدعم دولي واسع، من دون أن تواجه إسرائيل ضغوطاً حقيقية لوقف عملياتها العسكرية. وقد ساهم فتح جبهة واسعة مع إيران في تراجع الاهتمام الإعلامي العالمي بالحرب على غزة، كما خفّف من حدة الضغوط الخارجية المتزايدة، ومن وتيرة الانتقادات الأوروبية المتصاعدة ضد إسرائيل، بل وأوقف، على ما يبدو، محاولة فرض عقوبات أوروبية عليها. كما أدّت الحرب على إيران إلى تراجع التركيز على قضية الأسرى والمخطوفين داخل المجتمع الإسرائيلي، وانخفضت معها الضغوط الداخلية المطالبة بالتوصل إلى اتفاق مع حركة حماس. وقد تحوّلت الحرب على غزة إلى جبهة ثانوية مقارنة بالحرب على إيران، حتى وإن كان ذلك بشكل مؤقت.
ساهمت الحرب أيضاً في تحسين مكانة نتنياهو السياسية والانتخابية، حيث انعكس الدعم الواسع للحرب داخل المجتمع الإسرائيلي، إلى جانب الشعور بتحقيق إنجازات عسكرية وبكلفة مقبولة، في تغيير المناخ العام، خصوصاً في أوساط مؤيدي أحزاب اليمين. ووفقاً لاستطلاع للقناة 13 نُشر بعد انتهاء الحرب، سُجِّل ارتفاع في عدد المقاعد التي قد يحصل عليها حزب الليكود في الانتخابات المقبلة، من 24 مقعداً في الاستطلاع السابق إلى 27 مقعداً، مقابل تراجع في قوة جميع أحزاب المعارضة. وأظهرت نتائج استطلاع القناة 12 وغيرها من الاستطلاعات مؤشرات إلى تحسّن في الوضع السياسي لنتنياهو.
من الواضح أيضاً أن نتائج الحرب على إيران تؤثر بشكل مباشر على ملفات نتنياهو القضائية ومحاكمته الجارية. فقد بادر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إثارة هذا الملف، رابطاً بين نتائج الحرب وبين الدعوة إلى إغلاق القضايا المرفوعة ضد نتنياهو ووقف محاكمته. وسرعان ما تبنّى هذا الطرح عدد من قيادات ونواب أحزاب اليمين في إسرائيل، إلى جانب بعض وسائل الإعلام. وبالفعل، بدأ الحديث يتصاعد حول الحاجة للتوصل إلى صفقة ادعاء تُنهي ملفات نتنياهو، أو حتى منحه عفواً رئاسياً من قبل الرئيس الإسرائيلي، وذلك قبل صدور الحكم النهائي في المحكمة.
إنجازات سياسية غير مكتملة
عادة ما تؤدي الحروب وحالة الطوارئ إلى توحيد المجتمع الإسرائيلي والتقليل من حدة الصراعات والمنافسات الحزبية والسياسية الداخلية، حيث يتجنّد الجميع خلف المجهود العسكري، لا سيما إذا تم تسويق الحرب باعتبارها تهديداً وجودياً. لكن، مع مرور الوقت، وفي حال عدم تحقيق جميع الأهداف، تبدأ الانتقادات بالظهور وتتسع التصدعات الداخلية.
ورغم نشوة الإنجازات، وتحقيق نتنياهو جزءاً كبيراً من أهدافه السياسية والشخصية، لم تؤدِّ نتائج الحرب على إيران إلى إلغاء التصدعات السياسية الداخلية بالكامل. فمع انتهاء الحرب، عادت التظاهرات المطالبة بالتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الأسرى والمخطوفين في غزة إلى الشوارع، بل يمكن القول إن نتائج الحرب منحت هذه الاحتجاجات دفعة جديدة، خصوصاً في ظل الشعور بأن حركة حماس باتت أضعف، وأنه بالإمكان الآن فرض اتفاق أقرب إلى الشروط الإسرائيلية.
لم تؤدِّ نتائج الحرب على إيران إلى إلغاء التصدعات السياسية الداخلية بالكامل
ثانياً، لم تُلغِ الحرب الإشكالية المرتبطة بقضية إعفاء طلاب المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية، إذ لا تزال الأحزاب الحريدية تطالب بسنّ قانون يُنظّم هذا الإعفاء في أقرب وقت ممكن. وعادت هذه الأحزاب إلى التهديد بالامتناع عن التصويت مع التحالف الحكومي في الكنيست ما لم يتم سنّ قانون ملائم يعفي طلاب المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية. وبعد الحرب على إيران، من المتوقع أن تتراجع قدرة الحكومة على الاستمرار في سياسات الدعم المالي السخي وتخصيص الميزانيات الضخمة للفئات الحريدية، وذلك بسبب الكلفة الباهظة للحرب، والحاجة إلى زيادة ميزانية الأمن. قد تصل كلفة الحرب على إيران، إلى جانب عملية "مدرعات جدعون"، إلى نحو 60 مليار شيكل (نحو 18 مليار دولار)، وهي مبالغ لم تؤخذ بالحسبان ضمن اعتبارات ميزانية عام 2025.
ترامب يتجنّد لإنجاح نتنياهو
رغم الشعور بالإنجاز والانتصار نتيجة الحرب على إيران، فإن ذلك لا يُلغي بالكامل التداعيات السياسية للإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر، ولا يُعدّ كافياً ليجني نتنياهو مكاسب سياسية حاسمة أو يُمهّد الطريق لتقديم موعد الانتخابات. ولتحقيق هذا الهدف، يحتاج نتنياهو إلى إغلاق ملف الأسرى والمخطوفين في قطاع غزة، وتوسيع "اتفاقيات أبراهام" (اتفاقيات التطبيع مع دول عربية)، ليصبح عنوان الانتخابات المقبلة هو "القضاء على القدرات النووية والعسكرية الإيرانية" بدلاً من "الإخفاق الأمني الكبير في السابع من أكتوبر" ودور نتنياهو فيه. وهذا ما يسعى ترامب إلى تقديمه لنتنياهو، من خلال تضخيم ما وُصف بـ"الإنجازات العسكرية" في الحرب على إيران، والادعاء بتدمير المشروع النووي الإيراني، والدفع نحو اتفاق بين إسرائيل وحركة حماس، إلى جانب توسيع "اتفاقيات أبراهام"، والدعوة إلى إلغاء محاكمة نتنياهو، وكل ذلك قبيل الزيارة المرتقبة لنتنياهو إلى واشنطن في منتصف يوليو/ تموز الحالي. وبذلك، بات ترامب لاعباً مركزياً في المشهدين السياسي والانتخابي في إسرائيل، ويسعى لاستمرار حكم نتنياهو.

Related News


