
رفضت سلطات الرقابة الغذائية في شرق ليبيا الأسبوع الماضي شحنة فواكه صيفية آتية من خارج البلاد، بعد أن أظهرت الفحوص الأولية مستويات عالية من النترات فيها وكذلك آثار مبيدات محظورة فيها. وأتى قرار السلطات في خطوة تهدف إلى الحدّ من أضرار المواد الكيميائية التي تُحقَن بها الثمار في أثناء نموّها. وقد تابع الليبيون الأمر، وسط ترحيب بنشاط الرقابة الغذائية الملحوظ، غير أنّ ثمّة مخاوف مستمرّة منذ سنوات على خلفية معطيات حول مواد مسرطنة في الفواكه والخضراوات المستوردة.
ويعزف كثيرون في ليبيا عن شراء الفواكه الصيفية، مثل البطيخ والخوخ والعنب والمانغو، كما في الأعوام الأربعة الماضية. ويفيد رافع فرحات، من درنة شمال شرقي البلاد، بأنّه توقّف قبل عامَين عن شراء الفواكه المستوردة، مشيراً إلى أنّ حقنها بأدوية مشكوك فيها واستخدام أسمدة معيّنة في عملية إنتاجها صارا واضحَين للعيان انطلاقاً من حجم تلك الفواكه الذي يأتي كبيراً بصورة لافتة مقارنة بحجمها الطبيعي. ويشرح فرحات لـ"العربي الجديد" أنّه اتّخذ موقفه هذا بعد ما يُتداوَل منذ سنوات بشأن حالات تسمّم من جرّاء تناول بطيخ مستورد.
بدوره، يوضح تاجر الخضراوات في سوق قصر بن غشير بالعاصمة طرابلس عمران ضو لـ"العربي الجديد"، وهو يشير إلى صناديق خوخ: "حتى التجار يشعرون بالخوف. والشحنات الأخيرة لا تشبه ما كان يصلنا في السنوات السابقة". يضيف أنّ "علامات التعفّن السريع تظهر على حبّات من الفواكه، بعد أيام فقط من عرضها. ونحن مجبرون على عرضها للبيع لأنّ تجّار الجملة يشترطون شراءها مع شحنات الخضراوات الأساسية".
أمّا رحمة بن تاهية من تاجوراء شمال غربي ليبيا فتخبر "العربي الجديد" أنّ الفواكه تكاد تختفي من ثلاجتها منذ ثلاث سنوات، من جرّاء قرار "المقاطعة" الذي تعتمده، مشيرةً إلى أنّها تشتري فواكه من إنتاج مناطق في محيط طرابلس. لكنّها لا تخفي خوفها من منتجات زراعية محلية، من قبيل التمور، وتشرح أنّها باتت تتوجّس منها بعد أن انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي تسجيلات فيديو تُظهر تجاراً يخزّنون التمور في غرف حرارية مغلقة لإنضاجها بعيداً عن الظروف الطبيعية.
ويقول أستاذ علوم الأغذية منصور الغزاوي إنّ أزمة المواد الكيميائية المستخدمة في الزراعة لم تعد مرتبطة بالفواكه المستوردة إنّما بتلك المنتجة في ليبيا كذلك. يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ الأمر مرتبط بالسماد وكذلك بمياه الريّ المهدّدة بالتلوّث بسبب مياه الصرف الصحي والمعادن الثقيلة بعد توقّف معامل ومحطات عدّة خاصة بالصرف الصحي في البلاد. ويشدّد الغزاوي على ضرورة ضبط الحدّ الأدنى من ظروف التغذية في الفواكه عند زراعتها، من خلال مراقبة المنافذ الحدودية لمنع وصول أسمدة غير مصرّح بها تحتوي على نسب عالية من المواد الكيميائية التي لا تتّفق مع المعايير والمواصفات الوطنية.
من جهته، يفيد فرج قجام من مركز الرقابة على الأغذية والأدوية في ليبيا (حكومي) "العربي الجديد" بأنّ "مكاتب المركز في مختلف أنحاء البلاد تتلف كميات كبيرة من الفواكه والخضراوات الفاسدة سنوياً"، مشيراً في الوقت نفسه إلى "قصور في التشريعات التي ما زالت قديمة ولم تُحدَّث منذ سنوات طويلة". ويتحدّث قجام عن "أهمية مرافقة جهود سلطات الرقابة الغذائية بجهود قضائية وأمنية لفرض عقوبات على التجار على أساس تجاوزاتهم". يُذكر أنّ سلطات الرقابة الغذائية تعمد إلى وسائل أخرى، منها صفحاتها على موقع فيسبوك مثلاً، لنشر صور وأخبار عن الشحنات التي تُضبَط، بهدف تحذير المواطن من استهلاك ما قد يتسرّب من شحنات أخرى.
في سياق متصل، يلفت الغزاوي إلى عرض التجار الفواكه الصيفية قبل موسمها بأسابيع، موضحاً على سبيل المثال أنّ البطيخ الذي يُعرَض في أسواق ليبيا منذ نهاية إبريل/ نيسان من كلّ عام هو في الحقيقة "ليس خالياً من القيمة الغذائية فحسب، بل هو أشبه بقنبلة ستنفجر موادها غير الطبيعية في جسم المستهلك بعد تراكمها على مرّ السنين". ويشير أستاذ علوم الأغذية إلى أنّه يرصد في أسواق ليبيا أنواعاً من الفواكه الصيفية بأحجام أكبر من حجمها الطبيعي، مبيّناً أنّ ذلك يمثّل "ظاهرة لافتة"، إذ هي تحتوي على مياه محلاة بمعظمها، وقد سُرقت نكهتها الحقيقية.

Related News

