مخططات الاحتلال الإسرائيلي تجاه الضفة الغربية
Arab
1 week ago
share

مثّلت الحكومة الإسرائيلية الحالية، بزعامة بنيامين نتنياهو، والتي تشكلت في نهاية عام 2022، محطةً مفصليةً في تاريخ المشروع الصهيوني في المنطقة برمتها، والضفّة الغربية تحديدًا، إذ ضمت الحكومة غلاة اليمين الديني القومي الأكثر تشددًا في تاريخ الحركة الصهيونية، وضمت حزب الليكود اليميني بزعامة نتنياهو، الذي انتقل في السنوات الأخيرة من حزبٍ يمينيٍ ليبراليٍ تقليديٍ إلى حزبٍ يمينيٍ متطرفٍ، وحزب الصهيونية الدينية، بزعامة الوزير المستوطن المتطرف بتسلئيل سموتريتش، الذي يعد من مؤسسي شبيبة التلال، التي ارتكبت، ولا زالت ترتكب الكثير من الجرائم ضدّ الشعب الفلسطيني الأعزل في الضفّة الغربية، إذ يؤمن هذا الحزب بوحدة ما يسمى أرض إسرائيل الكبرى ويهوديتها، وجوهرها الضفّة الغربية، وقطاع غزّة التي تمثّل بالنسبة إلى الحركة الصهيونية يهودا والسامرة وغزّة.

وتضم الحكومة أيضًا حزب العظمة اليهودية بزعامة المستوطن الإرهابي إيتمار بن غفير، الذي قدمت بحقّه أكثر من ثمانين لائحة اتهامٍ أمام القضاء الإسرائيلي، بسبب اعتداءاته على الفلسطينيين وممتلكاتهم، والذي كان من أقرب أصدقاء المستوطن باروخ غولدشتاين، الذي ارتكب المجزة الفظيعة ضدّ المصلين المسلمين وهم سجّد في صلاة الفجر من شهر رمضان المبارك في العام 1994 في الحرم الإبراهيمي الشريف بالخليل، كما تضم الحكومة الحالية التيارات الدينية الحريدية، التي شهدت بالسنوات الماضية انزياحًا باتجاه اليمين بمواقفها السياسية تجاه القضية الفلسطينية.

مثّل موضوع الاستيطان، في ما يسمى أرض إسرائيل الكبرى، جوهر برنامج الحكومة الإسرائيلية الحالية السياسي ومحوره، وركز على بناء المستوطنات في الضفّة والنقب والجليل، أي في كلّ الجغرافيا الفلسطينية، سواء في أراضي عام 1948، حيث التجمعات الفلسطينية في الداخل، أو في أراضي الضفّة الغربية عام 1967 ، التي يفترض أن تكون أراضي الدولة الفلسطينية، وفق قرارات الشرعية الدولية، وبات واضحًا أنّ برنامج الصهيونية الدينية بزعامة سموتريتش هيمن على برنامج الحكومة، واعتبر سموتريتش تكوين الحكومة بمثابة قرارٍ إلهيٍ لتمكينها من زرع أرض إسرائيل في المستوطنات، وفرض السيادة اليهودية عليها.

صدّق الكنيست بالقراءة الأولى على مشروع تحويل اسم الضفّة الغربية إلى يهودا والسامرة، ثمّ البدء بإجراءات تمرير قانون لضم مستوطنات محافظة الخليل إلى الهيئات المحلية الإسرائيلية

أعلن سموتريتش في أكثر من مرّةٍ أنّه يريد حسم مستقبل الضفّة الغربية في فترة الحكومة الحالية إلى الأبد، وذلك ليس لمنع إقامة دولةٍ، أو كيانٍ فلسطينيٍ فقط، بل لبدء مشروع التطهير العرقي، وتهجير الشعب الفلسطيني إلى الخارج، لذا طاولت إجراءات الحكومة الحالية النواحي كلّها، لإحداث تغييرٍ جذريٍ وجوهريٍ في تركيبة الضفّة الديمغرافية والجغرافية.

مع اندلاع حرب الإبادة على قطاع غزّة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، وبعد عشرة أشهرٍ من تأليف الحكومة الإسرائيلية، اعتبر التيار الديني الاستيطاني ذلك بمثّابة فرصةً يجب استغلالها، في ظلّ الصدمة الكبيرة التي حدثت، وانشغال الإعلام بما يحدث من إبادةٍ للشعب الفلسطيني في قطاع غزّة.

بعد أيّامٍ من "طوفان الأقصى"؛ أقدم الكنيست الإسرائيلي على تأليف لجنةٍ فرعيةٍ تابعةٍ للجنة الخارجية والأمن، بغرض الإشراف على الضفّة الغربية، برئاسة المستوطن وعضو الكنيسيت تسفي سوكوت، لتصبح مسؤولةً عن الضفّة الغربية، أي ضمّ الضفّة الغربية فعليًا، كون الكنيست مسؤولًا عن تمرير القوانين والتشريعات على حدود دولة إسرائيل فقط، أما الضفّة الغربية، حسب القانون الدولي، فيشرف على إدارتها القائد العسكري، وكما عينَ المستوطن المتطرف هيليل روت نائبًا لرئيس الإدارة المدنية، ونقلت إليه الصلاحيات المدنية من رئيس الإدارة المدنية. كذلك؛ عُينَ المستوطن المتطرف يهودا الياهو مسؤولًا عن إدارة الإستيطان في وزارة الدفاع في الضفّة الغربية، وعن ملاحقة البناء الفلسطيني، بغرض تسريع وتيرة سرقة الأراضي الفلسطينية واغتصابها في الضفّة، وبناء المستعمرات اليهودية عليها. يذكر هنا أنّ وزير المالية، ورئيس حزب الصهيونية الدينية سموتريتش، قد حصل على وزارةٍ أخرى في وزارة الجيش الإسرائيلي، وهو المسؤول عن الإدارة المدنية في الضفّة الغربية، الذي يعني تسليم إدارة الضفّة للصهيونية الدينية، ولم يعد هناك شأن للقيادة العسكرية، والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، التي كانت تتحاشى التهور في الاستيطان، والاعتداءات على الفلسطينيين، وذلك للحفاظ على شرعية الاستيطان، وعدم انفجار الأمور ميدانيًا وأمنيًا، كي لا يؤثّر ذلك بصورة إسرائيل في الخارج.

شهدت الضفّة الغربية حملة استيطان واسعة النطاق امتدت من أقصى جنوبها إلى أقصى شمالها، ومن شرقها إلى غربها، وصُودِر أكثر من 50 ألف دونم في العام الماضي، وذلك بعد نقل الكثير من صلاحيات الجيش والإدارة المدنية بخصوص الضفّة إلى مكتب سموتريتش، ما سهل إجراءات مصادرة الأراضي ومنح رخص بناء. ولأول مرّة منذ اتّفاقية أوسلو تبني حكومة إسرائيل سبع بؤر استيطانية في المناطق المصنفة "ب" حسب اتّفاقية أوسلوا، أي في المناطق المفترض أنّها ضمن صلاحيات السلطة الفلسطينية في المجال المدني، جرت شرعنة حوالى عشرين بؤرة استيطانية من أصل سبعين بؤرة منتشرة في الضفّة الغربية، إضافةً إلى تهجير أكثر من ثلاثين تجمعًا بدويًا ورعويًا فلسطينيًا من المناطق المصنفة "ج" والسيطرة عليها كاملًا، في ظلّ نصب أكثر من آلف حاجزٍ عسكريٍ في الضفّة الغربية، وتحويلها إلى كانتونات وسجون صغيرة محاصرة ومغلقة ومتناثرة.

إضافةً إلى ذلك؛ صدّق الكنيست بالقراءة الأولى على مشروع تحويل اسم الضفّة الغربية إلى يهودا والسامرة، ثمّ البدء بإجراءات تمرير قانون لضم مستوطنات محافظة الخليل إلى الهيئات المحلية الإسرائيلية داخل مدينة بئر السبع في إسرائيل، وذلك لفرض الضمّ الفعلي، وإلغاء حدود 1967، التي تفصل بين محافظة الخليل والنقب داخل فلسطين.

كذلك عُمل على تمرير قانون يلحق أكثر من ثلاثة آلاف موقع أثري في منطقتي "ب" و "ج" في الضفّة الغربية بسلطة الآثار الإسرائيلية، وذلك لإتباع كلّ مناحي الحياة في الضفّة الغربية بالحكومة والكنيست الإسرائيليين، إضافةً إلى تمرير قانون إلغاء فك الارتباط مع مستوطنات شمال الضفّة الغربية، والذي مرره الكنيست في عام 2005، حين أخلى رئيس الحكومة الإسرائيلية أرئيل شارون مستوطنات قطاع غزّة وأربع مستوطنات أخرى شمال الضفّة الغربية.

أعلن سموتريتش في أكثر من مرّةٍ أنّه يريد حسم مستقبل الضفّة الغربية في فترة الحكومة الحالية إلى الأبد، وذلك ليس لمنع إقامة دولةٍ، أو كيانٍ فلسطينيٍ فقط

ازدادت في الفترة المذكورة اعتداءات المستوطنين والحكومة وإرهابهم على المواطنين الفلسطينيين في الضفة، وتجاوزت عمليات الاعتداءات أكثر من 20 ألف اعتداء، سواء للجيش أو المستوطنين، وتقطيع أكثر من 10 آلاف شجرة للمواطنين الفلسطينيين، وهدم أكثر من 1000 منزل، واستشهاد أكثر من 1000 فلسطيني في الضفة الغربية، واعتقال أكثر من 12000 فلسطيني.

كما سلّحت الحكومة الإسرائيلية، بضغطٍ من الوزير المستوطن بن غفير، عشرات الآلاف من المستوطنين، لتشجيعهم على تنفيذ عملياتٍ إرهابية ضدّ الفلسطينيين العزل، وترافق ذلك مع منع المزارعين الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم وحقولهم الزراعية خلف الجدار، التي تبلغ مساحتها 600 كيلومترٍ مربعٍ من أراضي الضفّة، ما يمثّل 9.5% من مساحة أراضي الضفّة الغربية، ومصادرة مساحاتٍ شاسعةٍ من أراضي الضفّة لإقامة ما يسمى بالاستيطان الرعوي.

كذلك يجري نقاش ضمّ 28.5 % من أراضي الضفّة الغربية إلى إسرائيل، إلى جانب مقترحاتٍ أخرى لضمّ مساحة 223 كيلومترًا مربعًا لمدينة القدس، التي تمثّل 3.8% من مساحة أراضي الضفّة الغربية، والتي يوجد عليها 180 ألف مستوطن، والمراد من ذلك تقليل نسبة الفلسطينيين الديمغرافية في مدينة القدس، وزيارة نسبة اليهود في المدينة المحتلة، ومحاولة فصل شمال الضفّة عن جنوبها، إذ تقع المستوطنات المراد ضمها إلى القدس في الجهة الشرقية من مدينة القدس المحتلة.

كانت المقدسات الإسلامية في عين الاستهداف الاستيطاني، وذلك من أجل الضمّ وطمس الهوية الفلسطينية العربية الإسلامية والمسيحية، إذ شهدت اقتحامات المستوطنين المسجد الأقصى المبارك نقلةً نوعيةً من حيث عدد المقتحمين، وقيامهم بممارسات دينية استفزازية أثناء اقتحامهم المسجد الأقصى، كما استغلت جماعات المستوطنين والهيكل، بدعمٍ من حكومة الاحتلال وأجهزته الأمنية تلك العمليات الاستفزازية، محولةً الأعياد اليهودية إلى مناسباتٍ لتعميق هيمنة المستوطنين اليهود على المسجد الأقصى، والحرم الإبراهيمي في الخليل، إذ نَفذت الاقتحامات جماعاتٌ يهوديةٌ، وبلباسٍ دينيٍ يهوديٍ، وبمشاركة مسؤولين ووزراء إسرائيليين، إلى جانب ممارستهم الطقوس الدينية في ساحات المسجد الأقصى، ما يمثّل نسفًا كاملًا لما يسمى بالوضع القائم، الذي بموجبه تكون مسؤولية الإشراف على المسجد الأقصى للمملكة الأردنية الهاشمية. كذلك لوحق الأئمة والخطباء، ووصل الأمر إلى اعتقال عددٍ منهم، ومنعهم من الدعاء لأبناء شعبهم في قطاع غزّة، الذين يتعرضون للإبادة. وبالمقابل ازدادت أيّام إغلاق الحرم الإبراهيمي في الخليل، وزادت من إجراءات تفتيش المواطنين الذين يرغبون في الصلاة في الحرم الإبراهيمي، وبدأت باقتطاع أجزاءٍ من الحرم الإبراهيمي، ومنع المسلمين من دخوله، وفرض شروطٍ معقدةٍ على رفع الآذان في الحرم الإبراهيمي.

إضافةً إلى كلّ ما قيل أعلاه؛ تعرّضت مخيّمات الضفّة الغربية، وخصوصًا في شمال الضفّة، في محافظات جنين وطولكرم ونابلس والقدس لعمليةٍ ممنهجةٍ لإزالة المخيّمات وتدميرها وإتباعها بالمدن، أو البلدات القريبة منها لإزالة المخيّم على اعتباره الشاهد الأخير على نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948، وتصفية قضية اللاجئين، وطرد وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين "أونروا"، كما حدث مع إغلاق مدارس الوكالة في مدينة القدس المحتلة، إلى جانب ذلك تتعرض الضفّة الغربية، بكل مركباتها السلطوية والمجتمعية لحصارٍ اقتصاديٍ وماليٍ، بغرض تهجير الفلسطينيين، إذ منعت إسرائيل دخول 200 ألف عاملٍ فلسطينيٍ إلى أماكن عملهم في إسرائيل، كذلك تمنع تحويل مستحقات السلطة الفلسطينية المالية المقتطعة من الضرائب، لعدم تمكين السلطة من القيام بواجباتها، من دفع رواتب موظفيها، إلى تقديم الخدمات المختلفة في الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية والأوقاف وغيرها.

ما تقوم به إسرائيل من عمليات مصادرة الأراضي، وبناء المستوطنات، وتهجير الفلسطينيين من مناطق "ج"، وشل قدرات السلطة الفلسطينية وتحويلها إلى أقلّ من بلدية خدماتية يراد منه تفكيك السلطة وتحويلها إلى بلديات وهيئات محلية، بعد تجويفها من مكونها الوطني والسياسي، في مقدمةٍ لعملية تهجير الشعب الفلسطيني إلى الخارج.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows