عن التغيير القيادي الحتمي في فلسطين بعد نكبة 2024
Arab
3 hours ago
share

لا خلاف على النكبة التي حلّت بقطاع غزّة والضفّة الغربية وفلسطين عامةً إثر نكبة 2024، بعد سقوط ربع مليون شهيدٍ وجريحٍ، و2 مليون نازحٍ، وتدمير قرابة 90% من القطاع، واحتلال إسرائيل عمليًا 35% منه، بما في ذلك سلته الغذائية، تحت مسمى "مناطق عازلة مفتوحة ومدمرة، إضافةً إلى الاستشراس التهويدي والاستيطاني، وخطة الضمّ الزاحفة والصامتة وغير المعلنة في الضفّة، مع مساع سياسية عربية وأوروبية لمواجهة جذر المشكلة، المتمثّل بعدم حلّ القضية الفلسطينية، رغم مطالب حركة حماس الصريحة بالعودة إلى مساء السادس من  أكتوبر/تشرين الأول 2023.

بما أننا أمام نكبةٍ جديدةٍ، ونحن كذلك بالتأكيد، فيفترض أن نشهد بعدها نفس ما حصل بعد النكبة الأولى 1948، والنكسة 1967، لجهة حتمية رحيل الجيل القيادي الحالي، وحلول جيلٍ آخر أكثر شبابًا وعنادًا وتصميمًا على مواصلة النضال حتّى نيل الحقوق المشروعة.

على التوازي مع ما سبق يستغل الاحتلال الحرب لفرض وقائع جديدةٍ في الضفّة الغربية، ويعمل على نقل نموذج غزّة إليها، خصوصًا في مخيّمات الشمال، طولكرم وجنين والفارعة، وتسريع خطط الاستيطان، والقيام بعملية ضمٍّ صامتٍ غير معلنٍ وغير رسميٍ للضفّة، أو على الأقلّ لمناطق "ج"، التي تمثّل 60% من مساحة الضفّة، مع مساعيٍ جديةٍ للتعامل مع الجذر السياسي للقضية، وشق مسارٍ جديٍ لا رجعة عنه نحو الدولة  الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة، بينما لا تبدو سلطة رام الله بتركيبتها الحالية راغبةً أو قادرةً، إذا رغبت، على الانخراط الجدي فيها، تسعى حماس إلى التشبث بالسلطة في غزّة، مستعدةً ظاهريًا للتنازل عنها، وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وكأن شيئًا لم يكن.

دت النكسة إلى تغييرٍ قياديٍ وفكريٍ وسياسيٍ كبيرٍ، مع انهيار مشروع القومية العربية لعبد الناصر، وذهاب مصر أنور السادات إلى الصلح والتفاوض والسلام مع إسرائيل

في النكبة الأولى، احتلت إسرائيل أربعة أخماس فلسطين التاريخية، وأجبرت بالقوة مليون فلسطينيٍ تقريبًا على اللجوء إلى الضفّة وغزّة والدول العربية المجاورة، رغم الصمود والمعارك البطولية التي استمرت لسنواتٍ طويلةٍ، بما فيها ثورة عز الدين القسام، وإضراب 1936 الشهير، وكانت نكبةٌ عن حق، حسب التوصيف الدارج لها، لذلك كان طبيعيًا وواقعيًا وضروريًا وحتميًا طيّ صفحة الجيل القيادي الفلسطيني آنذاك، بما في ذلك قائد وزعيم بحجم المفتي أمين الحسيني ومناقبيته وشعبيته، رغم التنفس الصناعي له وللجيل كله من قبل مصر جمال عبد الناصر، إلّا أنّها لم تنجح بكلّ نفوذها من إعادة تعويمه، حتّى مع تأليف حكومة عموم فلسطين، بدلًا من الهيئة العليا قبل النكبة، التي أطلقت بالقاهرة برئاسته أيضًا.

الأمر ذاته ينطبق عربيًا أيضًا، إذ تغيّرت النخب الحاكمة، ولو بالاتجاه السلبي، مع انقلاباتٍ عسكرية هزت حواضرنا الكبرى الثلاث، القاهرة ودمشق وبغداد، التي استنسخت وحدثت لاحقًا في معظم العالم العربي، السودان والجزائر وليبيا واليمن، حينها وصل الانقلابيون إلى السلطة على ظهور الدبابات، بشعاراتٍ ثوريةٍ عن إزالة آثار النكبة الأولى، لكنهم تسببوا بنكسةٍ، هي في الحقيقة نكبةٌ أخرى، في غضون عشرين عامًا تقريبًا، في يونيو/حزيران 1967.

بعد النكبة الأولى ظهر جيلٌ قياديٌ فلسطينيٌ جديدٌ، مع طيّ صفحة الجيل القديم، بقيادة الزعيم أحمد الشقيري، الذي قام بمساعدة دولٍ عربيةٍ، وتقدير التوازنات، لا الانحياز بينها، بتأسيس منظّمة التحرير 1964، التي كانت ولا تزال أهمّ إنجازٍ فلسطينيٍ، رغم النكبات المتتالية، كونها جسدت الكينونة والهوية الوطنية والقومية عبر المؤسسات الراسخة، المجلس الوطني، والصندوق القومي، وجيش التحرير، وقبل ذلك وبعده؛ الميثاق القومي التأسيسي، وتكريس فكرة، بل حقيقة أنّ القضية الفلسطينية قضيةٌ سياسيةٌ بامتيازٍ، وليست قضية للاجئين فقط، مع تقدير أهمّية قضية اللاجئين، باعتبارها عنوانًا حتّى العودة وتقرير المصير، بالعموم بدت المنظمة ردًّا على النكبة،  وإنجازًا تاريخيًا لا يمكن التقليل منه بأيّ حالٍ من الأحوال.

بعد عقدين على النكبة الأولى، وأداء أحمد الشقيري ورفاقه الواعد والمناقبي والنزيه، ومع افتراض حسن نية الانقلابيين العسكر، وقعت نكسة حزيران 1967، التي كانت بالتأكيد أكثر من مجرد نكسة، نكبة موصوفة، مع هزيمة ثلاثة جيوشٍ عربيةٍ، واحتلال كامل فلسطين التاريخية، بما فيها القدس، إضافةً إلى شبه جزيرة سيناء، وهضبة الجولان الاستراتيجية في ستّ ساعاتٍ لا ستّة أيّامٍ، حدثت تحوّلاتٌ استراتيجيةٌ بالقضية الفلسطينية، تمامًا كما جرى بعد النكبة الأولى 1948.

حينها؛ أيقن الحكام العرب أنّها نكبةٌ كاملة الأوصاف، لكنهم لم يستخدموا المصطلح الحقيقي عمدًا، كونهم وصلوا على ظهور الدبابات، واستبدوا وقهروا وأهانوا وأفقروا الناس بحجة تحرير فلسطين، وبعدها سعوا عمليًا إلى مواجهة التاريخ وتغيير القضية بدل أن يتغيروا، مع قبولهم بقرار مجلس الأمن رقم 242، ومشروع وزير الخارجية الأميركي وليم روجز، وزرع بذور حلّ الدولتين ونواته، فلسطين على 22% من أراضيها التاريخية، حينها فرض المنطق والتاريخ نفسه، رغم محاولات الإنكار، مع تغييرٍ قياديٍ كبيرٍ عربيًا وفلسطينيًا أيضًا.

عربيًا، أدت النكسة إلى تغييرٍ قياديٍ وفكريٍ وسياسيٍ كبيرٍ، مع انهيار مشروع القومية العربية لعبد الناصر، وذهاب مصر أنور السادات إلى الصلح والتفاوض والسلام مع إسرائيل، عبر معاهدة كامب ديفيد، ثم معاهدات السلام الأخرى بين الدول العربية وإسرائيل.

في النكبة الأولى، احتلت إسرائيل أربعة أخماس فلسطين التاريخية، وأجبرت بالقوة مليون فلسطينيٍ تقريبًا على اللجوء إلى الضفّة وغزّة والدول العربية المجاورة

فلسطينيًا، كان الحال كذلك أيضًا، إذ شهدنا تغييرًا قياديًا كبيرًا كما حصل بعد النكبة الأولى، بعد أن فهم الشقيري الحقيقة بأنّه لا بدّ من رحيله، حينها اتخذ قرارًا تاريخيًا ومفصليًا يقضي بتسليم القيادة إلى جيلٍ جديدٍ من الفدائيين الشباب، الذي نقل القضية إلى مستوىً آخر سياسيًا ونضاليًا وشعبيًا، حتّى مع القراءات النقدية للتجربة، التي أوصلت إلى مشروع السلطة، واتّفاق أوسلو أيضًا، رغم النيات الطيبة، والاجتهادات الخاطئة للزعيم ياسر عرفات ورفاقه.

الآن لا بدّ أن يتكرر التغيير القيادي، رغم المكابرة والعناد، ومحاولة الوقوف في وجه طوفان التغيير القادم. هذا يعني بتفصيلٍ أكثر، طيّ صفحة رئيس السلطة محمود عباس، مع انهيار خياراته الأساسية وفشلها، فحكمه ميّت سريريًا منذ سنواتٍ طويلةٍ من الناحية السياسية، بعدما بات أقرب إلى رئيس تصريف أعمالٍ، مع انهيار نهج المفاوضات، والذهاب إلى الخطوات الأحادية، للتغطية على فشل خيار التفاوض، والعجز عن حماية الفلسطينيين بالداخل، وتجاهلهم بالخارج. وقبل ذلك كلّه؛ لا شكّ أن محمود عباس كان شريكًا في حصار غزّة، بعد الاقتتال والانقسام، الذي يعدّ أحد أسباب النكبة الراهنة.

أما حركة فتح، صاحبة الرصاصة الأولى، ومطلقة ثورتنا المعاصرة، فقد تبقى أو لا، وربّما تنشق إلى ثلاثة أو أربعة أجسام جديدة، وستشهد حتمًا بروز جيلٍ قياديٍ جديدٍ، ولو بمسمياتٍ مختلفةٍ. الأمر ذاته ينطبق على حماس أيضًا، التي قد تغيّر اسمها، وستشهد بكل تأكيدٍ ظهور جيلٍ قياديٍ جديدٍ بعد رحيل قيادتها العسكرية والسياسية، وتبقي شيوخ في الستين أو السبعين، أصبح رحيلهم مسألة وقتٍ، ولو بعد مرحلةٍ تنظيميةٍ انتقاليةٍ، مع التذكير بنصيحةٍ متذاكيةٍ، لكن لافتةٍ، قدمها للحركة وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين عبد اللهيان، بداية الحرب بتغيير الوجوه.

نظريًا؛ ستبقى منظّمة التحرير مرجعيةً عليا للشعب الفلسطيني، والجسم والعقل القيادي له. لكنها ستحتاج بالتأكيد إلى إعادة البناء، مع سقوط المنظومة الهرمة والمترهلة وغير الكفؤة، التي تديرها وتتسلط عليها. أما السلطة فالأمر غير محسومٍ، وسنكون بحاجةٍ إلى حوارٍ وطنيٍ واسعٍ بشأنها، كما بشأن اتّفاق أوسلو المؤسس لها.

في الأخير؛ يجب أن نفهم أنّ الصراع مع الاحتلال ماراثوني، وليس هناك جيلٌ قياديٌ مضطر لحسمه بأيّ طريقةٍ كانت، حتّى مع استشراس إسرائيل، فهي كانت، ولا تزال، نبتةٌ غير قابلةٍ للاستمرار في بيئةٍ مختلفةٍ ومعاديةٍ، ولم تفرض الهزيمة والاستسلام علينا، وهذا عاملٌ ومعطى استراتيجيٌ مهمٌّ. لكن انتصارنا نحن أمرٌ مختلفٌ، ويحتاج إلى موازين قوى جديدة، فلسطينيًا وعربيًا، وأمر اليوم يتمثّل في الحفاظ على القضية من النسيان، وعدم منع الأجيال الجديدة من إدارة الصراع حتّى تحقيق الآمال والحقوق المشروعة للآباء والأجداد.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows