هندسة الفوضى والتفكيك المجتمعي في غزة
Arab
4 hours ago
share

رغم حالة المقاومة السائدة حتّى الأن في قطاع غزّة، بعد أكثر من عشرين شهرًا على حرب الإبادة، واستمرار حالة الصمود والثبات بالرغم من عمل ماكينة القتل والتدمير والحصار من دون توقفٍ، وعمق المجاعة وسوء التغذية، وحتّى مع مضي حكومة الكيان في العدوان على إيران، وتوجيه الجهود الاستخبارية والعسكرية والسياسية نحو هذه الجبهة الجديدة، إلّا أنّ مخطط الطرد، ودفع السكان نحو الهجرة، أو على الأقلّ جزءٍ كبيرٍ منهم، لا زال قائمًا، وما زال بنيامين نتنياهو مصرًا على تنفيذ ما يدعي أنّه "رؤية الرئيس دونالد ترامب لمستقبل قطاع غزّة"، عبر تدابير وإجراءاتٍ تخلق فضاءاتٍ ومساراتٍ تمهد الطريق إلى ما يسميه الإعلام الصهيوني بـ"الهجرة الطوعية"، وهي ليست طوعيةً طبعًا.

لجأت قيادة الكيان، بأدوات الآلة العسكرية الجبارة، منذ بداية الحرب إلى تنفيذ مخططات الطرد، من خلال القتل والتدمير، واستهداف مقومات الحياة الأساسية، لكن هذا المسار فشل في تحقيق أهدافه، ما دفع نتنياهو وحكومته الفاشية إلى اقناع الرئيس الأميركي، قبل تسلمه مقاليد الأمور في البيت الأبيض، بتبنّي رؤية "ريفيرا غزّة"، عبر تهجير 50% من سكان القطاع، تحت لافتة إعادة إعمار وبنائه بهندسةٍ عصريةٍ، وتحويله إلى واحةٍ سياحيةٍ واعدةٍ.

لم تصل محاولات قيادة الاحتلال الإسرائيلي السياسية، وأدواتها الاستخبارية لابتكار طرق ومسارات جديدة لتدمير مقومات الحياة، إلى حالة اليأس ولم تتراجع، وهو ما تُرجم عمليًا خلال الأشهر القليلة الماضية بتصاعد حالة الفوضى والفلتان الأمني في قطاع غزّة. من أبرز تلك المظاهر المُبتكرة؛ التحكم الكامل في المساعدات الانسانية كمًا ونوعًا عبر مؤسسةٍ أميركيةٍ صهيونيةٍ برداءٍ إنسانيٍ،  مع إلغاء دور المؤسسات الدولية، خصوصًا مؤسسات الأمم المتّحدة، وتوزيعها بفوضوية وعشوائية مذلة ومهينة بطريقةٍ متعمدةٍ، لتعميق الأزمة الإنسانية وليس للتخفيف منها، حتّى حوّل الاحتلال مناطق دخول بعض الشاحنات، التي سمح الاحتلال لها بالدخول لأغراضٍ دعائيةٍ، إلى مصائد موتٍ حقيقيٍ، إذ لم يمكنها من التوجه إلى المخازن المُخصصة، أو أماكن توزيعها، من خلال استهداف فرق الحماية والمتطوعين، وقد سقط العشرات منهم خلال الأسابيع الماضية، ويتبع ذلك تعميق حالة الفقر والعوز، وتوسيع التفاوت الطبقي، وتشكيل أقلية، لا تتعدى 10% من بقية أفراد المجتمع، منفصلة عن الواقع النفسي والإنساني العام السائد في القطاع.

ويضاف إلى هذه الوسائل المبتكرة استمرار عداد القتل اليومي، بوتيرةٍ شبه ثابتة (50 إلى 80 شهيدًا يوميًا)، والتدمير الممنهج عبر الريبوتات المفخخة، وتدمير المنظومة الصحية

كما سمح لما يُسمى "بالمنسق"، التابع للجيش الصهيوني، والمنوط به التعامل مع الشؤون المدنية في قطاع غزّة، بعددٍ قليلٍ جدًا من الشاحنات التجارية، ولكن ليس لدواعيٍ إنسانيةٍ، بل لجمع ما تبقى من العملة الجديدة نسبيًا (الشيكل الإسرائيلي)، عبر التجار والسماسرة الجشعين، وتقليص كمية العملة الموجدة في السوق، التي في معظمها متهالكة، بما يصعب عمليات الشراء والبيع، ويحولها إلى عمليةٍ منهكةٍ ومعقدةٍ.

من المظاهر أيضاً، تكوين مجموعاتٍ من العملاء، ومن أصحاب السوابق الإجرامية لتنفيذ مهامٍ عسكرية أو مدنية نيابةً عن الجيش الصهيوني تتطلب تعاملًا مباشرًا مع المواطنين، وتسهيل دخول السلاح الخفيف والذخيرة إلى عددٍ من المجموعات المشبوهة، وبعض العائلات، خصوصًا التي كانت مسؤولةً؛ إلى حدٍّ كبيرٍ، عن الفوضى والفلتان في قطاع غزّة قبل عام 2007، لتعزيز الاحتكام للسلاح في النزاعات، وتدعيم سلطة العشائر، بما يمهد الطريق لما يشبه الحرب الأهلية.

ومن المظاهر أيضًا، حشر سكان القطاع، البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة قبل الحرب، في مناطق محددة لا تتجاوز مساحتها 40% من مساحة القطاع، بقوّة السلاح وسياسة الإخلاءات، وفصلها عن السلة الغذائية بالكامل، ومصادر المياه النادرة والنقية نسبيًا، وهي المناطق الواقعة غرب شارع صلاح الدين، ضمن ثلاث كتل سكانية مدينة غزّة وأحياؤها، والمنطقة الوسطى، ومواصي خانيونس، وإجبار الغالبية على السكن في مدن وتجمعات الخيام غير المنظّمة في ظروفٍ إنسانية مزرية، ما يؤدي إلى تقييد حركة المواطنين، وتحويل الكتل السكانية إلى أكبر سجن في العالم حرفيًا.

ويضاف إلى هذه الوسائل المبتكرة استمرار عداد القتل اليومي، بوتيرةٍ شبه ثابتة (50 إلى 80 شهيدًا يوميًا)، والتدمير الممنهج عبر الريبوتات المفخخة، وتدمير المنظومة الصحية، والتضييق على ما تبقى منها إمعانًا في زيادة معاناة الجرحى والمرضى وذويهم.

بالمحصلة فإن هدف القيادة السياسية الصهيونية الفاشية تجاوز منذ أشهر طويلةٍ مسألة ردة الفعل على "طوفان الأقصى"، إلى تدمير مقومات الحياة، وتفكيك البنية المجتمعية، وتعزيز حالة الفوضى والفلتان الأمني، بما يهيئ الأجواء، عاجلاً أم آجلاً، لتفريغ 50% من سكان القطاع، على الأقلّ، حسب المخطط الصهيوني. لكن الواقع وصيرورة الأحداث شيء، ومخططات نتنياهو وشركائه الفاشيين شيءٌ آخر، بمعنى أن هذه المخططات ليست قدرًا مسلمًا به.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows