غزة... غياب عدالة توزيع المساعدات يفاقم كارثة الجوع
Arab
6 hours ago
share

تزداد الأزمة الاقتصادية والإنسانية في قطاع غزة تعقيداً، في ظل الحصار المتواصل ومنع إدخال المساعدات منذ الثاني من مارس/آذار 2025، حيث فاقم غياب العدالة في توزيع المساعدات معاناة أكثر من مليوني نسمة يعيشون في واحدة من أسوأ الكوارث العالمية. ومنذ أكثر من شهر، شرعت سلطات الاحتلال، بالشراكة مع إحدى الشركات الأميركية، في افتتاح مراكز لتوزيع المساعدات، قرب نقاط انتشار الجيش الإسرائيلي في جنوب القطاع ووسطه، لكن هذه المراكز تحوّلت إلى مصائد موت، حيث استشهد أكثر من 500 مواطن، وأصيب العشرات أثناء محاولاتهم الوصول إلى الغذاء.

في وقت يحظى فيه البعض بفرص يومية للوصول إلى تلك المراكز، يحرم منها آخرون بسبب خطورة الوضع الميداني، وتعمّد جيش الاحتلال قتل المجوّعين، ما يعكس غياب العدالة الاقتصادية والاجتماعية، ويعزز من حالة الاحتكار، وهو ما فتح الباب أمام استغلال الوضع، وبيع المساعدات في الأسواق بأسعار باهظة. خيارات صعبة يقول الموظف الحكومي، سائد أبو غالي، الذي يتقاضى راتباً بالكاد يصل إلى 800 شيكل كلّ 45 يوماً (الدولار = 3.39 شواكل)، إنه ينفق راتبه خلال أقل من أسبوع، إذ يضطر لشراء الطحين والسكر والزيت بأسعار خيالية مع غياب المساعدات، وهو ما يزيد من معاناته في الحصول على قوت يومه.

ويضيف أبو غالي لـ"العربي الجديد": "انعدام البدائل مع توقف المساعدات، وعدم وجود أي مصادر دعم يضعني وعائلتي أمام خيارات صعبة، إذ بتّ مجبراً على تقليص عدد الوجبات اليومية لأطفالي، والتنازل عن احتياجات أساسية، مثل الحليب والعلاج، وبيع بعض مقتنيات منزلي لشراء الغذاء". ويشير إلى أنّ استمرار هذا الوضع دون تدخل عاجل يعني كارثة إنسانية حقيقية: "لم نعد قادرين على الصمود في ظل الانهيار الاقتصادي، فكيف لي أن أعيش براتب 800 شيكل وهو مبلغ بالكاد يشتري طعاماً لأسبوع في أحسن الأحوال".

بيع المساعدات

في المقابل، جمع الشاب هادي حسن، من مخيم النصيرات وسط القطاع، أكثر من 12 ألف دولار، من خلال جلب المساعدات من مركز توزيع "نتساريم" وبيعها في سوق المخيم. وقال هادي لـ"العربي الجديد" إنه يبيع يومياً بضائع تصل قيمتها 3000 شيكل، في وقت يركز على جلب السلع المرتفعة الثمن، مثل السكر، والزيت، والطحين، والبسكويت. ويبرر ما يفعله بسماح القائمين على المساعدات بدخول أي شخص لأخذ البضائع، سواء كان يستحق أو لا، مضيفاً: "في ظل الفوضى، إما أن تكون أنت من يربح أو تبقى في الطابور جائعاً".

وأشار إلى أن الإقبال الكبير على شراء هذه السلع رغم أسعارها المرتفعة يظهر حجم الحاجة في الأسواق، حيث يلجأ الناس لشراء أي كمية متاحة، خوفاً من انقطاعها، ما يعزز من أرباحه اليومية.

بدوره، يرى الأكاديمي الاقتصادي، نسيم أبو جامع، أنّ استمرار منع إدخال المساعدات الإنسانية بطريقة عادلة فتح الباب أمام فئة محدودة من الأشخاص لاستغلال الوضع، عبر احتكار المواد الإغاثية وبيعها بأسعار خيالية في الأسواق المحلية.

ويؤكد أبو جامع لـ"العربي الجديد" أن من يتمكن من الوصول إلى مراكز التوزيع بات يتحكّم بسوق المواد الأساسية، ما أدى إلى تركز الأموال بيد قلة على حساب الغالبية المحرومة، موضحاً أن هذا الخلل في التوزيع ساهم في ارتفاع أسعار السلع الاستراتيجية لمستويات قياسية، حيث وصل سعر كيلو السكر إلى 260 شيكلاً، أي بزيادة تفوق 8500% مقارنة بما قبل الحرب، وهو ما يعكس الفشل في توفير الحماية الاقتصادية للفقراء والطبقات الهشة.

ويذكر أن هذا النموذج من التوزيع العشوائي خلق طبقة جديدة من "تجار المساعدات" الذين باتوا يتعاملون مع السلع الإغاثية باعتبارها مصدراً للربح السريع، ما يتعارض مع الهدف الإنساني للمساعدات، في وقت تتحمل العائلات الفقيرة العبء الأكبر، في لا تملك أي قدرة على منافسة هذه الفئة في السوق، أو حتى الوصول إلى أبسط احتياجاتها.

ويدعو أبو جامع إلى ضرورة تغيير آلية توزيع المساعدات العقيمة، وضمان وصول المساعدات وفق معايير شفافة، تراعي حاجة جميع العائلات الأكثر فقراً وتضرراً، مشدداً على أهمية تدخل دولي لضبط مسار المساعدات، ومنع تحولها إلى سلعة في سوق غير منظم يكرس التفاوت الطبقي، ويفاقم الأزمة الاجتماعية.

من جهته، يذكر المختص في الشأن الاقتصادي، عماد لبد، أن قرابة 95% من سكان القطاع باتوا يعتمدون كلياً على المساعدات الإنسانية في ظل استمرار الحرب وتوقف مصادر الدخل، قائلاً إنّ منع وصول المساعدات للفئات المحتاجة أدى إلى انهيار اقتصادي داخل الأسر، حيث لم تعد هناك قدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية، وسط غياب أي بدائل للعمل أو الدعم الحكومي.

ويوضح لبد في حديث لـ"العربي الجديد" أن سياسة الاحتلال في حصر توزيع المساعدات، وحرمان غالبية السكان منها، تسببت في استنزاف ما تبقى من مدخرات المواطنين، بينما استفادت فئة محدودة تمكنت من الوصول إلى مراكز التوزيع، لتتحول المساعدات من أداة إنقاذ إلى وسيلة للثراء غير المشروع. ويلفت إلى أن المؤشرات الاقتصادية شهدت تدهوراً مروعاً خلال الحرب على غزة، إذ تجاوزت معدلات الفقر 90%، وبلغت البطالة مستويات قياسية تقدّر بـ 83%، فيما تعيش آلاف العائلات على وجبة واحدة يومياً، مع اعتماد 95% من الغزيين على المساعدات.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows