"لا أرض أخرى"... لحظة غاضبة في شارع دولة الاحتلال
Arab
1 week ago
share

95 دقيقة وثقت معاناة قرية مسافر يطا جنوبي مدينة الخليل في الضفة الغربية المحتلة، ومواجهة سكانها الفلسطينيين ممارسات الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه، وفي مقدمة ذلك فرض تهجير أهلها قسراً. الحديث هُنا عن فيلم "لا أرض أخرى" الذي فاز فجر أمس بجائزة الأوسكار 2025 لأفضل فيلم وثائقي.

"لا أرض أخرى" من إنتاج فلسطيني- نرويجي. سلاحه الوحيد عدسةُ الكاميرا. تولى إخراجه الفلسطينيان باسل عدرا وحمدان بلال، والإسرائيليان يوفال أبراهام وراحيل تسور. لعل هذه الشراكة كانت وراء موجة الغضب الإسرائيلي الذي طاول الفيلم، بصفته "لائحة اتهام سينمائية ضد الاحتلال الإسرائيلي"، كما عُنونت مقالة أوردها موقع واينت، في قراءة نقدية للوثائقي.

الغضب تفاقم كون "لا أرض أخرى" أتى في وقتٍ تواجه فيه إسرائيل تراجعاً في مكانتها على الساحة الدولية، إذ تخوض حرباً دعائية لاسترداد شرعيتها التي انخفض رصيدها لأدنى مستوى بعد عام ونصف العام من إيغالها في إبادة الشعب الفلسطيني وقهره؛ فالإدانة هذه المرّة أتت متّسقة مع "شهد شاهدٌ من أهله"، باعتبار المخرج، يوفال أبراهام، هو جندي سابق في جيش الاحتلال عُيّن لدى انضمامه إلى شعبة المخابرات، قبل أن ينسحب لأسباب ضميرية وشخصية، وينشغل في كتابة التحقيقات الاستقصائية التي فضحت جرائم الاحتلال، خصوصاً في موقع سيحاة مكوميت (حديث محلي)، ومجلة +972.

على أن أبراهام نفسه، الذي ينحدر من جدٍ يهودي ذي أصول يمنية، روّج مع اندلاع الحرب لمزاعم بارتكاب عناصر كتائب القسام "جرائم جنسية" خلال عملية طوفان الأقصى، ودعا إلى تدمير الحركة والقضاء عليها، ما شكّل أساساً أحد التبريرات الرئيسية التي استند إليها جيش الاحتلال لشروعه في إبادة للفلسطينيين.

ماضيه ومواقفه، لم يشفعا له ولم يقنعا الغاضبين الإسرائيليين بالنظر إلى الحقيقة الماثلة أمامهم؛ إذ وصف وزير الثقافة والرياضة الإسرائيلي، ميكي زوهار، فوز "لا أرض أخرى" بالأوسكار بـ"اللحظة الحزينة لعالم السينما"، معتبراً أنه "بدلاً من تقديم تعقيدات واقعنا، اختار صُنّاع الفيلم ترديد روايات تشوه صورة إسرائيل في العالم". ورأى أن "حرية التعبير قيمة مهمة، غير أن تحويل التشهير بإسرائيل إلى أداة للترويج دولياً ليس إبداعاً، بل تخريب بحق دولة إسرائيل، وخاصة بعد مذبحة السابع من أكتوبر، والحرب المستمرة؛ حيث يصبح الألم مضاعفاً".

أضاف الوزير الإسرائيلي في تغريدة نشرها على صفحته في "إكس" أنه "لهذا السبب بالضبط دفعنا بإصلاحات في السينما، حتّى نضمن توجيه الموارد العامة إلى الأعمال التي تخاطب الجمهور الإسرائيلي، وليس إلى صناعة تجعل من تشويه سمعة البلاد في المهرجانات الأجنبية مهنة لها".

من جهتها، اعتبرت القناة 14 اليمينية، الأكثر قرباً لخطاب حكومة الاحتلال، أن "لا أرض أخرى" يختصر جيش الاحتلال بكونه "يقود حملات قتلٍ وهدمٍ، بينما في الواقع فإن السكان الفلسطينيين هم من اقتحموا أرضاً إسرائيلية مصنّفة منطقة تدريبات عسكرية للجيش"، مستندةً بذلك إلى قرار المحكمة العليا الإسرائيلية الذي قضى بأن على "الجيش تهجير القرية لمتابعة تدريباته التي تضررت بشدة".

يُقدّم "لا أرض أخرى"الذي أثار غضب المستوطنين، إسرائيل، وفقاً للقناة، على أنها "تمارس انتهاكات وإيذاء ممنهجاً ضدّ القرويين الذين عاشوا على أرضهم التاريخية لأجيال عديدة"، مشيرةً إلى أنه وفقاً لصناع الفيلم فإن "جنود الجيش والمستوطنين استغلوا الحرب لشن حملات قتل وإطلاق نار وتهديد". وبالرغم من أن هذه أرض فلسطينية خالصة، ادعت القناة أن جيش الاحتلال قد أعلنها "منطقة إطلاق نار وتدريبات فقط في أوائل الثمانينيات بعدما تأكد خلوها من السكان، الذين شيّدوا فيها منشآت من دون تصريح"، ما أثر بحسبها على اعتباراته الأمنية وتدريباته.

الفيلم الذي يحكي قصة عائلة من المنطقة، اتهمته القناة بأنه يعرض "صورة ورواية أحادية الجانب للتهجير والاحتلال، مصوّراً جنود الجيش والمستوطنين مجرمين"؛ إذ "تجاهل صناع الفيلم تماماً الحقائق والوقائع التي تضر بصورة أبطال القصة أنفسهم، بما في ذلك حقيقة أن مصدر رزقهم هو محطة وقود غير قانونية لا تطابق المعايير البيئية، فضلاً عن التورط غير القانوني لجهات أجنبية، بقيادة الاتحاد الأوروبي، في تمويل وتوجيه البناء في المنطقة في انتهاك لاتفاقيات أوسلو والقانون الإسرائيلي".

بدوره، اعتبر المدير التنفيذي لحركة ريغافيم الاستيطانية، مائير دويتش، "لا أرض أخرى" بأنه "دعاية تخدم الرواية الفلسطينية الكاذبة؛ فيسعى إلى تقويض شرعية دولة إسرائيل على الساحة الدولية". واتهم صنّاعَه بأنهم يسعون إلى "التسبب في مقاطعة مقاتلي الجيش وفرض عقوبات عليهم، بصفته يقدّم خدمة للفلسطينيين ومؤيديهم الذين يسعون إلى تعزيز الخطوات السياسية والقانونية ضد إسرائيل؛ إذ يقدم حكم القانون في إسرائيل باعتباره غير شرعي مضراً بذلك في قدرة إسرائيل على الحفاظ على النظام وإنفاذ القانون في يهودا والسامرة (الاسم التوراتي للضفة الغربية)".

أضاف دويتش أنه "لا يجوز لدولة إسرائيل التخلي عن الساحة الدعائية، ويجب عليها أن تقدم الحقيقة التاريخية للعالم. وفي الوقت نفسه، عليها حظر دخول العناصر الفوضوية الأجنبية إلى إسرائيل والتي تعمل في يهودا والسامرة للتسبب الاضطرابات في المنطقة، لأنه في الحقيقة لا توجد أرض أخرى".

في هذا السياق، هاجم رئيس المجلس الإقليمي لمستوطنات جبل الخليل، إيليرام أزولاي، الفيلم: "نحن الذين نعيش في المنطقة نعرف الحقيقة: الدعاية والأكاذيب ذاتها، مثل دعاية حماس التي تحاول تصوير العرب بأنهم فقراء جرى احتلالهم، في حين أن الهدف كله هو إنشاء دولة فلسطينية بحكم الأمر الواقع من خلال التضييق على المستوطنات؛ وذلك في وقتٍ يتحرك فيه الفوضويون من حولهم للحصول على صور جيدة للدعاية الفلسطينية".

أزولاي دعا وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إلى المساعدة في عملية تهجير الفلسطينيين و"إخلاء جميع المباني غير القانونية فوراً"، معتبراً أنه "لا توقيت أفضل من الآن لفعل ذلك". وأشار إلى أن الساحة الدعائية تتطلب توفير موارد حكومية "لإظهار الحقيقة البسيطة المتمثلة في أنهم يريدون طرد جميع اليهود من جبل الخليل، تماماً كما هو الحال في أي مكان آخر في إسرائيل".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows