التنمّر في مصر... حين تصبح المدرسة مكاناً للخوف
Arab
5 hours ago
share

يحذّر تربويون وعلماء نفس واجتماع من مخاطر ظاهرة التنمّر على الأطفال في مصر، خصوصاً داخل المدارس، والذي لا يواجه بعقوبات رادعة. وفي مثال، في صباح شتوي بارد، وقفت التلميذة ميار (13 سنة) أمام مرآتها تبكي، بعدما سخرت زميلاتها من شكل أنفها وبشرتها السمراء. كانت تحاول إخفاء دموعها عن والدتها بينما تجهز حقيبتها المدرسية. لم تكن هذه المرة الأولى، فهي تتعرض منذ شهور لتعليقات لاذعة من أقرانها في المدرسة بسبب مظهرها، وبدلاً من أن تجد الحماية في المدرسة، قوبلت شكواها بصمت بارد من المعلمات والإدارة.

في الفصل، خاطب معلم التلميذة نوبية الأصل أمام زملائها قائلاً: "اسكتي يا سودة". لم تكن الكلمة مجرد سخرية عنصرية، بل إعلاناً صريحاً يؤكد أنّ التنمّر في مدارس مصر لم يعد حكراً على التلاميذ، بل أصبح سلوكاً يجد طريقه بين المعلمين أنفسهم، وعادة من دون عقاب. في حادثة أخرى، لم تحتمل تلميذة بالمرحلة الإعدادية السخرية اليومية من شكلها، فانتحرت في منزلها، بعد أن ضاقت بما تسمعه من زميلاتها. بينما كانت منار أقوى، إذ اكتفت بالتوقف عن الذهاب إلى المدرسة بعد تعرضها للتنمّر بسبب بشرتها السمراء.

تعرض محمد، التلميذ في المرحلة الثانوية، إلى التنمر نتيجة معاناته من التلعثم في النطق، وكان التلاميذ والمعلمون يسخرون منه يومياً داخل الفصل، حتى فقد الرغبة في الذهاب إلى المدرسة. حاولت أسرته نقله إلى مدرسة أخرى، لكن التنمر كان قد ترك جُرحاً عميقاً في نفسه، أعمق من أن يُشفى بتغيير المكان.

هذه الوقائع وغيرها الكثير، دفعت النائبة بمجلس الشيوخ، ريهام عفيفي، إلى التقدم بطلب مناقشة عامة لاستيضاح جهود وزارة التربية والتعليم بشأن مواجهة ظاهرة التنمّر، وقالت في نص طلبها: "تجاوز التنمّر المدرسي حدود الحوادث الفردية، وتحول إلى ظاهرة، ما يستدعي الوقوف على أسبابه، وعدم التهاون في مواجهته، فدور الوزارة لا يجب أن يقتصر على الوقاية، بل يمتد إلى توفير الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا بالتعاون مع الجهات المعنية".

وأضافت نائبة البرلمان المصري: "حوادث التنمّر والتحرش طاولت المدارس الحكومية والخاصة على حد سواء، ما يخلق أمراضاً في المجتمع يصعب علاجها، ويستلزم توفير بيئة مدرسية صحية تخرج إلى المجتمع فرداً صالحاً قادراً على البناء، وعلى تحمل المسؤولية".

وتشير بيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" إلى أن نحو 70% من أطفال مصر يتعرضون للتنمّر من قبل زملائهم في المدارس، ما يستلزم تحركاً جاداً من الجهات المعنية، سواء عبر الردع القانوني، أو نشر الوعي بين النشء والمراهقين.

وبحسب خبراء، ينتشر التنمّر بشكل أكبر بين الذكور مقارنة بالإناث، خصوصاً في المدارس الحكومية، نتيجة غياب وسائل الردع والعقاب، ما يؤثر سلباً على التحصيل العلمي للضحايا، ويغذي مظاهر العنف لاحقاً في المجتمع.

يقول أستاذ الطب النفسي في جامعة عين شمس، عبد الناصر عمر، لـ"العربي الجديد": "التنمّر في الغرب يرتكز غالباً داخل المدارس، بينما يعتبر في مصر ظاهرة ممتدة تشمل كل المساحات. التنمّر يستهدف المختلفين في الشكل أو الدين أو السلوك، بينما الأصل هو احترام الآخر. بعض الآباء والأمهات يتسببون في نقل ظاهرة التنمّر إلى أبنائهم من جراء تصرفاتهم مع الآخرين، والتنمّر تمتد آثاره مع الضحية لفترة طويلة، وقد يؤثر على حياته ومستقبله، ويصل به في أحيان كثيرة إلى الإصابة بالاكتئاب أو العزلة. التنمّر قد يصدر من الأهل تجاه الأبناء، أو من المعلمين إزاء التلاميذ، وكل حالاته مرفوضة لما له من تداعيات كارثية".

بدورها، تقول أستاذة علم الاجتماع في جامعة بنها، هالة منصور، إن "المتنمّر عادة ما يمارس سلوكه العدواني تجاه ضحاياه بسبب غياب القيم، أو افتقاده إلى التربية السليمة. يبحث المتنمّر عادة عن عيب خلقي في ضحيته، والسبب هو افتقاده إلى الأخلاق الحميدة، وبعض الآباء والأمهات يمارسون التنمّر على أبنائهم بقصد أو بدون قصد، بحجة أنهم يريدونهم أفضل، ما يكون له تأثير سلبي على الأطفال وسلوكهم، بدلاً من تشجيعهم بشكل إيجابي، والعمل على زيادة ثقتهم في أنفسهم، وتأهيلهم لمواجهة أية مستجدات خلال دراستهم أو حياتهم بشكل عام. على وسائل الإعلام دور كبير في التوعية بخطورة التنمّر، فقد يدفع الطفل لإنهاء حياته إذا كانت بنيته النفسية ضعيفة".

وفي جلسة خصصها مجلس الشيوخ المصري لمناقشة الموضوع مؤخراً، قال نائب وزير التعليم، أيمن بهاء الدين، إن "ظاهرة التنمّر المدرسي باتت مقلقة خلال السنوات الأخيرة، والفئة العمرية من 10 إلى 12 سنة هي الأكثر عرضةً للتنمّر اللفظي، والذي يتحول لاحقاً إلى تنمّر جسدي في المرحلة الثانوية".

وأضاف بهاء الدين: "العوامل الأسرية تلعب دوراً كبيراً في تفاقم ظاهرة التنمّر، مثل التفكك الأسري، والعنف المنزلي، والإهمال، والتساهل المفرط من الأهل، أو الحماية الزائدة، إضافة إلى عوامل مدرسية وبيئية منها ضعف الإشراف المدرسي نتيجة العجز في الكوادر البشرية، وعدم وجود سياسة لمكافحة التنمّر، وتساهل بعض المعلمين مع هذه السلوكيات".

وفي 12 ديسمبر/كانون الأول 2023، صدق الرئيس عبد الفتاح السيسي على تعديل بعض أحكام قانون العقوبات، بهدف مواجهة الجرائم المستحدثة مثل التحرش والتنمّر، لتشمل العقوبات الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تتجاوز أربع سنوات، وغرامة مالية، أو بإحدى العقوبتين، وذلك لكل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص، بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية، أو باستخدام وسائل الاتصال أو أي تقنية أخرى.

ونصت تعديلات القانون على أن العقوبة تُغلظ لتصل إلى السجن مدة لا تقل عن سبع سنوات إذا كان المتهم ممن لهم سلطة وظيفية أو دراسية أو أسرية على الضحية، أو ارتكب الجريمة في مكان العمل أو وسائل النقل. لكن يحذر مختصون أن العقوبات لا تزال غير مفعّلة داخل المدارس، إما لغياب آليات الشكوى، أو لشيوع ثقافة "التستر" بدلاً من المحاسبة.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows