
تتجه الجزائر نحو طي صفحة الأزمة في علاقاتها مع إسبانيا، بعد منعرج توتر حاد أوشك أن يؤدي إلى قطع نهائي للعلاقات. وفي هذا السياق، يحلّ الوزير الأول الجزائري نذير العرباوي، اليوم الأحد، بمدينة إشبيلية الإسبانية للمشاركة في المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية.
وتُعد زيارة العرباوي لإسبانيا مؤشراً قوياً لعودة الدفء إلى العلاقات الثنائية بين البلدين، فهي أول زيارة لمسؤول جزائري رفيع المستوى إلى إسبانيا منذ اندلاع الأزمة في مارس/آذار 2022، فضلاً عن كون الوزير الأول يمثل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ما يضفي على الزيارة أبعاداً سياسية، إلى جانب مشاركته في التظاهرة الاقتصادية.
وبحسب بيان صادر عن الوزارة الأولى، فإن مشاركة نذير العرباوي في فعاليات المؤتمر ستستمر حتى 3 يوليو/تموز، حيث سيعكف المشاركون على دراسة مختلف المسائل ذات الصلة بتمويل التنمية، لا سيما من خلال تقييم تنفيذ برنامج عمل أديس أبابا الداعم لخطة التنمية المستدامة لعام 2030، وذلك بهدف صياغة اقتراحات وحلول جماعية لدعم جهود التنمية وسد الفجوة التمويلية.
وشهدت العلاقات الثنائية بين الجزائر ومدريد نوعاً من الانفراج خلال الأشهر القليلة الماضية، وتجلّى ذلك في اللقاء الرفيع المستوى الذي جمع وزيري خارجية البلدين على هامش الاجتماع الوزاري لمجموعة الـ20 بمدينة جوهانسبرغ الجنوب أفريقية في 20 فبراير/شباط الماضي، والذي كان أول لقاء رسمي يكسر حالة التوتر التي استمرت نحو ثلاث سنوات، منذ إعلان رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز دعم بلاده مخطط الحكم الذاتي المغربي في الصحراء الغربية، وهو الموقف الذي وصفته الجزائر بـ"الانقلاب المفاجئ".
ورداً على الموقف الإسباني حينها، سحبت الجزائر سفيرها من مدريد وعلّقت اتفاقية الصداقة وحسن الجوار الموقعة بين البلدين سنة 2002، كما فرضت سلسلة من العقوبات الاقتصادية، شملت تجميد عمليات التصدير والاستيراد مع إسبانيا، ووقف أي توطين بنكي للمعاملات التجارية معها.
الانطلاقة من عودة العلاقات الاقتصادية
دخلت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الجزائر وإسبانيا مرحلة جديدة من الانتعاش بعد فترة توتر دامت نحو 28 شهراً، حيث سجلت المبادلات التجارية بين البلدين خلال عام 2024 ما يفوق 6.9 مليارات دولار، ما يعكس نمواً ملحوظاً في عدة قطاعات. وجرى خلال هذه الفترة تنظيم ست بعثات اقتصادية وتجارية إسبانية إلى الجزائر، إضافة إلى عقد سلسلة من الملتقيات الثنائية في كل من الجزائر وإسبانيا لتعزيز التعاون الاقتصادي.
وبصرف النظر عن العلاقات السياسية والتوجهات بخصوص القضايا الإقليمية، فإن الجوانب الاقتصادية تمثل إحدى أهم ركائز الصداقة والشراكة بين البلدين. وفي هذا الإطار، بلغت قيمة المبادلات التجارية بين الجانبين في 2024 نحو 6.9 مليارات دولار، منها صادرات جزائرية إلى إسبانيا بقيمة 6.02 مليارات دولار، في حين بلغت الواردات الجزائرية من السوق الإسبانية حوالي 829 مليون دولار.
وفي مارس/آذار 2025، سجلت المبادلات التجارية الثنائية تطوراً لافتاً، إذ بلغت صادرات إسبانيا إلى الجزائر 160 مليون يورو، مقابل واردات من الجزائر قدرت بـ871 مليون يورو. وأظهرت الإحصائيات ارتفاعاً حاداً في حجم المبادلات مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق، فقد نمت صادرات إسبانيا بنسبة 96.1%، من 81.6 مليون يورو في مارس/آذار 2024 إلى 160 مليون يورو في مارس/آذار 2025.
كما ارتفعت واردات إسبانيا من الجزائر بنسبة 58.5%، من 549 مليون يورو إلى 871 مليون يورو خلال الفترة نفسها. أما فيما يخص بنية التبادل التجاري في مارس/آذار 2025، فقد تمثلت أبرز صادرات إسبانيا إلى الجزائر في لحوم الأغنام والماعز بقيمة 19.2 مليون يورو، تلتها لحوم الأبقار بـ17.1 مليون يورو، ثم قطع غيار السيارات بـ11.6 مليون يورو.
القطيعة استثنت إمدادات الغاز
على الرغم من "القطيعة" التجارية السابقة، بقي الغاز الجزائري يتصدر واردات إسبانيا من هذه المادة الحيوية. فقد استثنت الجزائر إمدادات الغاز الطبيعي المنقولة عبر الأنبوب البحري الرابط بينها وبين إسبانيا من تداعيات الأزمة. وأكد مسؤولو قطاع الطاقة ومجمع سوناطراك في عدة مناسبات التزام الجزائر باتفاقيات العقود طويلة الأجل مع زبائنها، وعدم نيتها قطع إمدادات الغاز تحت أي ظرف. وبناءً على ذلك، شكّل الغاز الطبيعي أبرز واردات إسبانيا من الجزائر بقيمة 528 مليون يورو، يليه النفط الخام بـ276 مليون يورو، ثم المنتجات البترولية المكررة بـ34.2 مليون يورو.
وقد شهدت واردات إسبانيا من الغاز الجزائري في مارس/آذار 2025 ارتفاعاً ملحوظاً بنسبة قاربت 39%، بعد فترة تراجع في فبراير/شباط السابق، لتستعيد الجزائر مكانتها في صدارة مورّدي الغاز إلى السوق الإسبانية خلال هذا الشهر، حيث بلغت حصتها 33.4% من إجمالي الواردات، أي ما يعادل 12.21 تيراواط/ساعة.
كما سجلت صادرات الجزائر من الغاز الطبيعي نحو إسبانيا في مارس/آذار 2025 ارتفاعاً إلى 9.51 تيراواط/ساعة، مقارنة بـ8.71 تيراواط/ساعة في مارس/آذار 2024. كذلك، عادت شحنات الغاز الطبيعي المسال الجزائري إلى إسبانيا بعد توقف دام ثلاثة أشهر، حيث بلغت الكميات الموردة 2.70 تيراواط/ساعة في مارس/آذار 2025، مقارنة بـ3.52 تيراواط/ساعة في الشهر نفسه من العام الماضي.

Related News


