ثغرة الاستخبارات تنقذ رأس النظام في إيران
Arab
2 weeks ago
share

بدأ الهجوم الإسرائيلي على إيران مفاجئاً وسط سلسلة مفاوضات كانت قائمة بين الأخيرة والولايات المتحدة. وقد ضبط ظهور ترامب التوتر عشية يوم الهجوم، حين صرّح بأن الحرب يمكن أن تقع، ولكنها ليست وشيكة، بينما انطلقت الطائرات والصواريخ الإسرائيلية في الليلة نفسها لتقصف مواقع حساسة في إيران، وتقتل قادةً وعلماء كباراً. ويبدو أن العمل المخابراتي أصبح رديفاً أساسياً للعمل العسكري، فقد قام ترامب بدوره كاملاً في التضليل، وأعاد الدور التمثيلي نفسه تقريباً قبيل الليلة التي ضربت فيها الولايات المتحدة مواقع الطاقة النووية الثلاثة في إيران، بعدما كان قد أعلن مهلة أسبوعين لاتخاذ القرار، ولم يكن قد انقضى من الأسبوعين أكثر من يومين، حتى بدأت قاذفات بي 2 الشبحية تحلق فوق إيران، ملقية قنابلها التي تخترق طبقات الأرض لتصل إلى أعماق تتجاوز 60 متراً. بدأ كل شيء يهدأ بعدها، حتى ترامب نفسه الذي مارس تنمّراً وتضليلاً، بدا تصالحياً، حين أعطى الإذن باستمرار تصدير النفط الإيراني إلى الصين، ويبدو هذا التصريح جائزة ترضية للصين مع إيصال رسالة أخرى إليها، وللدول التي تتعامل معها، بأن قدرة الردع لدى الولايات المتحدة موجودة عند اللزوم.

تبدو إسرائيل وأميركا مطمئنتين تماماً إلى أن القدرة النووية الإيرانية ضُربَت بقوة، وربما لم تصل إلى مرحلة التدمير النهائي، ولكن إنتاج القنبلة نفسه قد أرجئ عشر سنوات إضافية، وهي مدة كافية للسياسي القادم في إسرائيل وأميركا للتفكير ملياً في الخطوة التالية. فرملة القوة النووية الإيرانية لا تؤهلها للعودة دولةً من دون عقوبات، وتمارس دورها في السياسة الإقليمية كما كانت سابقاً، رغم ما يردّده ترامب عن اتفاق قد يجري التوصل إليه.

يمكن لإيران، الدولة الثيوقراطية، أن تحاول الاستمرار في ممارسة تأثيرها المذهبي وفكرها المتطرّف على دول المنطقة، مثل العراق الذي ما زالت تحتفظ بالقدرة على اختراق أجهزته الحكومية بشكل كبير، وشرائحه الاجتماعية. وقد رأينا ردّة الفعل الشعبية العراقية في أثناء حالة التراشق الإيراني مع إسرائيل. ولذلك، من المبكّر الحديث عن رفعٍ كلّي، أو واسع، للعقوبات الغربية، فهناك دراسة عميقة يجب أن تحصل لتقييم مدى تضرّر مشروع الملالي ومدى قدرة إيران على ترميم ما جرى تدميره من قدراتها النووية.

وجد الأسلوب المخابراتي في التعامل مع إيران وأذرعها نجاحاً مبهراً، واستُخدِم بمهارة تامة، وقد اعتمدت عليه إسرائيل منذ الحرب في غزّة وغزوات "البيجر" في لبنان وقتل قيادات حزب الله على التوالي. وتظهر هذه الحرب المخابراتية رخاوة الجبهة المقابلة، فقد تبين أن إيران وحلفاءها جدارٌ واهنٌ من السهولة المرور عبره، وفتح نافذة كبيرة للمراقبة والتحكّم أمام كل من إسرائيل وأميركا اللتين ستحاولان أن تبقياها مفتوحة، لما يمكن أن توفره من معلومات استخبارية مهمة تنفع لاستخدامها في تقييم ما بقي من قدرات. وربما كان هذا العامل حاسماً في تقرير مصير النظام الإيراني نفسه، فقد بدا نتنياهو جادّاً في رغبته بتغيير النظام، ليأتي ترامب ويعدّل من النغمة ويلغي هذه الفكرة، باعتبار أن أبواب المعلومات مشرعة ويمكن معرفة كل خفايا النظام، فلا خطورة من إبقائه ضعيفاً مسيطَراً عليه ومتاحاً جرّه في أي وقت إلى حرب قصيرة تحطّم كل ما أنجزه وتعيده إلى المربّع الأول، ويبقى ذلك أفضل من تسليم بلد مترامي الأطراف للفوضى التي قد تُحدث مشكلاتٍ سياسية ضخمة على مقربة من أوروبا.

فضل الرئيس الأميركي ترك نظام مخترق محاصر من السهل مراقبته على رؤية منطقة فوضى وبؤرة تطرّف جديدة يمكن أن تتسرّب إلى جوارٍ مستعد لتلقي كل فكر تطرّفي، وخصوصاً في العراق وسورية، وهكذا يكون النظام الإيراني قد كسب رأسه بفضل ضعفه الاستخباري فقط.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows