
فتحت تحركات في الكونغرس الأميركي من خلال تقديم مشروع قانون لتصنيف جبهة البوليساريو على اللائحة الأميركية للمنظمات الإرهابية الأجنبية، باب الأسئلة عن دلالات تلك التحركات وتأثيرها في مصير نزاع الصحراء الغربية بين المغرب والبوليساريو، ولا سيما في خضم التطورات المتسارعة التي يشهدها الملف في الآونة الأخيرة، والتحولات في المواقف الدولية بشأن خطة الرباط القاضية بمنح حكم ذاتي للمنطقة.
وفي خطوة لافتة، أعلن السيناتور الجمهوري الأميركي جو ويلسون أول من أمس الخميس، تقديمه بمعية زميله عن الحزب الديمقراطي جيمي بانيتا مشروع قانون إلى الكونغرس يقضي بتصنيف جبهة البوليساريو منظمة إرهابية. وقال ويلسون، في تغريدة له على حسابه بمنصة إكس: "البوليساريو مليشيا ماركسية مدعومة من إيران، وحزب الله، وروسيا. توفر لطهران موطئ قدم استراتيجياً في أفريقيا، وتزعزع استقرار المملكة المغربية، الحليف التاريخي للولايات المتحدة منذ 248 عاماً". وتابع: "نشكر زميلي النائب جيمي بانيتا على دعمه لهذا التشريع ذي الطابع الحزبي المشترك، والرامي إلى تصنيف البوليساريو منظمة إرهابية أجنبية".
ويأتي تقديم مشروع القانون بعد أكثر من شهرين عن اللقاء الذي جمع ويلسون بوزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، في واشنطن في 9 إبريل/ نيسان الماضي، حيث نشر حينها أن اللقاء تناول "الشراكة التاريخية والتزامنا المشترك من أجل السلام في المنطقة، ولا سيما الاستقرار في الصحراء في مواجهة إرهابيي البوليساريو". وفي السياق، رأى المحلل السياسي، رشيد لزرق، في حديث مع "العربي الجديد"، أن المشروع يعكس "تحولاً متقدماً في فهم دوائر القرار الأميركي لطبيعة الأنشطة المسلحة التي تمارسها الجبهة، خصوصاً في منطقة الساحل والصحراء، حيث تتقاطع مع تهديدات إرهابية قائمة"، ويؤشر على انخراط أوسع في معالجة مصادر التهديد غير التقليدية التي تعرقل الاستقرار الإقليمي وتضر بمصالح واشنطن وحلفائها.
وقال لزرق إن "السيناتور ويلسون ليس نائباً عادياً، ويملك أدوات تشريعية فعالة بفضل عضويته في لجان محورية كالخارجية والدفاع، ولديه علاقات قوية مع التيارات الجمهورية المحافظة، كذلك تجعله خبرته في تمرير مشاريع تتعلق بالأمن القومي قادراً على حشد الدعم اللازم، خصوصاً إذا نجح في تقديم البوليساريو بوصفها عنصر تهديد فعلي للجنود الأميركيين في أفريقيا أو لحلفاء واشنطن في المنطقة". ولفت إلى أنه في حال نجاح المشروع، سيكون له وقع قوي على المستوى القانوني والدبلوماسي، وسيدفع أطرافاً دولية إلى إعادة حساباتها تجاه الجبهة.
من جهته، رأى الخبير في القانون الدولي صبري الحو، أن "مشروع القانون يعتبر وعياً متطابقاً من المشرع الأميركي مع قرار السلطة التنفيذية التي أصدرت في عام 2020 مرسوماً يعترف للمغرب بالسيادة على كل الصحراء، والتزامه في إطار خريطة طريق محددة المنطلقات والأطراف والطريقة لانهاء النزاع في إطار الحكم الذاتي". وأوضح الحو، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الوعي بدأ ينفذ إلى قناعة المشرع الأميركي بوجوب الانخراط والمشاركة الإيجابية لتحديد خطوات السير في اتجاه الاستراتيجية الأميركية المعلنة في إطار اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء".
ولفت إلى أن "مشروع القانون الأميركي، بغض النظر عن علاقته بمنافع واشنطن ومصالحها، إلا أنه يعتبر خطوة عملية مهمة تكسر الصمت وتتجاوز التردد وتزيل القناع وتجلب انتباه العالم إلى التمعن أكثر وبشكل عقلاني وواقعي في حقيقة جبهة البوليساريو وخطورتها في نشأتها وتاريخها وواقع شبكاتها مع الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية في المنطقة، وخطورة كل ذلك على الأمن والاستقرار في المنطقة المغاربية وفي منطقة الساحل والصحراء"، بحسب قوله.
وذهب إلى أن خطوة تقديم المشروع تعتبر "انقلاباً يهدم ويعدم كل ما راكمته الجزائر لصالح الجبهة الانفصالية من خلال سعيها الحثيث والدائم لتثبيت وجودها قيادةً أو سلطةً أو دولةً، بل ينفي عليها أي وجود حتى كصفة لأنها مرتبطة بالوجود غير المشروع في علاقتها بالإرهاب في كل تجلياته وأشكاله".
وفي قراءته لخلفيات المشروع، رأى الحو أنه "خطوة مؤثرة في نتيجة الحل لصالح المغرب، تعجل بالحل والتماسه والانخراط فيه من طرف الجزائر التي ترفضه وتتهرب منه وتماطل وتشاكس لعدم نجاحه"، موضحاً أن المشروع سيؤدي من الناحية العملية إلى اصطدام الجزائر مع الحقيقة في ضرورة الانخراط باعتبارها طرفاً أساسياً في حل النزاع، من خلال إقرارها بمسؤوليتها القانونية والسياسية بوصفها دولة لجوء، ووجوب شعورها واضطلاعها الذاتي والمسؤول بالتزاماتها القانونية وفقاً لقواعد القانون الدولي، وإنذارها بضرورة تصحيح الوضعية الحالية التي تؤسس لها".
وخلص إلى أن مشروع القانون "سيضع الجزائر في مواجهة مع المجتمع الدولي والأممي ومع كل الدول والمنظمات التي ترفض وتحارب الإرهاب"، معتبراً إياه "امتيازاً لفائدة الحل في إطار مغربي"، و"مشروعاً يتطابق مع مرسوم السلطة التنفيذية الأميركية وخطوة دفع عملية وحقيقية تستعجل الحل".
بالمقابل، اعتبر رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية (المغرب) نبيل الأندلوسي، أن تقديم مشروع قانون تصنيف جبهة البوليساريو منظمة إرهابية "يحمل دلالات سياسية وأمنية واستراتيجية عميقة، في مقدمتها تأكيد استمرار الزخم الأميركي الداعم للموقف المغربي في قضية الصحراء، وللمبادرة المغربية للحكم الذاتي باعتبارها الحل الواقعي والجاد لهذا النزاع الإقليمي المفتعل". وأوضح الأندلوسي أنه "إذا ما صُوِّت لصالح المشروع، واستكمل مساره التشريعي داخل الكونغرس، فستكون له تداعيات دولية ملموسة، خصوصاً أن جبهة البوليساريو، كما هو معلوم، تحظى بدعم مباشر من الجزائر، سياسياً ومالياً وعسكرياً ودبلوماسياً. وبالتالي، فإن تصنيفها منظمة إرهابية سيمثل إحراجاً دبلوماسياً كبيراً للجزائر، ويضعها في موقف دفاعي أمام المجتمع الدولي".
وقال في تصريح لـ"العربي الجديد": "الأهم من ذلك، أن هذا التحرك يعكس وجود شبه إجماع أميركي، يتقاطع فيه الجمهوريون والديمقراطيون، بشأن دعم الطرح المغربي، وهو ما يشكل مكسباً استراتيجياً للدبلوماسية المغربية، ويعزز موقف الرباط ومشروعها المقدم لحل النزاع في إطار حكم ذاتي يضمن السيادة المغربية على الصحراء، وفي الوقت نفسه تمكين الصحراويين من تسيير شؤونهم في إطار مغرب موحد".
وكان إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في العاشر من ديسمبر/كانون الأول 2020 اعتراف بلاده بـ"سيادة المغرب على الصحراء"، بالتوازي مع إعلان التطبيع بين المغرب وإسرائيل، قد شكل نقطة تحول في ملف الصحراء، الممتد لما يقارب 50 عاماً، بعد انسحاب إسبانيا عام 1975 من المنطقة، ثم توقيع الهدنة بين المغرب وجبهة البوليساريو عام 1991، بعد حرب دامت 16 سنة.

Related News
