نزيف الثروة: المليونيرات المصريون يهربون إلى ملاذات آمنة
Arab
4 hours ago
share

ظلّ خروج الأغنياء من مصر قاصراً لعقود على المتضررين من الاضطهاد السياسي أو الديني، بينما بدأت هجرة الأثرياء في الاتساع منذ عام 2015، لتعكس وضعاً جديدة، بعد أن غادر البلاد ما يقرب من 900 مليونير، وفق تقارير دولية، في موجة متزايدة من نزوح أصحاب الثروات إلى وجهات مثل الإمارات وكندا وأستراليا وسنغافورة. يرحل أصحاب الملايين في مصر، في صمت، ليحرموا المجتمع من عوائد ثرواتهم التي تُنقل إلى الخارج، وفرص قدرتهم على إدارة أعمال تشغل المئات من حولهم.

وفقاً لتقرير صادر عن مؤسسة Henley & Partners منذ أيام، فإن مصر فقدت، خلال الفترة من 2015 إلى 2022، حوالي 900 فرد من أصحاب الثروات الصافية المرتفعة (أي من يملكون أكثر من مليون دولار من الأصول القابلة للاستثمار). وبالرغم من أن هذا الرقم لا يبدو كبيراً من الناحية العددية مقارنة بإجمالي السكان، فإن دلالته الاقتصادية والاجتماعية عميقة، إذ يمثل هؤلاء قاطرةً في خلق فرص العمل، ودعم الاستثمارات المحلية، والمشاركة في الأعمال الخيرية والمجتمعية.

تراجع في عدد أصحاب الملايين تشير التقديرات إلى أن مصر ضمّت عام 2024 نحو 15,600 مليونير، بانخفاض يناهز 25% عن أعداد ما قبل عشر سنوات، وهي نسبة انخفاض تُعدّ من الأعلى في منطقة الشرق الأوسط. يبيّن التقرير أن عدم الاستقرار المالي يتصدّر قائمة أسباب مغادرة الأثرياء، فمع تراجع قيمة الجنيه المصري وتضخم الأسعار، تقلّصت القيمة الحقيقية للثروات كثيراً، ما دفع البعض لتحويل أصولهم إلى عملات صعبة خارج البلاد، بينما اختار آخرون الرحيل. قليلاً ما يصرّح رجال الأعمال بالصعوبات التي تدفعهم إلى ذلك، مع ذلك كثرت في الآونة الأخيرة شكاوى عائلة "ساويرس" التي ضمّت أغنى رجلين مصريين في قائمة "فوربس" على امتداد سنوات، من عدم قدرتها على المغامرة بالاستثمار في مصر، مؤكدةً أن بيئة الأعمال لم تعد تسمح بالاستثمار طويل الأجل.

أسباب هجرة المليونيرات

يُحمّل الملياردير نجيب ساويرس الحكومة مسؤولية عدم الشفافية في إدارة الاقتصاد، ومنحها امتيازات للهيئات العامة والتابعة للجيش والأجهزة السيادية، تجعل القطاع الخاص غير قادر على العمل أو المنافسة مع جهات يحكم أداءها موظفون من ذوي الثقة، وغير الأكفاء، بما يزيد من الفساد المالي والإداري في الدولة.

تُسبب تصريحات "آل ساويرس" المتكررة متاعب كثيرة لهم ولأمثالهم، دفعت شقيقه أنسي ساويرس إلى اتخاذ إيطاليا مركزاً لأعماله، مع نقل معظم أنشطته في القطاعات العقارية إلى دبي والسعودية وسويسرا. لم تعد إمبراطورية "آل ساويرس" الوحيدة التي تتجه إلى الخليج فهناك مجموعة "صبور" العقارية التي تتجه للعمل في المجال العقاري الفاخر في وسط العاصمة البريطانية لندن. كذلك تبحث شركات سياحية و شركات مقاولات كبرى عن العمل من الرياض وبعض الدول الأفريقية.

يُرجع رئيس جمعية مستثمري بني سويف محسن الجبالي هروب الملونيرات إلى بحثهم عن مصالحهم الاقتصادية فقط، دون تحمل آثار المتاعب التي تمر بها الدولة نتيجة حالة الاضطراب التي تشهدها المنطقة، والضغوط التي تحدث بوتيرة متكررة منذ انتشار وباء كوفيد 19، و ما تبعه من الحرب الروسية – الأوكرانية، ثم العدوان الإسرائيلي على غزة، وتوسيع حالة الحرب بالمنطقة إلى إيران واليمن ولبنان، بما تمثله هذه الحالة من ضغوط على المستثمرين والدولة ذاتها.

يقول الجبالي لـ "العربي الجديد" إن الأرقام التي تتحدّث عن هروب مستثمرين مصريين إلى الخارج مبالغ فيها، متّهماً الجهات التي تصدرها بأنها تُدير حسابات مسيسة، تستهدف النيل من قدرة مصر على استيعاب قدرات رجالها من الأغنياء وتوظيف ثرواتهم بشكل صحيح، بما يصب في مصالح الدول الباحثة عن أموالهم والساعية إلى توطينهم بالإغراءات كافة.

يتهم أعضاء في اتحاد جمعيات المستثمرين جهات حكومية بتشديد الإجراءات الرقابية على تحويل الأموال إلى الخارج، حتى بات الأثرياء يبحثون عن دول تتيح لهم حرية تحريك رؤوس أموالهم، فضلاً عن حماية استثماراتهم من مخاطر تقلبات العملة أو التدخلات الحكومية.

رصدت "العربي الجديد" انتشار ظاهرة سفر بعض الأغنياء بأبنائهم بحثاً عن فرص تعليم وعلاج، رغم وجود مؤسسات تعليمية وطبية جيدة في مصر، إلا أن كثيراً منهم يفضّلون أنظمة التعليم الغربية والرعاية الصحية المتقدمة، خاصة لأبنائهم، وغالباً ما تبدأ رحلة الهجرة بالتسجيل في مدارس دولية، ثم تنتهي بالحصول على جنسية أخرى وجواز سفر بديل. تتولّى بعض الشركات المصرية والأجنبية التي أسستها شخصيات من أصل مصري تقيم بالخارج الترويجَ لعمليات تسهيل منح المصريين الأغنياء حق الإقامة في الدول المستهدفة، ما ينتهي بالحصول على الجنسية مقابل امتلاك أموال سائلة أو أصول في البلد المستهدف.

الجهات الأكثر جاذبية

تأتي وجهات مثل الإمارات والبرتغال وكندا وأستراليا وسنغافورة في موقع الأكثر عروضاً على وسائل التواصل الاجتماعي والأكثر جاذبيةً للمستثمرين الأجانب، إذ تشمل العروض الحصول على الإقامة الدائمة مقابل الاستثمار، فضلاً عن نظم ضريبية واضحة ومحفزة، وهو ما يجعلها بيئة أكثر جذباً للأموال. من وجهة نظر عمالية يراها عضو نقابة العاملين بالضرائب محمد عبد النبي يعني خروج الأثرياء في المقام الأول تراجع فرص استثمارية كانت يمكن أن تضخّ في قطاعات مثل الصناعة، والتكنولوجيا، والتعليم، أو حتى الشركات الناشئة، وفقداناً محتملاً في الوظائف والفرص المرتبطة بالمشروعات التي قد تُغلق أو لا تُؤسس من الأساس.

ذكر عبد النبي أنه غالباً ما يكون الأثرياء من رواد الأعمال وأصحاب الخبرات الإدارية الرفيعة، وبالتالي فإن هجرتهم تمثل فقداناً مزدوجاً للمال والخبرة، فكل مليونير يغادر، قد يكون وراءه عشرات الموظفين، وسلسلة من الموردين والشركاء المحليين، مشيراً إلى أن هؤلاء الأثرياء يساهمون، على نحو مباشر أو غير مباشر، في الإيرادات الضريبية للدولة.

ومع مغادرتهم، تتراجع هذه المساهمات، بما يضع مزيداً من الضغط على الطبقة المتوسطة والدنيا. يعلم المصريون خطورة خروج الأموال إلى الخارج، وكثير منهم يدرك الأثر السيئ الذي خلّفته هجرة عشرات الآلاف من أصحاب رؤوس الأموال التي أعقبت فترة "التأميم" التي سادت البلاد فترة الستينيات من القرن الماضي، مؤمنين أن هجرة الأثرياء ليست فقط قراراً فردياً بالرحيل، بل هي في جوهرها تصويت بعدم الثقة بالسياسات الاقتصادية والبيئة المحلية، وهي مؤشر حساس على مناخ الاستثمار العام، لا سيما حين تترافق مع خروج الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتراجع جذب رؤوس الأموال.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows