قصة الغرام بين إيران وباكستان
Arab
3 hours ago
share

أثار تصريح لوزير الدفاع الباكستاني خواجة محمد آصف، داعم لإيران "بكل ما أوتينا من قوة" في مواجهتها أخيراً مع إسرائيل، تساؤلات مترامية التفسيرات بشأن الركائز التي استند إليها هذا الموقف الذي اندفع بمطلقه إلى الاصطفاف مع طهران.

يمكن الإطلالة على خلفية هذا الموقف من زاويتين، واحدة وثيقة الصلة بالسياق التاريخي الباكستاني المتصلب بعدائه دولة الاحتلال الإسرائيلي، والثانية تنتظم في النسق الإيجابي الذي تندرج فيه العلاقات الإيرانية ـ الباكستانية التي لم تعرف استعار اللهب ولا اشتعال الحطب منذ استقلال باكستان عام 1947. يقول أكرم زعيتر في كتابه "القضية الفلسطينية" (أصدره في 1955) حين طُرح قرار تقسيم فلسطين في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 1947 "استبسل مندوبو الدول العربية وباكستان في هذه المعركة السياسية، وكان لهم في ميدان الإقناع بضرر التقسيم وجوره وبطلانه جولات" وعلى موقع عرب 48 (15/2/2025) أن المندوب الأميركي في الأمم المتحدة، أوستن هودجستون، قال لعضو في الوفد الذي يرأسه، بعدما استمع إلى الخطاب المدوّي والرافض تقسيم فلسطين الذي ألقاه ممثل باكستان الدائم في هيئة الأمم المتحدة، ظفرالله خان "لقد دمّر القضية اليهودية تماما".

وعلى ما بدا لاحقاً أن الخطاب آنف الذكر كان وسيلة تعبير عن نضوجٍ مبكّرٍ لثقافة سياسية باكستانية تجاه القضية الفلسطينية، وفي تقرير منسوب إلى المدير العام لجمعية العالم الإسلامي في اسلام آباد، إقبال شداي، ونشرته صحيفة البعث الفلسطينية (25/4/1949) تحت عنوان "باكستاني يرى ما لم يره ساسة العرب". ومما قال شداي إن القلق يساور بلاده بسبب نمو الحركات العدائية التي يتخذها الاستعمار الصهيوني، ودعا الأقطار العربية إلى المبادرة باتخاذ الخطوات اللازمة لتأليف اتحاد إذا أرادت الوقوف بوجه هذا الاستعمار". وأوردت صحيفة الحياة اللبنانية (17/11/1966) مقتطفاتٍ من بيان مشترك أردني ـ باكستاني، بعد زيارة الرئيس أيوب خان عمّان، جاء فيه "باكستان تعتبر نفسها مسؤولة عن تحرير فلسطين بحُكم أن مسؤولية تحرير الأرض المغتصبة تقع على عاتق الدول العربية تساندها الدول الإسلامية". وفي 9/6/1967 نقلت صحيفة الدستور الأردنية عن إذاعة مكّة المكرمة أن "الحكومة الباكستانية أبلغت المملكة العربية السعودية استعدادها لمساعدة الشعوب العربية في كفاحها ضد الصهيونية، وتقديم الأسلحة والذخيرة والرجال ولتلبية الطلبات جوّاً". وأشارت الصحيفة نفسها إلى أن وكالة الأنباء الجزائرية ذكرت "أن الرئيس الباكستاني أيوب خان بعث رسالة إلى العقيد هواري بومدين عرض فيها تقديم كل ما يمكن من مساعدات مادية لصد العدوان الإسرائيلي".

إيران وباكستان أعرضتا عن اللجوء إلى استخدام الطحالب الإعلامية الضارّة، وسرعان ما استوعبتا الهرج القائم

بطبيعة الحال، لم تخلف باكستان وعدا على ما ظهر وبان، ففي مقالة منشورة في صحيفة العربي الجديد (17/4/2017) لنويد أحمد "أرسلت باكستان ضبّاطاً وطيارين عسكريين لمساعدة العرب في أثناء حرب 1967، وتقريباً في كل نزاع مع اسرائيل، وقد سافر الطيارون الباكستانيون في طائرات ركّاب إلى العراق ومنه إلى سورية بطائرات عسكرية، وفي حرب 1973 لم تكتف باكستان بنشر قوات لها للمساهمة في حماية دمشق، بل دربت أيضاً سوريين، كما أمّنت للجيش السوري دعماً بحرياً".

وفي هذا السياق، يروي القيادي السابق في الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني، توفيق سلطان، في مقابلة في صحيفة الشرق الأوسط (16/3/2025) أنه زار برفقة رئيس الحركة الوطنية اليسارية الراحل، كمال جنبلاط، دمشق، إثر حرب 1973. وحين سأل جنبلاط الرئيس حافظ الأسد عن الطيارين المشاركين في الحرب، صارحه الأسد بأنهم باكستانيون. وعلى جبهة سيناء، قال مساعد وزير الخارجية المصرية الأسبق، حسين هريدي، في مداخلة تلفزيونية بثتها قناة "إكسترا نيوز" (17/ 2/2021) "باكستان وقفت مع مصر في الأوقات العصيبة، وقدّمت لها مساعداتٍ كبيرة خلال حرب أكتوبر، وربما الرأي العام المصري لا يعلم بها".

تلك هي الزاوية الأولى التي استند إليها الموقف الباكستاني داعم إيران، والمندّد بالعدوان الإسرائيلي عليها، إذ يغور في جوف الصراع مع اسرائيل، ويختزن فصولاً من المواجهات الحربية معها، فيما العلاقات بين إسلام آباد وطهران تستقيم على مجموعة من الثوابت التي يتصدّرها غياب التنازع على الحدود، وهذه الثابتة تشكّل المدخل الأساسي لاستقرار العلاقات بين الدول المتجاورة. وتستمدّ الثابتة الثانية عناصرها من انعدام الاتهامات المتبادلة بين الدولتين بإقلاق الأمن الداخلي لأيٍّ منهما، فلا باكستان ذكرت مرّة أن إيران تعبث بأمنها وتستبطن فعلا مرذولا تجاهها، ولا إيران أوحت مرّة بأن جارتها لدودة، وتُضمر خبث النيات حيالها. وحتى في الحقبة الأولى لحُكم حركة طالبان، وما أفرز من نفور إيراني منه في أواخر عقد التسعينيات، وحيث شهدت الحدود الإيرانية ـ الأفغانية تشنّجات مسلحة، كادت تدفع إلى الصدام المفتوح بين طهران وكابول، إلا أن إيران وباكستان أعرضتا عن اللجوء إلى استخدام الطحالب الإعلامية الضارّة، وسرعان ما استوعبتا الهرج القائم. وهكذا كان الأمر في المرحلة التى تولى فيها الجنرال برويز مشرّف مقاليد السلطة بين الأعوام 2001 و2008، حين دعا إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل عام 2005، وقيل في دعوته تلك إنها عابرة أطلقها جنرالٌ عابر في المشهد الباكستاني. وربما، هذا ما أدّى إلى أن يكشف رئيس جهاز الموساد الأسبق، مائير داغان، لدبلوماسي أميركي في تل أبيب، عن قلقه على مصير مشرّف، وفقا لوثيقة نشرها موقع ويكليكس في 31/8/2007.

لا باكستان ذكرت مرّة أن إيران تعبث بأمنها وتستبطن فعلا مرذولا تجاهها، ولا إيران أوحت مرّة بأن جارتها لدودة، وتُضمر خبث النيات حيالها

تمتدّ جذور الثابتة الثالثة إلى مفصلين تاريخيين: يتكئ الأول على الاعتراف الإيراني السريع باستقلال باكستان وانفصالها عن الهند عام 1947، فقد تقدّمت إيران على معظم الدول الأخرى بتبادل العلاقات الدبلوماسية مع باكستان، ويعتمد الثاني على أسبقية الأخيرة بإعترافها بالنظام الإسلامي الجديد في إيران الذي أسقط الشاه محمد رضا بهلوي عام 1979. وخلال الحرب بين إيران والعراق، حافظت باكستان على شبه انزياح لإيران بفعل جفاء نظرتها إلى الرئيس العراقي الأسبق صدّام حسين الذي تعاون وتآزر مع الهند لإثارة قومية البلوش الموزّعة بين إيران وباكستان، فحنقت الثانية عليه ونفرت منه.

وإذ يميل الخطاب الإعلامي الإيراني إلى الموقف الباكستاني من قضية كشمير، وهذا ما يريح إسلام آباد، ويضع ارتياحها في موقع الثابتة الرابعة. وتأتي الخامسة بعدها وعمادها العلاقات الواسعة لكل من إيران وباكستان مع الصين، فيما السادسة عدم التزام باكستان بمنظومة العقوبات الغربية على إيران، والسابعة تنهض على المشاريع الطموحة، الموقعة أو التي تنتظر آجال توقيعها بين الدولتين في مجالات الطاقة واستجرار النفط والغاز والكهرباء من إيران إلى باكستان.

وأخيراً، تبقى إشارة إلى بيان أصدره الجيش الباكستاني في 8 الشهر الماضي (مايو/ أيار) خلال المواجهات الضروس مع الجيش الهندي، وقال إنه أسقط 25 طائرة مسيّرة إسرائيلية الصنع. وتعليقاً على تلك المواجهة، كتب بنيامين نتنياهو مغرّداً "إسرائيل والهند تقفان جنبا إلى جنب في مواجهة الإرهاب القاتل". ولعل هذا الزعم ما تطمسه وما تخفيه تل أبيب إزاء إسلام آباد من نيات ورغبات واستراتيجيات أقلّ ما يقال فيها إن الدور آت على باكستان... والله أعلم.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows