
يعيش آلاف النازحين السوريين داخل خيام مهترئة لا تلجم لهيب الصيف، ويواجهون تحديات يومية لا ترحم مع ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية.
في مخيّم قاح قرب الحدود السورية - التركية، تجلس راميا الأسود، وهي نازحة من ريف حماة الشمالي، أمام خيمتها المهترئة، تحرك الهواء بهدوء باستخدام مروحة يدوية صنعتها من كرتون مقوى، على أمل أن تخفف الحرارة، ولو قليلاً، بينما تتحول الخيمة في منتصف النهار إلى مكان خانق.
إلى جانبها، يجلس طفلها الصغير (4 سنوات)، فوق قطعة قماش مبللة، وعيناه نصف مغمضتين وجبهته تغلي من الحمى. وهي تراقبه بقلق شديد، فلا مراكز طبية قريبة، ولا سيارة تقلها إلى مستشفى، ولا حتى دواء لخفض حرارته المرتفعة.
تقول لـ"العربي الجديد": "وصلت الحرارة داخل الخيام إلى أكثر من 40 درجة، ولا مياه باردة ولا كهرباء، ولا حتى شجرة نستظل تحتها، كأننا في صحراء قاحلة. نشعر أننا نشوى، ونضطر إلى سكب الماء على أجساد أطفالنا لتبريدهم، لكن الماء نفسه يسخن داخل الخزانات البلاستيكية تحت أشعة الشمس".
تشير راميا إلى خزان مياه صغير بجانب خيمتها وقد غطته ببطانية مهترئة علّه يظل بارداً بعض الشيء، وتقول لـ"العربي الجديد": "نشرب الماء ساخناً لأننا لا نستطيع شراء الثلج يومياً باعتبار أن سعر قطعة الثلج الصغيرة تتجاوز 20 ليرة تركية، ونحن نعيش على سلة غذائية لم تعد تصلنا"، وتضيف: "لا نريد العيش في خيام إلى الأبد. كل صيف أسوأ من السابق، لم يتغير شيء منذ أن نزحنا قبل ستِّ سنوات. فقط أطفالنا كبروا في الخيام، لكن الحياة ظلت معلقة ومتوقفة وخانقة".
وتشير راميا إلى خيمة قريبة يبكي داخلها أطفال آخرون: "هذه ليست حياة. لا أحد يتحمل هذه الظروف. نحن لا نطلب رفاهية، بل نطلب مكاناً آمناً لأطفالنا، وماء بارداً، وظلاً، ودواءً. حتّى الاحتياجات الأساسية أصبحت هنا حلماً. نريد أن نعود إلى بيوتنا، ومدارسنا وأراضينا. إذا أعيد بناء منازلنا وتوفرت الخدمات الضرورية سنعود".
ويقول محمود الزين، وهو موظف في إحدى منظمات المجتمع المدني المحلية، لـ"العربي الجديد": "الخيام مصمّمة للاستجابة الطارئة، وليس لإقامة طويلة. كان يُفترض أن تبقى لأشهر، لكنها تستخدم اليوم لسنوات طويلة. المواد التي تصنع منها لا تقاوم حرّ الصيف ولا برد الشتاء. ومع تغيّر المناخ، أصبح الصيف أكثر قسوة وهذه الخيام لم تُحدّث ولم تُستبدل ولم تُعزَل"، يتابع: "رأينا خياماً ارتفعت حرارتها الداخلية إلى نحو 50 درجة مئوية في ذروة الصيف، خاصة تلك الموضوعة على أراضٍ ترابية أو صخرية مكشوفة، ولا يوجد أشجار أو مظلات، لذا يغطي بعض الأهالي الخيام ببطانيات قديمة أو أغطية حرارية من دون أن يفي ذلك بالغرض".
ويصف الزين الحلول الحالية بأنها "بدائية وغير ممنهجة، مثل فتح شقوق في أطراف الخيمة، أو استخدام بطانيات كعوازل. هذا ليس حلاً، فالنازحون يحتاجون إلى إنهاء هذا الفصل من التهجير عبر تأمين عودة كريمة إلى منازلهم بعد إعادة إعمارها، وتأمين بيئة آمنة لهم، وإلّا سيستمرون في الدوران داخل حلقة مأساة لا نهاية لها".
وتشكل المياه القليلة أو انقطاعها وسط الحر الشديد إحدى أكبر مشكلات سكان المخيّمات، إذ تتكاثر الأمراض، ويزداد خطر الجفاف، خصوصاً لدى الأطفال وكبار السن. من مخيّمات دير حسان، تقول الصيدلانية حنان عبد الرحمن، لـ"العربي الجديد": "تقف مخيّمات الشمال السوري عارية مكشوفة للريح والحرارة، وتفتقر إلى أي حماية من الطبيعة القاسية، وضعف التهوية لا ينعكس على الإحساس بالحرارة فحسب، بل أيضاً على الجانب الصحي، إذ تتسبب الظروف الحارة في انتشار الأمراض الجلدية والتنفسية، خاصة بين الأطفال. يعني نقص التهوية أن كل قطرة عرق تبقى محبوسة داخل الخيمة، وتجعل الأطفال يعانون من طفح جلدي والتهابات وحالات إغماء".
وتخبر حنان أنها تشاهد حالات إسهال وجفاف يومية في مخيّمات شمال سورية، خاصة أن معظم العائلات تحصل على مياه الشرب مرة كل ثلاثة أيام، وتضطر إلى استخدام مياه غير معقمة للطهي والغسيل، وتؤكد أن نقص المياه النظيفة في ظل الحرارة المرتفعة يفاقم انتشار الأمراض المنقولة بالماء.
ووفق منظمات حقوقية يعيش آلاف النازحين في مخيّمات الشمال السوري، وسط ظروف إنسانية قاسية، ونقص حاد في الخدمات الأساسية، ولا يستطيع معظمهم العودة إلى قراهم وبلداتهم نتيجة الدمار الذي طاول منازلهم، وعجزهم عن ترميمها بسبب الفقر، فضلاً عن غياب الخدمات الأساسية في تلك المناطق، وانتشار مخلفات الحرب، ما يجعل العودة شبه مستحيلة في الوقت الراهن.
