
نحتاج مكنسة، بحجم القنبلة الضخمة الخارقة للتحصينات التي ألقتها الولايات المتحدة على مفاعلات بوردو ونطنز وأصفهان، لكنس كل أدبيات الأمم المتحدة ومواثيقها واتفاقاتها، هي وكل المؤسّسات التي تظللها، وما توالد عنها، بل قد نحتاج لمكنسة أخرى بل مكانس تعمل بسرعة فرط صوتية، لتنظيف الكوكب من كل ما قذفه الساسة ومعظم المفكرين ورجال الإعلام ومن يسمون أنفسهم خبراء القانون الدولي، والنظام العالمي في وجوهنا على مدار قرن، فقد بتنا على قناعةٍ بأن كل تلك الأحاديث عن قيم العدالة والحرية وحقوق الإنسان مجرد ذرائع لحجب حقيقة مخيفة تقول إن كل سكان الكرة الأرضية هم مجرد "أضرار جانبية" لحروب عصبة قليلة من أساطين السلاح والنفط والدواء والأمصال والمخدّرات (بالطبع!) والقيم الكاذبة وتجارها، يديرون أقدار البشر حسبما يشتهون، وفق بوصلة خاصة بهم، تختار طريقة موت "الآخرين" قهراً أو قتلاً مباشراً أو بإحالتهم إلى حالة من اللاحياة واللاموت، حيث يتحوّلون إلى كتل متحرّكة تدور في آلة ضخمة تنتج الثروات المليارية أو التريليونية لأعضاء تلك العصابة.
أتذكرون ما سمّوه "التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب"؟ لقد كان تحالفاً حرّكته ثلة قليلة من تلك العصابة، والتحق بها شخوص هامشيون وأذناب (أقل من أن يكونوا أدوات حتى) لمواجهة كل من يفكر في استعمال القوة لاستخلاص حقّ من حقوقه، لأن استعمال القوة بحد ذاته "حصري" بيد تلك العصابة إياها، ومن ضمن هذه القوة تلك القنابل النووية التي لا يجوز لغير "نادي القتلة الكبار" أن يمتلكها، ولحماية "حقّهم الحصري" هذا ابتدعوا وكالة الطاقة الذرية، وكتبوا "اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية". من هنا كان كل من يفكر في "التطفّل" والدخول إلى ناديهم النووي نظاماً إرهابياً مارقاً، وتزداد عقوبة هذا "المتطفل" حين يكون مسلماً، ولا فرق هنا بين مسلم شيعي وسني. ولهذا حين أفلتت باكستان من قبضة هذا النظام الراعي للإرهاب، حملت قنبلتها اسماً "طريفاً" هو "القنبلة النووية الإسلامية"، علماً أن هناك قنابل أخرى في حوزة بقية أعضاء النادي من أشكال وألوان عقائد أخرى، لكنها لا تحمل أسماءً مثل: القنبلة النووية المسيحية، أو الشيوعية، أو السيخية أو البوذية (وبالطبع هناك القنبلة النووية اليهودية أو على الأصح الصهيونية!). وحدها قنبلة باكستان لها سمة عقائدية، علماً أن الإسلام لا يحتاج لقنبلة نووية، فهو بحد ذاته أقوى من أي قنابل نووية، ويحمل في داخله قوة بناء (ولا أقول قوة تدمير) يستطيع بها حماية نفسه وحماية البشرية كلها من كل تلك الشرور التي تصنعها تلك العصابة المنضوية تحت "النظام الدولي الراعي للإرهاب العالمي، "فما بالك حين يتسلّح هذا الإسلام بقوة نووية فوق قوته؟".
رأينا تحرّكات وتظاهرات شعبية تجتاح كل الدول، تقول صراحة إنها "فهمت" القصة
كثير من نخب الإعلام والفكر والثقافة تعرف هذه الحقائق، ولكن جلهم يعملون في "بلاط" العصابة إياها، ويهرفون بما يعرفون ليل نهار بتحليلات وأدبيات تمنطق سلوك العصابة وتصرّفاتها، وتبرّر لها كل ما تقترفه من شرور وموبقات وآثام، وثمّة جحافل من مستهلكي تلك البضاعة الفاسدة التي ينتجها هؤلاء، يتفاعلون معها ويردّدون مع أولئك الخدم مصطلحات ومفاهيم وأخباراً ترفعهم مرّة إلى ذروة التفاؤل، وتهوي بهم مرّات إلى هاوية (أو هاويات!) بلا قيعان، يلعبون بهم وبحيواتهم ومصائرهم، ويتقاذفونهم كما تتقاذف أرجل لاعبي كرة القدم كرتهم. والحقيقة أن هؤلاء "الضحايا" هم من كل جنس ولون، فهم لا ينتمون إلى دينٍ أو جنسٍ معيّن، بل لا يهمّها تلك العصابة أن يكون ضحاياها يهوداً أو مسيحيين أو مسلمين أو لا دينيين، لكن للإنصاف يخصون المسلمين بحصة الأسد من الاستهداف، لكونهم ينتمون إلى دين "إرهابي" وفق تصنيفهم، خصوصاً إذا كان هؤلاء ممن يؤمنون بتفعيل فريضة "الجهاد"، حينها يصبحون "جهاديين" خطرين، يُخرَجون فوراً إلى فئة الإرهابيين الخطرين الواجب استئصالهم وسنّ القوانين اللازمة لتصنيفهم مجرمين وقتلة محتملين خارجين عن "القانون" الذي كتبه أعضاء عصابة "التحالف الدولي لرعاية الإرهاب" ومن يعمل في خدمتهم.
لحسن الحظ، إن تلك الأكاذيب والترّهات التي سوقتها تلك العصابة باعتبارها "قانوناً دولياً" و"أعرافاً دولية" باتت أعداد متزايدة من البشر تعي حقيقة الأمر، وشاع بين جماهير غفيرة منهم وعيٌ بكنه القصة. ولهذا رأينا تحرّكات وتظاهرات شعبية تجتاح كل الدول، تقول صراحة إنها "فهمت" القصة، وإن كل ما يجري في هذا العالم موجات ضخمة وإرث من الأكاذيب، ورأينا يهوداً مثلاً ينأون بأنفسهم عن الصهيونية المتوحشة، ومسيحيين يتبرأون من أنظمتهم الكافرة بكل قيم المسيح السمحة، فقد أدرك هؤلاء وأولئك أنهم مجرّد "أضرار جانبية" لحروب ومقاتل تلك العصابة المجرمة، وتلك هي بداية الخلاص والانعتاق من ربقة أولئك القتلة الدوليين وقبضتهم وهيمنتهم.
عدوان الكيان الصهيوني ومن معه على إيران وفلسطين قبلها وغيرها من البلاد والشعوب المستضعفة حلقة في سلسلة حروب تلك العصابة، التي بدا أنها باتت محاصرة بوعي جمعي أدرك سر اللعبة وبات أقرب من أي وقت مضى على استخلاص حقه من القتلة المجرمين من أعضاء "التحالف الدولي لرعاية الإرهاب".

Related News


