
بدأت لجنة خبراء استشارية عيّنها وزير الصحة الأميركي روبرت كينيدي جونيور المشكّك في جدوى اللقاحات بمراجعة سير عمليات التطعيم في الولايات المتحدة الأميركية، اليوم الأربعاء على أن تستمرّ غداً، وسط مخاوف عبّر عنها مراقبون من الخروج بنظريات لا أساس علمياً لها. واللجنة الاستشارية المعنيّة بعمليات التطعيم هي هيئة رئيسية تقدّم المشورة للمراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (سي دي سي) التي تُعَدّ وكالة الصحة الأساسية في البلاد.
وكان كينيدي جونيور، صديق الرئيس دونالد ترامب، قد أقال مطلع شهر يونيو/ حزيران الجاري جميع الخبراء الأعضاء في اللجنة الاستشارية، البالغ عددهم 14 خبيراً، بدعوى "تضارب المصالح". وبعد ذلك، أعلن تعيين ثمانية آخرين بدلاً منهم، من بينهم الخبير الأميركي روبرت مالون المعروف بنشر معلومات كاذبة في خلال جائحة كورونا. واليوم، يجتمع هؤلاء الخبراء المعيّنون حديثاً، للمرّة الأولى، وعلى جدول أعمالهم، من بين نقاط عديدة، اللقاحات التي تحتوي على المركّب العضوي "ثيومرسال"، علماً أنّه يُستخدَم بوصفه مادةً حافظةً في عدد من اللقاحات لمنع نموّ الميكروبات.
وكان مركّب ثيومرسال العضوي، هذه المادة الحافظة التي تحتوي على الزئبق، قد سُحب في عام 1999 بسبب مخاوف صحية، لكنّه ما زال موجوداً في عدد من اللقاحات المضادة للإنفلونزا. وعلى الرغم من عدم إثبات خطورته عند تناول جرعات منخفضة منه، فإنّه يُناقَش في اجتماع اليوم، من قبل الممرّضة لين ريدوود، وهي الرئيسة السابقة لمنظمة "تشلدرنز هيلث ديفنس" التي شارك في تأسيسها روبرت كينيدي جونيور. يُذكر أنّ ريدوود تعيد إصابة ابنها بالتوحّد إلى اللقاحات وهي صلة لم يتمكّن أحد من إثباتها.
وقال خبير اللقاحات في مستشفى الأطفال في فيلادلفيا بول أوفيت لوكالة فرانس برس إنّ "دراسات عديدة أثبتت أنّ مادة الإيثيل الزئبقي (الموجودة في ثيومرسال) في هذه اللقاحات لا تُعَدّ قط مساهمة في الكمية الكبيرة من الزئبق التي نتعرّض لها في خلال حياتنا". بدورها، تؤكّد المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها التي تُشرف على اجتماع لجنة الخبراء الاستشارية أنّ مادة ثيومرسال آمنة ولا تأثير لها على النموّ العصبي.
Today's Advisory Committee on Immunization Practices (ACIP) meeting will begin at 10:00 AM ET and can be viewed live at: https://t.co/KiPPDJe9vi
— CDC (@CDCgov) June 25, 2025
وعلى جدول أعمال اللجنة الاستشارية، التي تمتدّ على يومَين، اللقاحات المضادة للحصبة والنكاف والحصبة الألمانية وجدري الماء المخصّصة للأطفال. يُذكر أنّ الأهالي في الولايات المتحدة الأميركية يستطيعون الاختيار ما بين لقاح مركّب مضاد لتلك الأمراض الأربعة أو لقاحَين منفصلَين؛ واحد للأمراض الثلاثة الأولى وواحد مخصّص لجدري الماء.
وعلى الرغم من أنّ اللقاح المركّب المضاد للأمراض الأربعة لا يتطلّب جرعة إضافية، فهو قد يتسبّب بنوبات حمّى (ارتفاع حرارة جسم الطفل) بنسبة أكبر بقليل من احتمالات اللقاحَين المشار إليهما، مع العلم أنّ نوبة الحمّى من الآثار الجانبية النادرة وغير الضارة عموماً. ويتساءل خبراء عن جدوى مناقشة هذه المسألة، في هذَين اليومَين، خصوصاً أنّ ثمّة توصية بتزويد الأطفال الرضّع بجرعتَين منفصلتَين.
من جهة أخرى لا يبدو أنّ اللجنة الاستشارية التي عيّنها كينيدي جونيور ترغب في مراجعة إيجابيات اللقاحات المضادة للحصبة، التي جنّبت دخول الملايين إلى المستشفيات. يأتي ذلك في حين تشهد الولايات المتحدة الأميركية، التي كانت قد أعلنت القضاء على الحصبة في عام 2000، أسوأ تفشٍّ للمرض منذ عقود، مع تسجيل أكثر من 1200 إصابة وثلاث وفيات مؤكدة.
وفي هذا الإطار، قالت عالمة الأوبئة في مؤسسة مدينة نيويورك للصحة والمستشفيات سيرا مدد لوكالة فرانس برس إنّ المناقشات حول "اللقاحات الأساسية ضدّ الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية وجدري الماء يجب أن تستند إلى العلم، وليس الأيديولوجيا". من جهته، حذّر المتخصّص في الأمراض المعدية لدى جامعة "جونز هوبكنز" أميش أدالجا من أنّ "اللجنة سوف تصير منفذاً للدعاية المناهضة للقاحات".
وتبرز كذلك مخاوف من احتمالات أن تكون لتوصيات لجنة الخبراء الاستشارية تبعات سلبيّة بعيدة المدى، خصوصاً في ما يتعلّق بمتطلبات عمليات التطعيم في المدارس والتعويض الذي تقدّمه شركات التأمين الصحي.
تجدر الإشارة إلى أنّ كينيدي جونيور روّج لمعلومات كاذبة حول اللقاحات على مدى عقدَين من الزمن، بما في ذلك المزاعم، التي ثبت عدم صحّتها، والتي تدّعي أنّ اللقاح الثلاثي المضاد للحصبة والنكاف والحصبة الألمانية يسبّب مرض التوحّد. ومنذ تولّيه منصبه بعيد عودة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني الماضي، قلّص وزير الصحة الأميركي إمكانية الحصول على اللقاحات المضادة لكوفيد-19، فيما واصل إثارة الشكوك حول اللقاح الثلاثي المضاد للحصبة والنكاف والحصبة الألمانية.
وكان الوزير، ومن ورائه الحكومة الفدرالية في الولايات المتحدة الأميركية، قد أطلق في أواخر مارس/ آذار الماضي، "دراسة نقدية حول الروابط المحتملة بين مرض التوحّد واللقاحات"، وفقاً لمسؤولين صحيين اتحاديين حاليين وسابقين. وأشار هؤلاء، بحسب ما نقلت صحيفة واشنطن بوست الأميركية حينها، إلى أنّ إدارة ترامب لجأت إلى مشكّك في عمليات التطعيم، لطالما روّج لادعاءات كاذبة حول العلاقة بين مرض التوحّد واللقاحات، للقيام بهذه المهمّة. وهؤلاء المسؤولون، الذين تحدّثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم، "خوفاً من الانتقام"، أوضحوا أنّ وزارة الصحة والخدمات الإنسانية عيّنت ديفيد جيير لإجراء الدراسة، مع العلم أنّه كان مع والده مارك جيير قد نشرا أبحاثاً تزعم أنّ اللقاحات تزيد خطر الإصابة بمرض التوحّد، وهي نظرية دُحضت علمياً بعد دراسات استمرّت لعقود. ولفتت الصحيفة الأميركية، في سياق متصل، إلى أنّ الجهات التنظيمية في ولاية ماريلاند الأميركية كانت قد فرضت عقوبات تأديبية على ديفيد جيير منذ أكثر من عقد من الزمن لممارسته الطبّ من دون ترخيص. يُذكر أنّ جيير مُدرَج بصفة محلّل بيانات في دليل موظفي وزارة الصحة والخدمات الإنسانية.
(فرانس برس، العربي الجديد)

Related News


