
مع تصاعد وتيرة الحرب بين إيران وإسرائيل ودخولها الأسبوع الثاني، يتخوف قادة وزعماء الفصائل في العراق من الاستهداف المباشرة لهم عبر الغارات الإسرائيلية على غرار عمليات استهدفت قيادات إيرانية وازنة خلال الأيام الأخيرة، ما دفع الكثير منهم إلى إجراء سلسلة تغييرات أمنية واسعة، طاولت مقرات سكنهم وإلغاء أنشطة وفعاليات أسبوعية لهم.
وتتضمن الإجراءات الجديدة، وفقاً لما كشفته مصادر قريبة من الفصائل العراقية، اليوم الاثنين، احتياطات أمنية، شملت نقل مقرّات سكنهم التي كانت معروفة إلى حد ما سابقاً، وتغيير أرقام هواتفهم هم ومرافقوهم الدائمون، واستبدال مقرّات ومكاتب عملهم. وقال نائب في البرلمان العراقي مقرّب من أحد تلك الفصائل، لـ"العربي الجديد"، إنّ جميع قادة الفصائل موجودون في العراق ولا صحة لمغادرتهم، لكنهم وتحسباً لأي استهداف أجروا تعديلات أمنية واسعة.
وأكد أنّ "الاحتياطات الأمنية جاءت بعد شعورهم بالتهديد الحقيقي الذي يستهدف حياتهم بصورة مباشرة، وخصوصاً أنّ بعضهم كان قد تحدّث في الأيام الماضية عن احتمالات مساندة إيران في حربها مع الكيان الإسرائيلي في حال تدخل الأميركيين فيها، وبعد تحقق شرطهم في الدخول، فقد باتوا أمام لحظة تاريخية من تحقيق وعدهم، ما يعني أن احتمالات استهدافهم بغارات إسرائيلية أو أميركية باتت أقرب"، وفقاً لقوله.
وأوضح ناشط سياسي آخر مقرّب من جماعة "كتائب سيد الشهداء"، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الشعور العام في الوسطين السياسي والفصائلي أنّ العراق مرشح على قائمة العدوان الصهيوني بعد الانتهاء من استهداف إيران"، مضيفاً: "لذا، فإنّ قادة الفصائل، خاصة تلك التي تبنّت سابقاً تنفيذ عمليات ضد الاحتلال بعد طوفان الأقصى، بات من الصعب الوصول إليهم وغيّروا مقرّاتهم وكل وسائل اتصالهم".
ولفت إلى أنّ "أكثر ما يخشاه قادة الفصائل العراقية والمسؤولون المهمون فيها هو أجهزة الاتصال التي يشعرون بأنها قد تكون اللعنة التي قد تحلّ بهم، وخصوصاً أنهم يخشون من اختراقها أو من أن تكون مخترقة بالأساس، وبالتالي يتم تحديد مواقعهم بصورة دقيقة أو شبه دقيقة. لذلك، فقد وجه معظم زعماء الفصائل بترك الهواتف الذكية، وألا يتم التعامل بها تحسباً لأي مشكلة قد تحدث. وجرى في أحد الاجتماعات التي جمعت ثلاثة من قادة الفصائل التحذير الشديد من الوشاية التي قد تكون من مقربين أو بيع سياسي قد يحدث، ولا سيما أن الأوضاع السياسية غير مستقرة".
والأسبوع الماضي، هدّدت فصائل عراقية مسلحة حليفة لإيران من أنها ستتدخل عسكرياً في حال دخول واشنطن بالحرب التي تخوضها إسرائيل ضد طهران. وأبرز تلك الفصائل العراقية التي هددت، وفقاً لبيانات رسمية منها أو مواقف صدرت عن قيادات بارزة فيها، هي "كتائب حزب الله"، و"عصائب أهل الحق"، و"كتائب سيد الشهداء"، و"حركة أنصار الله الأوفياء"، و"كتائب الإمام علي"، و"حركة النجباء".
وحذّر الناطق باسم جماعة "عصائب أهل الحق" جواد الطليباوي من أنهم سيدخلون على خط المواجهة الحالية في حال تدخلت واشنطن. وقال الطليباوي، في بيان: "نحذر الإدارة الأميركية من تبعات أي مشاركة عسكرية إلى جانب حليفها الإسرائيلي في استهداف إيران"، مضيفاً أن "الحقائق قد انجلت ولم يعد هناك مجال للتراجع". وأضاف: "نجدد إعلان البيعة والعهد الثابت لنائب الإمام المهدي أرواحنا فداه ولي أمر المسلمين (المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي) وقائد المقاومة ضد الاستكبار العالمي، نقدّم أرواحنا دفاعاً عن الإسلام وأهله ضد المعتدين الصهاينة".
في المقابل، هددت "كتائب حزب الله" في العراق باستهداف المصالح والقواعد الأميركية المنتشرة في المنطقة في حال تدخلت واشنطن عسكرياً في الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل، وفقاً لبيان أصدرته الجماعة. كما أصدر المتحدث باسم "كتائب سيد الشهداء"، الشيخ كاظم الفرطوسي، بياناً أكد فيه أنّ "العدوان الإسرائيلي ليس موجهاً ضد إيران وحدها، بل يمتد ليشمل المنطقة بأكملها، وبالتالي فإنّ العراق لن يكون في مأمن إذا استمرت وتيرة التصعيد بهذا الشكل"، مهدداً بالتحرّك في حال تم استخدام القوات الأميركية في العراق منطلقاً للهجمات على إيران.
وجاءت تهديدات الفصائل الحليفة لإيران في ظل حالة ترقب وتخوف في العراق من إمكانية جرّ البلاد إلى دائرة الحرب، لا سيما أنّ الطيران الإسرائيلي يخترق بشكل يومي الأجواء العراقية، ولا توجد ضمانات حقيقية تؤكد أنّ الفصائل الموالية لإيران ستواصل سياسة النأي بالنفس مهما حدث من تطورات ميدانية، خصوصاً مع تسرّب معلومات تفيد بأنّ ضغوطاً تُمارس على الفصائل من قواعد جماهيرية متحمسة لمساندة إيران عبر ضرب الأميركيين في العراق، أو توجيه ضربات للأراضي الفلسطينية المحتلة.
من جانبه، أشار الخبير الأمني سرمد البياتي إلى أنّ "المخاوف الأمنية حاضرة وبشدة في بغداد، ولا سيما أنّ الكيان الإسرائيلي لم يعد يحترم ولا يلتزم بأي حدود عسكرية أو حربية، فهو يعمل على جبهات متعددة، وأن جبهة العراق ليست ببعيدة عن ذهنية إدارة الكيان التي تتعامل بإجرام في مواجهة خصومها"، مبيناً في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "الفصائل العراقية لديها ظروفها، وقد أكدت في أكثر من مناسبة أنها تختار ما يهدف لمصلحة العراق، بالتالي فإن التوقع بأنها ستشترك أو لا قد تحدده التطورات القادمة، وبالنسبة للتحديات الأمنية التي توجه زعماء الفصائل، فهي ليست جديدة على أي حال، إذ إنهم مهددون دائماً بالاستهداف، وأغلبيتهم تعلموا ألا يكونوا أهدافاً سهلة".
ويتابع العراق بحذر التطورات الأمنية المتصاعدة مع تواصل الحرب الإسرائيلية الإيرانية والتبادل الكثيف للهجمات، فيما تسعى الحكومة للحفاظ على الحياد ومنع اتساع نطاق الحرب التي يبدو أنّ الفصائل الموالية لطهران قد تشارك فيها، لا سيما مع استمرار الجيش الإسرائيلي بضرب منشآت مهمة وحيوية في المدن الإيرانية. وقال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، في بيان عممه مكتبه، إنّ "الكيان الصهيوني يسعى إلى توسيع رقعة الحرب بالمنطقة من أجل رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط"، ما يؤكد وجود مخاوف من اتساع دائرة الحرب الحالية لتشمل الأراضي العراقية.
ودعت الحكومة العراقية إلى اتخاذ خطوات رادعة لإيقاف الاعتداء، مطالبة مجلس الأمن الدولي بـ"الانعقاد الفوري واتخاذ إجراءات حاسمة وملموسة لردع هذا العدوان، وضمان عدم تكراره، واستعادة هيبة النظام القانوني الدولي"، وأكدت التزامها الثابت بمبادئ السيادة وعدم استخدام القوة وتسوية النزاعات عبر الوسائل السلمية. من جهتها، أعلنت سلطة الطيران المدني إيقاف حركة الطيران في المطارات العراقية، وباشرت بإخلاء الأجواء من الطائرات المقبلة والمغادرة والعابرة إلى إشعار آخر.
