ديفيد كروننبرغ (2/ 2): "هناك دائما صراع بين النظام الاجتماعي والفرد"
Arab
3 hours ago
share

 

(*) في إطار التكريم، عُرض "الذبابة" (1986) و"وعود شرقية" (2007) و"خرائط النجوم" (2014). ما يجب أنْ يتوقّعه من لم يُشاهد أفلامك من قبل؟

أعتقد أنّهم سيفاجأون، لأنّ هذه الأفلام مختلفة تماماً. اعتقد أناسٌ أنّ "خرائط النجوم" تعبيرٌ عن كراهيتي لهوليوود، لأنّه فيلم هوليوودي في العمق. في الواقع، إنّه تعبير عن كراهية كاتبه بروس فاغنر لهوليوود. إنّه صديق عزيز لي، وروائي بارع للغاية. الفيلم لا يعبّر عن كراهية صرفة، بل عن علاقة حب ـ كراهية، أعتقد أنّ معظم الأشخاص الذين يتعاملون مع هوليوود يمرّون بها. "الذبابة" مختلف تماماً.

هذه الأفلام الثلاثة تُشكّل نموذجاً جيداً لأفلامي.

 

(*) "إلى أي مدى أنت مستعدّ للذهاب في القتامة؟". هذا يطرحه في البداية كارش، بطل "الأكفان". كونك مخرجاً، هل تطرح على نفسك هذا السؤال: إلى أي مدى أنت مستعد للذهاب في السوداوية؟ أهناك خط أحمر يجب ألا تتجاوزه؟

هذه مسألة فلسفية وعاطفية. لا أشعر بحاجة إلى الذهاب بعيداً، سينمائياً، لمجرد صدم الناس، أو لأكون أكثر صدامية من شخص آخر. في الواقع، لا أعتبر أفلامي صادمة. لذا، أشكّ بنفسي دائماً. هناك ظلام محتمل كثير في الشرط الإنساني. الأمر جليّ. إذا نظرت إلى الإنترنت، ترى سوداوية كثيرة. ترى أشياء رائعة وأخرى فظيعة. أعتقد أنّ كلّ فنان يضع نصب عينيه موضوع الحالة البشرية، أو ما شعور أنْ تكون حيّاً بصفتك إنساناً على هذا الكوكب اليوم. أعتقد أنّك إذا فكّرت في الخطوط الحمراء، وقلقت بشأن الحواجز الثقافية والقيود والرقابة وما إلى ذلك، فلن تتمكّن من رؤية شيء.

لا أضع أي خطوط حمراء، أو أي نوع من الرقابة الذاتية. يجب أن أرى الأشياء كما هي في الواقع، ما دامت نياتي صادقة. لم أفعل ذلك لإثارة رعب أو إحداث صدمة. أعتقد أنّه مشروعٌ أنْ أذهب إلى أقصى حدود رؤيتي وخيالي.

 

(*) تبدو أفلامك مثيرة جداً للاهتمام بتساؤلها عن طريقة عمل الدماغ. أعني: سطوة الخوف والبارانويا في "المسّاحون" (1981)، و"ديد رينجرز" (1988)، واضطرابات الوظيفة والهوية في "عنكبوت" (2002)، أو نظريات يونغ وفرويد في "طريقة خطرة" (2011). هل تمضي وقتاً في التفكير بطريقة عملك، بقدر ما تمضيه في التفكير بطريقة عمل العالم؟

هناك فهمٌ علمي حقيقي في ذلك، لا مسألة غطرسة. الدماغ البشري أكثر الهياكل تعقيداً في الكون. الكون كبير جداً، لكنّه ليس مُعقداً غالباً. الدماغ البشري استثنائي للغاية. لذا، كما أقول في "جرائم المستقبل"، الجسد هو الواقع. والجسد يعني الدماغ، أولاً وقبل كل شيء. هذا ليس هوساً بالدماغ، في نهاية المطاف.

 

(*) هل هوائي الخلق لديك موجّه نحو الداخل، إذا صحّ التعبير؟

نعم، طبعاً. نبدأ أولاً بأنفسنا، وكل ما يفعله الفنان يرشح من تجربته في الحياة وثقافته، ومن كيفية تفاعل البشر بعضهم مع بعض. لذا، أعتبر أنّ أفلامي كلّها، لا "الأكفان" فقط، سيرة ذاتية، بشكلٍ ما. حتى "طريقة خطرة" سيرة ذاتية، فأنا مفتون بفرويد. لا يتعلّق الأمر بما إذا كان فرويد مُحقّاً في كل شيء، لكنه مثير للاهتمام، ولديه أفكار لم تخطر على بال شخص آخر في عصره. طبعاً، هذا يجسّد عقله. فالعقل يتشكّل أيضاً بثقافتك. لذا، الأمر ليس مُجرّداً. إنّه مكان حقيقي في زمن حقيقي.

 

 

(*) تحدثت مؤخّراً عن حياتك المهنية ودراستك، وكيف بدأت بدراسة العلوم، وأنّك قلت في نفسك بمرحلة معينة: "بدلاً من دراسة العلوم، سأستخدمها، وربما أبتكر أفلاماً بواسطة العلوم". كيف تجمع بين هذين الشغفين؟

في وقت ما، فكّرت أنّي سأصبح عالِماً يكتب الروايات في الوقت نفسه. قدوتي إسحق عظيموف، كاتب الخيال العلمي. إنّه أيضاً عالِمٌ حقيقي أجرى أبحاثاً ووضع دراسات علمية جادة. اعتقدت أنّي ربما أستطيع فعل ذلك أيضاً. في سنتي الأولى بجامعة تورنتو، درست الكيمياء العضوية. لكنّي أدركت أنّ جميع الأشخاص في فصلي كانوا كائناتٍ فضائيةً بنظري. لم أكن أفهمهم. اقتنعت أنّي لا أنتمي إليهم. لكنّي كنت لا أزال مفتوناً بالعلوم ومشروعها، وفهم العالم المادي بأي طريقة كانت. كونك عالِماً، عليك التحلّي بصبر كثير عند إجرائك أبحاثاً. هذا يقتضي منك الانتظار سنوات وسنوات للحصول على نتيجة ضئيلة جداً. ثم تحقّق إنجازاً أو لا تحقّقه. خمّنت أنّي لا أملك الصبر لفعل هذا. لذا، سأجمع بين فكرتي عن الكتابة والعلوم وتكنولوجيا الأفلام، وسأبتكر علمي الخاص. بذلك، أكون متحكّماً به. هذا أكثر إثارة بالنسبة إليّ. هذا ما حدث، باختصار.

 

(*) هل سيكون صعباً التفكير في أحد إبداعاتك الأعَقْد، وربما الأصعب، في التصوّر والإنجاز؟ أيمكنك التفكير في أحد أفلامك؟

صناعة الأفلام صعبة للغاية، لأنّ فيها تكنولوجيا ومالاً وممثلين ربما يكونون صِعَاب المراس، أو العكس. الأمر نفسه ينسحب على أعضاء الفريق التقني. بصفتي مخرجاً، تعتمد مهمّتي على تكامل كل هذه العناصر. لا يمكن التحكّم بكلّ شيء. لذا، أطلق العنان لذاك المخلوق فيّ، الذي يمكن أنْ ينقلب عليّ ويقودني إلى الجنون.

لكل فيلم مغامرته الخاصة، وتعقيداته. لا أستطيع القول إنّ أحد الأفلام أصعب من الآخر. يمكنني القول إنّ "عنكبوت"، مع رالف فينيس، كان على وشك الانهيار في مرحلة معيّنة. كنت أصوّر في إنكلترا. ذات يوم، قال لي مدير الإنتاج: "سأرسلك إلى تورونتو، لأنّنا لا نملك المال الكافي لإنتاج هذا الفيلم". كنا جميعاً متحمسين جداً، الممثلون والمنتجون وأنا. لذا، قرّرنا ألا نأخذ مالاً مقابل العمل عليه. رالف وميراندا ريتشاردسون ولين ريدغريف، جميعهم قالوا: "حسناً، سنقوم بهذا الفيلم من دون أجر، وبالتالي يكون لديك ما يكفي من المال لتصويره كما تريد". هذا حَدث. كنت مُفلساً تماماً بعد ذلك. هذا المثال الأكثر تطرّفاً لنوع من التعقيد كان يمكنه تدمير الفيلم.

 

(*) لدي شعور بأنّ الوجه المعاكس لكلّ التساؤلات عن حرية الإرادة، التي تظهرها في أفلامك، يشير إلى أنّ النمو الشخصي، أو التحوّل في الفرد، يُهدّد النظام الاجتماعي. هل أنا صائبٌ بهذا؟

أعتقد أنّ... (يتردّد). جورج برنارد شو، الكاتب المسرحي الشهير، قال إنّ الصراع جوهر الدراما. إذا لم يكن هناك صراع، فلن تكون هناك دراما. ربما لا تريد الصراع في حياتك، لكنّك محتاج إليه في فنّك. لذا، مُهتمّ بالشخصيات التي حتى حين تتكيّف مع النظام الاجتماعي، ككارش، رجل الأعمال الذي يملك شركة، يفعل ما يثير حوادث غير متوقّعة، وبالتالي ربما لا يكون مقبولاً اجتماعياً. هذه طريقته في مقاومة الظلام. هناك دائماً صراع بين النظام الاجتماعي والفرد. المسألة تتعلّق بتوازن وديناميكية، أنت بحاجة إليهما، وإلى النظام الاجتماعي. أنت بحاجة أيضاً إلى أفراد يقاومونه.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows