اجتماع برلين حول ليبيا: دعم للخيارات الأممية وتجاهل للانقسام الحكومي
Arab
3 hours ago
share

اختتمت اللجنة الدولية المعنية بليبيا اجتماعها في برلين، الذي رعته بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا يوم الجمعة الماضي، دون أن يخرج بقرارات حاسمة أو إجراءات مباشرة لدفع العملية السياسية المتعثّرة في البلاد، إذ جاء البيان الختامي للاجتماع محدوداً مقتصراً في جوهره على إعلان دعم المجتمعين الدوليين للخطة الأممية القائمة على أربعة خيارات سياسية سبق أن أعلنتها اللجنة الاستشارية المنبثقة عن مبادرة البعثة.

وترأس الاجتماع رئيسة البعثة الأممية لدى ليبيا هانا تيته، والسفير الألماني لدى ليبيا كريستيان باك، بمشاركة ممثلي وسفراء حكومات ودول عديدة شملت أنجولا، بصفتها الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، والجزائر، والصين، ومصر، وفرنسا، وإيطاليا، وليبيا، والمغرب، وهولندا، وقطر، وروسيا، والسعودية، وإسبانيا، وسويسرا، وتونس، وتركيا، والإمارات، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، بالإضافة إلى الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة نفسها.

وفي بيانهم الختامي، أكد المجتمعون دعمَهم لخيارات اللجنة الاستشارية الأربعة أساساً لعملية سياسية ليبية تُيسّرها الأمم المتحدة لحل أزمة البلاد، مشيدين بإشراك البعثة طيفاً مجتمعياً وسياسياً واسعاً في مناقشة هذه الخيارات سعياً لمخرجات قابلة للتنفيذ، وشدّد المجتمعون على ضرورة امتناع جميع الأطراف الليبية عن اتخاذ إجراءات أحادية تعمق الانقسامات، ملوحين بإمكانية محاسبة من يعرقل العملية السياسية، بما في ذلك عبر قرارات مجلس الأمن ذات الصلة. ورغم إشادة المجتمعين باستمرار اتفاق وقف إطلاق النار التاريخي لعام 2020، إلّا أنهم انتقدوا عدم تنفيذه بالكامل ما أثر على عدم المضي في العملية السياسية، ما يهدّد استقرار ليبيا ووحدتها جراء أزمة شرعية المؤسّسات وهياكل الحوكمة المجزأة والتدهور الاقتصادي والمالي السريع.

وأشاد البيان بجهود المجلس الرئاسي الليبي في تعزيز هدنة طرابلس المتفق عليها منتصف الشهر الماضي، داعياً إلى تعزيزها لمنع انزلاق العاصمة إلى فوضى جديدة. وتنحصر الخيارات الأربعة التي أعلنتها اللجنة الاستشارية (شكلتها البعثة من 20 خبيراً قانونياً في مايو/أيار الماضي ضمن مبادرتها للحل السياسي) في:

  • إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية معاً في أقرب وقت
  • أو إجراء الانتخابات البرلمانية أولاً يليها اعتماد دستور دائم
  • أو اعتماد الدستور الدائم أولاً قبل أي انتخابات
  • أو تشكيل مجلس تأسيسي يشرف على إعداد القوانين الانتخابية مع حل جميع المؤسّسات السياسية القائمة.

ولم تقدم البعثة الأممية أو البيان الختامي أي تفاصيل إضافية حول مواقف الدول المشاركة فيما يخصّ الخطوات العملية المقبلة لتفعيل هذه الخيارات، ولا الآلية المتوقعة لاختيار الليبيين لأحدها أساساً لخارطة الطريق السياسية الجديدة، كما لم يصدر حتى اللحظة أي رد فعل أو موقف من القادة الأساسيين في ليبيا، سواء في غربها ممثلين بحكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للدولة في طرابلس، أو في شرقها ممثلين بمجلس النواب وقيادة خليفة حفتر وحكومة مجلس النواب في بنغازي.

ويزيد الصمت الليبي من غموض مصير الخطوات اللاحقة بشأن العمل على اختيار أي من الخيارات الأربعة، خاصة في ظل تجاهل بيان برلين الختامي لقضية جوهرية أعلنت البعثة الأممية نفسها مطلع الأسبوع الماضي أن لجنتها الاستشارية انتهت من دراستها، وهي أزمة الانقسام الحكومي الحاد بين حكومتَي طرابلس وبنغازي، إذ خلصت اللجنة الاستشارية إلى دعم تصور إنشاء حكومة موحدة جديدة بصلاحيات محددة حلاً لهذا الانقسام، إلّا أن اجتماع برلين الدولي لم يتطرق لهذه المسألة الحيوية، رغم أن الخطة الأممية تشترط إقامة حكومة وطنية موحدة وشرعية خطوةً أساسيةً قبل الشروع في تنفيذ أي من الخيارات الأربعة المطروحة.

وتشكلت اللجنة الدولية في أعقاب مؤتمر برلين الأول الذي عُقد بدعوة ألمانية في يناير/كانون الثاني 2020، ونجحت تفاهماته آنذاك في تمهيد الطريق للحوار السياسي الليبي، ما أدى إلى تشكيل لجنة 5+5 العسكرية المشتركة بعد فشل هجوم اللواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس، وتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر/تشرين الأول 2020، وتشكيل سلطة تنفيذية موحدة ممثلة في المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة مطلع عام 2021. وعقد مؤتمر برلين الثاني في يونيو/ حزيران 2021 لدفع المسار السياسي بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية نهاية ذلك العام، إلّا أن هذا المسار اصطدم بخلافات ليبية عميقة حول الإطار الدستوري والقانوني للانتخابات، ما أدى إلى تأجيلها وإعادة البلاد إلى حالة الجمود السياسي والانقسام المؤسّسي الذي تعانيه اليوم.

ويرى الباحث الليبي في الشأن السياسي عيسى همومه، خلال حديث مع "العربي الجديد"، أن "نتائج اجتماع برلين جاءت ضعيفة ولا ترتقي لمستوى خطورة الأزمة الليبية"، مشيراً إلى أن كل ما جرى هو "دعم دولي لخيارات البعثة الأربعة" دون إضافات جوهرية. ويشكّك همومه في التزام الدول نفسها بقراراتها، مستذكراً عدم التزامها بقرارات برلين 1 وبرلين 2، خاصة فيما يتعلق بحظر تصدير السلاح الذي انتهكته دول مثل روسيا بدعمها لمعسكر لحفتر، وتركيا بدعمها لمعسكر غرب ليبيا، ما عزز من وجود القوات الأجنبية بدلاً من العمل على انسحابها كما جرى الاتفاق عليه في برلين الثاني.

ويرى همومه أن الوضع الليبي الحالي أكثر خطورة من وضع البلاد بالتزامن مع مؤتمري برلين 1 و2، لافتاً إلى أنّ التوتر الإقليمي ارتفعت مؤشراته، آخرها على الحدود مع السودان وانخراط طرف حفتر فيه، كما أن "الانقسام بين الأطراف الليبية زادت حدته ولم يعد هناك طرف محايد، ما يجعل الخيارات الأربعة هي والعدم سواء".

ويلفت همومه إلى انخفاض مستوى التمثيل الدبلوماسي في المؤتمر من خلال السفراء وليس الشخصيات الوزارية، ويعتبر ذلك "دليلاً على تراجع أولوية الملف الليبي لدى الدول في ظل اشتعال جبهات أخرى". وفي توضيح أكثر، يقول همومه إن الاجتماع جاء في سياق "تأجيل دولي للملف الليبي ليؤسس لمرحلة سياسية هشة جديدة تدار من المجتمع الدولي إلى حين في انتظار الحسم في ملفات إقليمية ودولية أخرى يقع الملف الليبي في جزء منها".

من جهة أخرى، يرى أستاذ العلاقات الدولية رمضان النفاتي غير ذلك، فاجتماع برلين، بحسب رأيه، يعكس "إدراكاً دولياً لخطورة المرحلة التي تمر بها ليبيا نحو الانقسام الحقيقي، إذ إنّ الحكومة في طرابلس اتجهت للتصعيد العسكري العنيف ضد خصومها في طرابلس، والحكومة في بنغازي باتت تعمل بمعزل يتجه إلى استقلالها عن طرابلس كواجهة سياسية لحفتر الذي يتحصّل من خلالها على الأموال لتعزيز نفوذه تحت مظلة مشاريع الإعمار والبناء".

ويشير النفاتي، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى البعثة تهدف من خلال اجتماع برلين لتمهيد الطريق للحصول على قرار دولي في مجلس الأمن يدعم خطة الأمم المتحدة و"يشرعنها"، لافتاً إلى أن تلويح المشاركين في الاجتماع بمحاسبة المعرقلين يُعد تهديداً ضمنياً لأي طرف ليبي، خاصة القادة الأساسيين الذين استُبعدوا من صياغة الخيارات الأربعة. ويعتبر النفاتي أن الوضع الحالي ملائم لتمرير الخطة الأممية بسبب ضعف وتمزق المؤسّسات الليبية في الغرب والشرق على حد سواء، سواء خلافات داخل المجلس الأعلى للدولة الداخلية، أو الخلافات بين المجلس الرئاسي في طرابلس، وكذلك خلافات مجلس النواب الداخلية أيضاً وتباعده عن حفتر. ويرى أن ضعف الإرادة المحلية للتوصل لحل توافقي، فرصة لتمرير خطوة دولية من خلال خطة البعثة الأممية لتغيير سياسي يمكن أطرافاً دولية من إعادة الهدوء السياسي النسبي للبلاد.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows