ما حدث منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 إلى اليوم من تطورات وأحداث ليس مجرّد صمود للمقاومة في وجه الاحتلال ورد إيراني على اعتداءات تل أبيب، بل عرّى زيف كثير من الأساطير والسرديات الإسرائيلية. بدءًا من أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، إلى إنهاء سردية خطاب المظلومية ومعاداة السامية، مرورًا بفزّاعة إيران، ووصولاً إلى تطبيع بلا ثمن... سقطت أوراق كثيرة دفعة واحدة.
تفكّك سردية "الجيش الذي لا يُقهر"
روّجت إسرائيل أن جيشها لا يُقهر، وأن قدراتها العسكرية عصيّة على الكسر، وأن أي تهديد لها مجرّد وهم لا يمكن أن يتحقق. لكن طوفان الأقصى والضربات الإيرانية واليمنية أسقطت هذا الوهم بشكل دراماتيكي، وكشفت زيف هذه السردية التي حاولت أن تُرهب من خلالها العرب والمقاومة وتفرض سيطرتها على الشرق الأوسط.
ففي السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 اخترقت المقاومة الحدود وسيطرت على قواعد عسكرية ومستوطنات، وظهر الجيش الإسرائيلي مرتبكًا وعاجزًا عن استيعاب الضربة، وفشل في تهجير الفلسطينيين وتحرير الأسرى والقضاء على المقاومة، مما حوّل هذه الأسطورة إلى مادة للسخرية.
كما زكّت الضربات الإيرانية الدقيقة والمتكررة ضد أهداف إسرائيلية دقيقة سقوط هذه السردية بشكل قاطع، وكشفت هشاشة إسرائيل. ففشل المنظومات الدفاعية الإسرائيلية في التصدّي للصواريخ الإيرانية المتطورة كشف زيف الادعاءات التي روّجت لها إسرائيل عن قوتها العسكرية وهشاشة دفاعاتها، وبيّنت أن قدراتها ليست كما يصوّرها الاحتلال.
فشل المنظومات الدفاعية الإسرائيلية في التصدّي للصواريخ الإيرانية المتطورة كشف زيف ادعاءات القوة العسكرية الإسرائيلية، وبيّن أن قدراتها ليست كما يصوّرها الاحتلال، مُحطّماً أسطورة الجيش الذي لا يُقهر
سقوط فزّاعة "الخطر الإيراني والصراع السني-الشيعي"
استخدمت واشنطن وتل أبيب "الخطر الإيراني" كأداة سياسية لإخافة العرب ودفعهم نحو التحالف مع إسرائيل، بحجة أنها هي السد المنيع في وجه طهران، لكن تجري رياح المقاومة بما لا تشتهيه سفن الاحتلال، لتُسقط ورقة الخطر الإيراني من خلال وقوف العرب إلى جانب طهران وحقّها في الدفاع عن سيادتها. فقد عبّرت دول عربية عن دعمها لإيران في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية وحقّها في الدفاع عن نفسها. هذه المواقف تُبرز وجود تحالف عربي-إيراني غير معلن يرفض الهيمنة الإسرائيلية ويطالب بوقف التصعيد، وينهي فزّاعة إيران في المنطقة.
كما أعلنت جماعة الإخوان المسلمين، كأكبر تنظيم سني عالمي، دعمها المطلق لإيران في مواجهة إسرائيل، وقالت بوضوح في رسالة رسمية وجّهها القائم بأعمال المرشد العام، الدكتور صلاح عبد الحق، إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، علي خامنئي: "إننا أمة واحدة، بالمعنى الديني والروحي والحضاري والجيوسياسي على حد سواء. فنيران الاحتلال وداعميه لا تفرّق بين أعراقنا ولا بين مذاهبنا"، وبذلك أسقطت أخطر سردية تم زرعها في الوعي الإسلامي والعربي الحديث، وهي أن إيران "عدو للسنة"، وأن الصراع طائفي بطبيعته. فقد أثبتت المواقف أن العدو هو من يحتل ويقتل ويحاصر، لا من يختلف في المذهب.
نهاية خطاب "المظلومية الإسرائيلية"
بنت إسرائيل صورتها على أنها الضحية الدائمة في وسط عالم معاد، واستغلّت الهولوكوست وخطاب معاداة السامية لتبرير سياساتها العسكرية وإجرامها في حق الشعوب العربية، مدعومة من أميركا والغرب. لكن "طوفان الأقصى" واعتداءها على إيران قلب الموازين، وأظهر للرأي العالمي أن إسرائيل كيان عنصري همجي لا يعرف إلا الإبادة والتقتيل، وقوة احتلال ترتكب جرائم يومية في فلسطين وغيرها من الأراضي العربية المحتلة.
وما زاد من هشاشة الخطاب الإسرائيلي هو تدمير المدارس والمستشفيات وقصف المدنيين والحصار وسياسة التجويع والاغتيالات التي طاولت قادة إيران، ما جعل الرأي العام العالمي يغيّر من مواقفه تجاه الاحتلال.
تحطّم وهم التطبيع
راهنت إسرائيل، مدعومة من حاضنتها الأولى الولايات المتحدة، على أن التطبيع مع الأنظمة العربية سيصفّي القضية الفلسطينية وينهيها إلى الأبد. لكن ما حصل هو العكس، فقد أعاد طوفان الأقصى فلسطين إلى صدارة المشهد، وخرجت مظاهرات في العواصم العربية تضامنًا مع غزة ورفضًا للتطبيع، وأثبتت الشعوب العربية أن الارتباط العاطفي والديني والسياسي بفلسطين لم ينكسر.
ومع اندلاع طوفان الأقصى واعتداء إسرائيل على إيران ودول المنطقة، عادت الأصوات الشعبية والرسمية في عدة دول عربية لتؤكّد أن العلاقة مع كيان احتلال يمارس القتل والحصار ليست طبيعية، ولا يمكن فرضها بالإكراه أو المصالح. هذا التراجع الواضح فضح زيف الرواية الإسرائيلية بأن التطبيع جلب لها القبول، وأثبت أن الرفض الشعبي العربي ما زال حيًا وفاعلاً.
ما كشفه طوفان الأقصى والرد الإيراني على الاعتداءات الإسرائيلية يتجاوز الإنجاز العسكري ليبلغ عمقًا سياسيًا وأخلاقيًا غير مسبوق. فقد أعاد توجيه البوصلة، وأطاح بسرديات واهية روّجتها إسرائيل لسنوات طوال.
Related News
