
توقع بنك قطر الوطني "QNB" أن يظل الاقتصاد الصيني صامداً أمام الصدمات التجارية العالمية، مشيراً إلى أن آفاق نموه هذا العام لا تزال قوية نسبياً رغم استمرار التوترات التجارية. وأرجع البنك هذا الصمود، في تقريره الأسبوعي، إلى الانخفاض الهيكلي في الاعتماد على الصادرات الموجهة نحو الولايات المتحدة، وعدم فعالية التعرفات الجمركية في بيئة سلسلة التوريد العالمية، والميزة التنافسية المتأتية من ضعف سعر صرف اليوان، وهي عوامل مجتمعة تؤدي إلى تخفيف الصدمات الخارجية الكبيرة للاقتصاد الصيني.
وأشار التقرير، اليوم السبت، إلى أن الاقتصاد الصيني بدأ العام على وقع إيجابي، على خلفية تحسن معنويات القطاع الخاص نتيجة مزيج من السياسات الاقتصادية الداعمة، والتفاؤل تجاه قدرات البلاد في مجال الذكاء الاصطناعي، واستقرار نشاط التصنيع حيث جاء ذلك بعد سنوات من تراجع إقبال المستثمرين وتقلب معدلات النمو، بسبب الأزمات العقارية، والقيود التنظيمية، ومحدودية التحفيز الحكومي، والصدمة الناتجة عن إجراءات الإغلاق الصارمة خلال جائحة كورونا.
وقد أسهمت هذه التوقعات والتحولات الإيجابية في تعزيز النشاط الاقتصادي وزيادة توقعات النمو المستمرة منذ سبتمبر/أيلول 2024، إلا أن آفاق الاقتصاد العالمي تغيرت فجأة في فبرايرالماضي، إثر إعلان الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس الأميركي دونالد ترامب زيادة كبيرة في التعرفات الجمركية على الواردات، مستهدفة بشكل خاص الصين برسوم جمركية بلغت 140% مع تقليل كبير للإعفاءات، وبعد انطلاق المفاوضات الثنائية، تم خفض هذه التعرفات إلى 40%، لكنها لا تزال مرتفعة نسبياً.
ورغم هذه الصدمة الكبيرة، أشار التقرير إلى ثلاثة عوامل رئيسية تدعم النظرة التفاؤلية لقدرة الصين على مواجهة السياسات الأميركية، يأتي في مقدمتها:
تراجع أهمية السوق الأميركي
أوضح التقرير أن التأثير الكلي للتعرفات الأميركية على نمو الاقتصاد الصيني محدود، ويرجع ذلك إلى انخفاض الاعتماد على السوق الأميركية وجهةَ تصدير رئيسية، بالإضافة إلى التحول الاستراتيجي في وجهات التجارة الخارجية للصين.
تغير طبيعة سلاسل التوريد العالمية
اعتبر التقرير أن التعرفات الجمركية باتت أدوات غير فعالة في ظل تجزؤ سلاسل التوريد العالمية، إذ إن موقع الصين المحوري في شبكات الإنتاج العالمية يحد من فعالية هذه الإجراءات. وأشار التقرير إلى أن السلع الحديثة تمر عبر عدة حدود خلال عملية التجميع، مما يجعل من الصعب تحديد القيمة المضافة لكل دولة على حدة. كما لفت إلى أن الشركات متعددة الجنسيات تتأقلم سريعًا مع هذه الظروف، إذ تنقل مراحل التجميع النهائية إلى دول أخرى، بينما تحتفظ بالمدخلات الصينية عبر عمليات إعادة التصدير.
وأوضح التقرير أن هذه الحلول البديلة أكثر فاعلية من فرض التعرفات، مما يقلل من أثر السياسات الحمائية، خاصة أن جزءًا كبيرًا من الصادرات الصينية، مثل مكونات الإلكترونيات والآلات والأدوية، يصعب استبداله، ويظل ضروريًّا لاستقرار الإمدادات الأميركية. ورأى التقرير أنه نتيجة لذلك، فمن غير المرجح أن تحفز التعرفات الجمركية إعادة التصنيع إلى الداخل، ومن المتوقع أن تحتفظ الصين بدورها حلقةَ وصلٍ لا غنى عنها في قطاع التصنيع العالمي.
ضعف سعر صرف اليوان
توقّع التقرير أن يُعوّض انخفاض قيمة العملة الصينية عن تأثير الرسوم الأميركية. وأشار إلى أن تراجع قيمة اليوان، ولا سيما من حيث القيمة الفعلية الحقيقية، يعزّز القدرة التنافسية للصادرات الصينية على المستوى العالمي. فمنذ تصاعد الحرب التجارية في فبراير/شباط الماضي، انخفضت قيمة العملة الصينية مقابل الدولار، وتراجعت بشكل أكبر أمام سلة واسعة من العملات، مما أدى إلى انخفاض كبير في سعر الصرف الفعلي الحقيقي.
وأوضح التقرير أن هذا التراجع أسفر عن خفض التكلفة النسبية للصادرات الصينية في الأسواق غير الدولارية، مما مكّن الشركات الصينية من توسيع حصتها السوقية عالميًّا، رغم ارتفاع التعرفات الجمركية الأميركية. ويعمل هذا التعديل في سعر الصرف بوصفه آلية تلقائية لاستقرار الاقتصاد الصيني، ويسهم في الحفاظ على الطلب الخارجي أو حتى زيادته، مما يضمن استمرار فائض الصادرات ويؤكد محدودية تأثير الحواجز التجارية أحادية الجانب.
تُعد العلاقة التجارية بين الولايات المتحدة والصين من أكثر العلاقات تعقيدًا وتشابكًا على الساحة الاقتصادية العالمية. وقد بدأت التوترات تتصاعد بشكل كبير منذ عام 2018، عندما فرضت إدارة الرئيس دونالد ترامب رسومًا جمركية واسعة على السلع الصينية بدعوى حماية الصناعة الأميركية وتقليص العجز التجاري. وردّت الصين بإجراءات مضادة، لتبدأ ما عُرف لاحقًا بـ"الحرب التجارية"، التي أثّرت على سلاسل الإمداد وأسعار السلع والنمو العالمي.
ورغم التوصل إلى اتفاق جزئي في عام 2020، لم تُحلّ القضايا الجوهرية، مثل حماية الملكية الفكرية والدعم الحكومي الصيني. وتجدد التوتر بشكل أكبر بعد عودة ترامب إلى الرئاسة مطلع عام 2025، حيث أعاد فرض تعرفات جمركية صارمة، مستهدفًا الواردات الصينية بشكل مباشر، في إطار سياسة تجارية أكثر تشددًا. ومع ذلك، تُظهر الصين قدرة لافتة على امتصاص هذه الصدمات، مستفيدة من تنويع أسواقها، وتعزيز سلاسل الإمداد، واستراتيجيات التكيّف المالي والنقدي.
(قنا، العربي الجديد)

Related News

