
أعلن وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس، صباح اليوم السبت، اغتيال مسؤول الملف الفلسطيني في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني سعيد إيزدي في مدينة قُم الإيرانية، وكان مسؤولاً وفقاً لبيان كاتس، عن "تمويل حركة حماس وتسليحها استعداداً لهجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023"، على حد زعمه.
كاتس عدّ الاغتيال "إنجازاً ضخماً للاستخبارات وسلاح الجو الإسرائيليين"، واصفاً ذلك بأنه "عدالة للقتلى والمختطفين"، في إشارة إلى الإسرائيليين الذين قُتلوا أو اُسروا في عملية "طوفان الأقصى"، وقال: "يد إسرائيل الطويلة ستصل إلى كل أعدائها". وبينما لم تؤكد طهران صحة اغتيال إيزدي، أفيد، ليل الجمعة السبت، باستهداف شقة في أحد أبراج مدينة قم، أفضت إلى مقتل شخصين، أحدهما فتى (16 عاماً).
مُركب مهم في "محور المقاومة"
وفقاً لمركز "المعلومات الاستخبارية والارهاب" (أو مركز مئير عَميت)، فإن إيزدي قاد الجهود الإيرانية لتهريب الأسلحة وتوفير التمويل والعتاد للمنظمات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكان مسؤولاً أيضاً عن تعزيز التعاون والتنسيق بين المنظمات الفلسطينية وحزب الله، وإعادة ترتيب العلاقات بين حركة حماس ونظام بشار الأسد في سورية، الذي سقط في 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي. ومن خلال مسؤوليته عن تمويل "حماس"، "تمتع بتأثير كبير في تشكيل سياسة الحركة، وحتى على الاجراءات الداخلية فيها.
وفي السياق، ادعى موقع "واينت"، اليوم السبت، أن وثائق عثر عليها خلال المناورة البرية في قطاع غزة، كشفت عن "دور إيزدي المحوري في بناء محور المقاومة اتساقاً مع رؤية قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني الذي اغتيل في العراق عام 2020 بضربات أميركية". وأضاف الموقع: "كانت له علاقات مباشرة مع جميع قادة حماس، وعلى رأسهم إسماعيل هنية، يحيى السنوار، ومحمد ضيف"، وجميعهم اغتالتهم إسرائيل خلال الحرب المتواصلة على القطاع.
وطبقاً لمركز المعلومات، فإن الوثائق استعرضت "العملية التي نجح من خلالها إيزدي على مر السنين في أن يصبح شخصية محورية في صنع القرار في حماس، والتأثير على قادتها، والمشاركة في التحركات الاستراتيجية التي أُعدّت استعداداً للحملة الكبرى - هجوم 7 أكتوبر 2023". وادعى المركز أنه من خلال الوثائق التي عُثر عليها في غزة، "يمكن الاطلاع على المشاكل الأساسية التي نشأت بمر السنين، في ربط جميع العناصر وبناء المحور، والطرق التي تعامل بها إيزدي مع التحديات، والتي أدت أيضاً إلى صراعات على السلطة داخل حماس، بين مؤيدي التقارب مع إيران ومعارضي النفوذ الإيراني المتزايد، وهو الخط الذي قاده خالد مشعل".
وأضاف المركز أنه "على مدى العقد الماضي، رسّخ إيزدي نفوذه على منظمات محور المقاومة الخاضعة لمسؤوليته، وقد ساهم وأثر في مجالات عديدة، منها الدعاية والحملة الإعلامية لـ"حماس". ويُستدل على مكانته الرفيعة من صلته بالمرشد الأعلى علي خامنئي، ومن قدرته على تنظيم لقاءات بين "حماس" وحزب الله وقائد فيلق القدس إسماعيل قاآني". وزعم المركز أن تأثير إيزدي في صنع القرارات في حماس "كان من خلال التلاعب، وباستخدام سياسة فرق تسد، وبالسيطرة على تمويل حماس ونقل الأسلحة وتهريبها". وبحسب الوثائق، فإنه في يوليو/ تموز 2023، أرسلت "حماس" مسؤولاً إلى لبنان، طلب من إيزدي المساعدة في ضرب مواقع حساسة في بداية الهجوم. وأبلغ إيزدي "حماس" بأن إيران وحزب الله تدعمان الفكرة، ولكنهما بحاجة إلى وقت للاستعداد.
وفي 7 أغسطس/ آب، عُقد اجتماع بين رئيس المكتب السياسي لحركة حماس آنذاك إسماعيل هنية وإيزدي، أكد خلاله هنية، للأخير، أن "حماس" بحاجة إلى المساعدة في ضرب مواقع حساسة في ساعة الهجوم الأولى. ووفقاً للوثائق، فإنه "مجدداً، أكد إيزدي تأييد حزب الله وإيران الفكرة، ولكنه شدد على ضرورة منحهما الوقت الكافي للاستعداد وتهيئة البيئة". نتيجةً لذلك، شعر قادة "حماس" أن حلفاءهم لن يتركوهم "مكشوفين"، لكنهم أدركوا أنهم قد يضطرون لشن هجوم من دون موافقة هؤلاء. وجاء في وثيقة صدرت في أغسطس أن "توسيع المستوطنات في الضفة الغربية ومحاولات تعزيز السيطرة على المسجد الأقصى لا تسمح لنا بالانتظار (لتنفيذ الهجوم)".
وزعم المركز بالاستناد إلى الوثائق أنه في رسائل تعود إلى يوليو/ تموز 2023، "أبدى إيزدي غضبه من مشاركة قادة حماس أسراراً مع (رئيس حماس بالضفة الغربية المحتلة) زاهر جبارين، "الرجل الذي لا يعرف كيف يصمت. وطالب بإبقاء القضايا الحساسة بينه وبين محمد ضيف".
علاقة وثيقة قبل 7 أكتوبر
لكن علاقة إيزدي بحركة حماس تعود إلى ما هو أبعد من ذلك. ففي مايو/ أيار 2021، على سبيل المثال، هنأ إيزدي هنية على "النصر الكبير" لحماس في عملية "سيف القدس"، مضيفاً أنه خصصت 10 ملايين دولار إضافية للجناح العسكري لـ"حماس". واقترح لقاء هنية في إيران أو لبنان، فردّ هنية شاكراً له ولقاآني على دعمهما العسكري والمالي. وطلب مسؤولو "حماس" الذين كانوا على علاقة بإيزدي منه مساعدتهم في الحصول على أموال ومساعدات تصل قيمتها الإجمالية إلى 500 مليون دولار على مدى عامين، وهي الأموال التي حصلوا عليها بالفعل في النهاية، وفقاً للوثائق التي عثر عليها جيش الاحتلال، مع الوعد بأنها ستوجه بالكامل إلى محاربة إسرائيل.
ويعود تاريخ أقدم وثيقة عُثر عليها إلى 24 ديسمبر/ كانون الأول 2016، في وقتٍ توترت فيه العلاقات بين إيران و"حماس" بسبب الحرب الأهلية في سورية، والحرب السعودية على الحوثيين في اليمن، حيث "كان الإيرانيون يسعون إلى تعزيز نفوذهم على حماس، لكنهم لم يتمكنوا من تحويل الأموال إليها بسبب مشاكل داخلية، وهو ما أثار غضب الحركة". وإثر ذلك، "أُرسل إيزدي لتهدئة الأمور، واعتذر عن التأخير، وحثّ حماس على عدم اعتبار هذا الأمر أزمةً مع إيران، بل نتيجةً لمشاكل مالية".
في وثائق أخرى عُثر عليها، أعرب "إيزدي لحماس عن قلقه إزاء المعارضة الداخلية داخل الحركة التي لم تؤمن بالقدرة على التحرر الكامل من الاحتلال الإسرائيلي"، وقد وصف "من يتوسلون للمفاوضات مع الولايات المتحدة بـ"الأعداء"، لأن الطريق ليس المفاوضات، بل استمرار المعركة". وقد وجّه إيزدي نفسه يحيى السنوار، رئيس حركة حماس السابق، بضرورة العمل ليس فقط بالسلاح أو المال، بل أيضاً من خلال منظومة إعلامية وتعليمية لتصحيح هذا الخلل. ووفقاً للمركز، فقد عرض على "حماس" خطة شاملة في مجال الإعلام والدعاية لتطبيقها داخل الحركة.
وختم المركز بالقول: "عمل إيزدي جاهداً على تفكيك المعارضة الداخلية داخل حماس، وإبعاد العناصر التي اعتُبرت معارضة لإخضاع الحركة للسيطرة الإيرانية، بقيادة (رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الخارج) خالد مشعل، من مراكز صنع القرار". وأضاف: "أجبر إيزدي السنوار فعلياً على إبعاد مشعل عن الأنشطة الاستراتيجية. ففي رسالة مؤرخة في 12 يوليو/ تموز 2021، أبلغ إيزدي السنوار بأنه أثار مسألة مشعل في محادثة مع هنية. ووفقاً لإيزدي، فإن مشعل يتحمل مسؤولية الإخفاقات والمشاكل العديدة في محور المقاومة، وأنه انحاز عملياً إلى جانب معين، وخلق مشكلة كبيرة لحماس وإيران".
إلى ذلك، أشارت إحدى الوثائق إلى أن "إيزدي بذل قصارى جهده للتصالح مع مشعل، والتقى به عدة مرات، لكن من دون جدوى". كما "أشاد إيزدي بهنية لعدم تردده في استبعاد مشعل من وفد حماس الذي وصل إلى لبنان لحضور اجتماعات. وأوضح إيزدي أن الإيرانيين لن يقبلوا أن يتولى مشعل مسؤولية بناء القوة في لبنان، ولذلك طلب أن تتولى القيادة الداخلية بناء القوة في لبنان، بمشاركة الضيف والسنوار".

Related News
