غياب التقدير المجتمعي
Arab
3 hours ago
share

يتقاضى العاملون في قطاع التعليم في الدول المتقدّمة رواتب تحقّق لهم رفاهية يستحقونها في مجتمعاتهم، وكذلك تمكّنهم من تمضية إجازات صيفية مريحة مع أسرهم في دول أخرى. كذلك، ثمّة نفقات تدفعها الإدارات التعليمية عنهم من خلال الرحلات المدرسية المتبادلة على صعد العلاقات من دولة إلى دولة.

والأهمّ أنّ الضمانات الاجتماعية والصحية تأتي كاملة، فلا مشكلة لديهم إذا ما أُصيب أحدهم بمرض يتطلّب استشفاء لأيام وربّما أسابيع، وعندما يُحالون إلى التقاعد، يحصلون على تعويضات أو معاش شيخوخة كامل أو شبه كامل، وترث أسرهم راتبهم في حال وفاتهم، بوصفهم المعيل الوحيد أو الرئيسي. وتأتي كذلك الرواتب والعلاوات والضمانات التي يحصل بموجبها المعلّمون على حقوق تفوق ما يحصل عليه أرباب مهنٍ عديدة.

ولهذا التمييز إيجابياته غير المرئية من خلال استقطاب الطلاب المتفوّقين وذوي الكفاءة في المواد وجذبهم إلى صفوف كليات التربية، ما يعني دخول طلبة نوعيّين في دراساتهم ونظرتهم إلى مهنة التدريس مستقبلاً، خلافاً لما يجري على المستوى العربي لجهة التوجّه نحو كليات الطب والهندسة دون سواها، إذ هي أشبه بمغناطيس يجذب المتفوّقين من طلبة المعاهد والثانويات.

وفي الكليات العربية المشابهة (الخاصة بالتربية)، تضاءل حجم الاندفاع نحو قطاع التعليم، حتى باتت المهنة شبه مرذولة لدى الأجيال الجديدة وكذلك ذوي الطلاب الذين يفضّلون ارتياد أبنائهم الكليات التي تحظى بمردود مادي أعلى مقروناً بتقدير اجتماعي.

من هنا، بات التوجّه إلى كليات التربية يقتصر (تقريباً) على الإناث، بنسبة تزيد عن 90%، إذ إنّ الدخل الذي تحصل عليه الشابة من خلال ممارستها المهنة يُعَدّ عنصراً مكمّلاً أو مساعداً لدخل ربّ الأسرة الذي هو الزوج أو الأب، ولا يُعتمَد عليه بالكامل في تأسيس وتأمين حياة كريمة لأسرة مهما كان عدد أفرادها قليلاً.

لكن ما يجدر التوقّف عنده، بالإضافة إلى الجانب المادي، الذي يجعل راتب الحادقة في صفوف الحضانة والمعلّم في الصفوف الأساسية موازياً إن لم يكن متفوّقاً على راتب المهندس والضابط والموظف العمومي بأشواط في الدول الغربية، هو ما يتناول التقدير الاجتماعي. وبموجبه، يُعَدّ من يمارس مهنة التعليم في مقدّمة الذين يستوجبون التقدير لما يقومون به من جهد وعمل مهمَّين ورئيسيَّين في تقدّم المجتمعات وتطورها وديمومتها، مثلهم مثل الطبيب والممرّض والجندي في مهمّة الدفاع عن المجتمع والبلاد وحمايتهما من الأعداء والفوضى. والمجتمع ينظر إلى المعلّمين والمعلّمات نظرة احترام، يفتقر إليها المهنيون الآخرون مهما كانت مجالاتهم، الذين قد تكون أجورهم أعلى من أجور المعلّمين، لكنّهم لا يصلون إلى مساواتهم وتقديرهم مع المرتبة الخاصة التي تضعهم في مصاف صفوة المجتمع ونخبته المرموقة.

إنّ تمهين التعليم وغياب الحافز المادي اللذَين يجعلان كلّ العاملين في مهنة التعليم من ضمن سلسلة واحدة تبدأ من الروضات وتصل إلى أساتذة الجامعات من جهة، والتقدير الاجتماعي من جهة ثانية، كلاهما أدّى دوره في تغييب الدافعية التي يجب أن يتمتّع بها المؤهّلون لممارسة هذه المهنة من الشبّان والشابات في بلادنا، للقيام بأدوارهم التأسيسية لمجتمعات متماسكة وقادرة على خوض غمار الحداثة الجامحة، التي تفتح يومياً على ثورات لا حدود مرئية لآفاقها البعيدة. فإذا كنّا بالأمس أمام ثورة الكومبيوتر وسطوته، واليوم أمام ثورة الذكاء الاصطناعي، لا ندري ما الذي قد نكون أمامه في الغد. وسواءً أكان هذا أم ذاك، لا بدّ من أن نقتحم غمارهما من خلال العلم والعلم وحده. والمعلّم هو الهادي والمرشد والدليل.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows