
قدم المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافاييل غروسي، اليوم الجمعة، شرحاً مفصلاً أمام مجلس الأمن بخصوص وقع الضربات الجوية التي شنتها إسرائيل على المنشآت النووية الإيرانية، قائلاً إنّ الهجمات "سبّبت تدهوراً حاداً في السلامة والأمن النوويين في إيران". وأشار خلال إحاطته أمام مجلس الأمن الذي عقد اجتماعاً للمرة الثانية خلال أسبوع، بطلب من إيران دعمته عدد من الدول الأعضاء، إلى أنه على الرغم من أن الهجمات "لم تُسفر حتى الآن عن تسرب إشعاعي يؤثر على الناس، لكنّ هناك خطراً من حدوث ذلك".
وشدد غروسي على أنّ "الوكالة الدولية للطاقة الذرية تراقب من كثب الوضع في المواقع النووية الإيرانية منذ أن بدأت إسرائيل هجماتها قبل أسبوع"، مشيراً إلى أنه استناداً إلى المعلومات المتاحة للوكالة، فإن الوضع الحالي في المنشآت النووية الإيرانية هو كالتالي: "يضم موقع نطنز للتخصيب منشأتين. الأولى هي محطة تخصيب الوقود الرئيسية. استهدفت الهجمات الأولية في 13 يونيو/حزيران البنية التحتية الكهربائية في المنشأة ودمرتها، بما في ذلك محطة فرعية للكهرباء، ومبنى إمداد الطاقة الرئيسي، وإمدادات الطاقة للطوارئ والمولدات الاحتياطية. في اليوم نفسه، يبدو أن المحطة الرئيسية تعرضت لهجوم باستخدام ذخائر. أما المنشأة الثانية في نطنز فهي محطة تخصيب الوقود التجريبية. وتتكون من محطة فوق الأرض وتحتها. في 13 يونيو/ حزيران، دُمّر الجزء الذي فوق الأرض وظيفياً، وألحقت الضربات على المحطة تحت الأرض أضراراً بالغة".
وأكد غروسي أن "مستوى النشاط الإشعاعي خارج موقع نطنز ظل من دون تغيير وعند مستوياته الطبيعية، مما يشير إلى عدم وجود أي تأثير إشعاعي خارجي على السكان أو البيئة". ورغم ذلك لفت إلى أنه "يوجد داخل منشأة نطنز تلوث إشعاعي وكيميائي. ومن المحتمل أن تنتشر نظائر اليورانيوم الموجودة في سداسي فلوريد اليورانيوم وفلوريد الهيدروجين داخل المنشأة. ويشكل الإشعاع الذي يتكون أساساً من جسيمات ألفا، خطراً كبيراً في حال استنشاقه أو ابتلاعه. ويمكن إدارة هذا الخطر بفعالية من خلال اتخاذ تدابير وقائية مناسبة، مثل استخدام أجهزة التنفس. ويتمثل مصدر القلق الرئيسي داخل المنشأة في المواد الكيميائية".
وتطرق إلى وضع منشأة فوردو التي قال إنها الموقع الرئيسي لتخصيب اليورانيوم في إيران بنسبة 60%. وأشار غروسي إلى أن الوكالة "لم تتلقَّ أي معلومات عن أي أضرار في فوردو حتى الآن". وأردف "في موقع أصفهان النووي، تضررت أربعة مبانٍ في هجوم الجمعة الماضي: المختبر الكيميائي المركزي، ومحطة تحويل اليورانيوم، ومحطة تصنيع وقود المفاعلات في طهران، ومنشأة معالجة معادن اليورانيوم المخصب التي كانت قيد الإنشاء. ولم تُبلَّغ عن أي زيادة في مستويات الإشعاع خارج الموقع". وأضاف "كما هو الحال في نطنز، فإن مصدر القلق الرئيسي هو المواد الكيميائية. وتعرض مفاعل خونداب لأبحاث الماء الثقيل، قيد الإنشاء في آراك، للقصف في 19 يونيو/ حزيران. بما أن المفاعل لم يكن يعمل ولم يكن يحتوي على أي مواد نووية، فلا يُتوقع حدوث أي آثار إشعاعية. كما يُقدر أن محطة إنتاج الماء الثقيل القريبة قد تعرضت للقصف، وبالمثل لا توجد أي آثار إشعاعية".
كذلك تحدث غروسي عن "تضرر مبنى في مركز أبحاث طهران، حيث تُصنع وتُختبر دوارات أجهزة الطرد المركزي المتطورة. وفي ورشة كرج، دُمّر مبنيان، حيث تُصنع مكونات مختلفة لأجهزة الطرد المركزي. ولم يكن هناك أي تأثير إشعاعي، داخلياً أو خارجياً". وحذر من عواقب الهجوم على محطة بوشهر للطاقة النووية، موضحاً أنها "محطة طاقة نووية عاملة، وبالتالي، فهي تحتوي على آلاف الكيلوغرامات من المواد النووية".
وكشف غروسي عن تواصل دول المنطقة معه مباشرة للتعبير عن مخاوفها، مضيفاً "أود أن أوضح الأمر بشكل قاطع وكامل: في حالة وقوع هجوم على محطة بوشهر للطاقة النووية، فإن الضربة المباشرة قد تؤدي إلى انبعاث كميات كبيرة جداً من النشاط الإشعاعي في البيئة. وبالمثل، فإن أي ضربة تُعطّل الخطين الوحيدين اللذين يُزودان المحطة بالطاقة الكهربائية قد تُسبّب ذوبان قلب المفاعل، مما قد يُؤدّي إلى انبعاث كميات كبيرة من الإشعاع في البيئة. وفي أسوأ الأحوال، يستلزم كلا السيناريوهين اتخاذ إجراءات وقائية، مثل إجلاء السكان وإيوائهم، أو الحاجة إلى تناول اليود المُستقر، مع امتداد نطاق التأثير إلى مسافات تراوح بين بضع مئات إلى مئات الكيلومترات. وستحتاج مراقبة الإشعاع إلى تغطية مسافات تصل إلى مئات الكيلومترات، وقد يتعيّن فرض قيود على المواد الغذائية".
وشدد كذلك على أنه "واستناداً إلى عمليات التفتيش التي أُجريت في المنشآت ذات الصلة منذ ذلك الحين، لا تزال مخزونات اليورانيوم الإيرانية خاضعة للضمانات وفقًا لاتفاقية الضمانات الشاملة (الاتفاق النووي). ولعلكم تتذكرون أن أكثر من 400 كيلوغرام من هذا المخزون هو يورانيوم مخصب بنسبة تصل إلى 60٪". من جهة أخرى، شدد غروسي على ضرورة استئناف الوكالة عمليات التفتيش "في أقرب وقت ممكن لتقديم ضمانات موثوقة بعدم تحويل أيٍّ من هذا المخزون. ومن المهم أن أي تدابير خاصة تتخذها إيران لحماية موادها ومعداتها النووية يجب أن تتم وفقًا لالتزامات إيران بالضمانات". كما دعا إلى السماح "لمفتشي الوكالة بالتحقق من وجود جميع المواد ذات الصلة، خاصة تلك المخصبة بنسبة 60٪، فإلى جانب المخاطر الإشعاعية المحتملة، فإن شن هجمات على هذه المنشآت من شأنه أن يزيد من صعوبة هذا الجهد". وشدد على ضرورة ضبط النفس وعدم استهداف المفاعل النووية.
مندوب إيران لدى مجلس الأمن: اعتداءات إسرائيل تنتهك القانون الدولي
من جهته، ندد مندوب إيران لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرواني، بالهجمات الإسرائيلية على بلاده، قائلاً إنها "غير مبررة وتشكل خرقاً لميثاق الأمم المتحدة ومتعمدة وممنهجة وكان مخططاً لها مسبقاً". وتحدثت عن اعتداءات إسرائيل على البنية التحتية المدنية والمدنيين مما أدى إلى مقتل وجرح الآلاف. ووصف ما تقوم به إسرائيل بإرهاب دولة. كما تطرق إيرواني إلى استهداف إسرائيل لعدد من المنشآت النووية في إيران، قائلاً "هذه الاعتداءات على مواقع سلمية نووية تنتهك القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ونظام الوكالة الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة".
وأضاف إيرواني "إن قرار مجلس الأمن 487 والذي اعتمد بالإجماع ينص صراحة أن أي اعتداء عسكري على منشآت نووية خاضعة للضمانات يعتبر اعتداء على كافة نظام ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية وعلى معاهدة عدم الانتشار وعلى مجلس الأمن أن يطبق المجلس قرارته... وإن عجز مجلس الأمن عن التحرك الآن فإنه يبعث برسالة مفادها أن القانون الدولي وقراراته تطبق بشكل انتقائي وإذا انهارت منظومة عدم الانتشار فإن المجلس، إلى جانب النظام الإسرائيلي، يتحمل المسؤولية عن ذلك".
واتهم مندوب إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالانحياز وعدم التحرك على الرغم من استهداف إسرائيل لمواقع تحت ضماناتها. وشدد على أن برنامج بلاده سلمي وخاضع للتفتيش، وذكر بدعوة بلاده لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية، مشيراً إلى حيازة إسرائيل أسلحة نووية ورفضها الانضمام إلى معاهدة عدم الانتشار. كما اتهم الولايات المتحدة بالتورط بالحرب.
الأمم المتحدة تحذر من تصاعد موجة الهجمات
إلى ذلك قدم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، كذلك إحاطته أمام المجلس وحذر من تصاعد موجة الهجمات بين إسرائيل وإيران. وفيما أشار إلى الخسائر الفادحة التي تخلفها الهجمات المتبادلة، شدد غوتيريس على ضرورة "منح السلام فرصة". وحذر من أن "اتساع رقعة الصراع قد تشعل ناراً لا يمكن لأحد السيطرة عليها". ووصف ما يحدث بأنه "تسابق وانجراف نحو الأزمة فما يحدث ليست حوادث معزولة ونحن في طريقنا نحو الفوضى".
واعتبر أن القضية الرئيسية في الصراع هي المسألة النووية، مؤكداً أن عدم انتشار الأسلحة النووية مسألة ضرورية لسلامة الجميع. وأكد ضرورة أن تحترم إيران معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، لافتاً إلى تصريحات المسؤولين الإيرانيين حول عدم سعيهم لامتلاك أسلحة نووية. وتوقف عند ضرورة العودة إلى الدبلوماسية من أجل التوصل إلى حل يمكن الوثوق به وتحقيقه. ودعا الدول الأعضاء "إلى التحرك وبمسؤولية لإنقاذ المنطقة وعالمنا من حافة الهاوية".
أما وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، روزماري ديكارلو، فتحدثت في البداية عن الخسائر في الأرواح في إيران وإسرائيل، مشيرة إلى مقتل 224 شخصاً في إيران وإصابة أكثر من 2500 آخرين جراء الغارات الإسرائيلية في حين أسفرت الهجمات الإيرانية عن مقتل 24 شخصاً وإصابة 915 آخرين. وحذرت ديكارلو من تأثير الصراع على الوضع الإقليمي المتوتر أصلاً في عدد من الدول بما فيها اليمن والعراق. كما لفتت الانتباه إلى التداعيات الاقتصادية ليس فقط على البلدين، بل كذلك على التجارة العالمية عبر مضيق هرمز. وعبرت عن قلقها إزاء الهجمات الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية. وأكدت في الوقت نفسه أن الوقت لم يفت وما زال ممكناً تفادي المزيد من التصعيد والتوصل إلى حل سلمي، مرحبة بالمحادثات بين وزراء خارجية إيران وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة في جنيف.
مواقف دول
وصف مندوب الجزائر لدى مجلس الأمن عمار بن جامع، الهجمات الإسرائيلية على إيران بأنها "غير مبررة ومستفزة وتشكل انتهاكاً خارقاً لميثاق الأمم المتحدة"، مضيفاً أن "الاعتداء على منشآت خاضعة لضمانات الوكالة الدولية يضع مصداقية كامل منظومة عدم الانتشار على المحك". من جهته قال مندوب فرنسا، جيروم بونافون، إنه من الضروري وضع حد للعمليات العسكرية داعياً إلى ضبط النفس وخفض التصعيد والعودة إلى مسار الدبلوماسية. وشدد على أن بلاده تعارض حصول إيران على أسلحة نووية.
واعتبر بونافون أن ذلك يهدد أمن إسرائيل وفرنسا كذلك. واتهم إيران بتكديس مخزون من الأورانيوم يتخطى حدود ما تم الاتفاق عليه عام 2015 في الاتفاق النووي الإيراني. وشدد على أن قرار إيران بالخروج من المعاهدة سيكون بمثابة تصعيد غير مسبوق. وأكد في الوقت ذاته أن لا حل عسكرياً لقضية النووي في إيران وأن التفاوض هو السبيل الأفضل للتوصل إلى حل.
إلى ذلك عبرت مندوبة المملكة المتحدة، باربارا وودوارد، عن دعم بلادها لعمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما عبرت عن قلق بلادها العميق إزاء التصعيد الذي تشهده المنطقة، وأكدت أنه لا يخدم مصلحة أي طرف. وشددت في الوقت ذاته على دعم بلادها "لحاجة إسرائيل إلى حماية أمنها وبلادها"، وفق زعمها. وقالت إن المملكة المتحدة "لم تشارك، ولن تشارك، في الضربات الإسرائيلية. لقد نشرنا قواتنا، بما في ذلك طائرات، في المنطقة واعتبار ذلك إجراءً دفاعياً واحترازياً فقط". وأعادت تأكيد معارضة بلادها لحصول إيران على سلاح نووي.
أما مندوب الصين، فو كونغ، فشدد على ضرورة إنهاء القتال والعودة إلى المفاوضات الدبلوماسية. وأكد أن "أعمال إسرائيل تنتهك القانون الدولي ومعايير العلاقات الدولية وتهدد أمن إيران وسيادتها كما تهدد الأمن والسلم الدوليين". وتحدث عن اقتراح بلاده الذي يشمل تعزيز المحادثات ووقف فوري لإطلاق النار، محذراً من انزلاق الوضع في المنطقة إلى هاوية لا تحمد عقباها. وأكد ضرورة أن تتوقف إسرائيل عن هجماتها. كما شدد على ضرورة "أن تحترم أطراف النزاع البنية التحتية المدنية والمدنيين وعدم استهدافها". وحذر من النتائج الكارثية التي قد تنتج عن استهداف المنشآت النووية الإيرانية. ورحب بمحادثات جنيف بين إيران والدول الأوروبية.
زلة لسان مندوبة الولايات المتحدة
أما مندوبة الولايات المتحدة، دوروثي شيا، فقالت أمام مجلس الأمن إنّ بلادها "لم تشارك في الضربات الإسرائيلية، إلا أنه لا شك في أن الولايات المتحدة لا تزال تقف إلى جانب إسرائيل وتدعم إجراءاتها ضد طموحات إيران النووية". وفي زلة لسان، قالت شيا إنّ "حكومة إسرائيل قد نشرت أيضاً الفوضى والإرهاب والمعاناة في المنطقة"، لتعود وتشير إلى إيران.
زلة لسان.. مندوبة #أميركا أمام مجلس الأمن دوروثي شيا: حكومة إسرائيل تنشر الفوضى والإرهاب بالمنطقة.. ثم تصحح: أقصد حكومة إيران pic.twitter.com/bMzvrplfEX
— العربي الجديد (@alaraby_ar) June 20, 2025
وأضافت "كان بإمكان قادة إيران تجنب هذا الصراع لو وافقوا على اتفاق يمنعهم من امتلاك سلاح نووي، لكنهم رفضوا ذلك - واختاروا بدلاً من ذلك المماطلة والإنكار. لم يعد بإمكاننا تجاهل أن إيران تمتلك كل ما تحتاج إليه لامتلاك سلاح نووي. كل ما تحتاج إليه هو قرار من مرشدها الأعلى. هذا أمر غير مقبول، ويجب على هذا المجلس حثّهم على تغيير مسارهم"، وفق زعمها.

Related News
