في ظل تصاعد التوترات العسكرية بين إيران و"الكيان الإسرائيلي"، واحتدام وتيرة الضربات المتبادلة خلال الأيام الأخيرة، يُطرح سؤال مهم حول ما هي السيناريوهات التي قد تدفع الولايات المتحدة إلى التدخل، وما شكل هذا التدخل إذا حدث؟
التوتّر الإقليمي بلغ ذروته مع تبادل الهجمات الجوية، واستهداف قيادات عسكرية إيرانية، وتلميحات متزايدة من "تل أبيب" بشأن احتمالية توسع العمليات لتشمل أهدافاً استراتيجية داخل إيران، ومن بينها المرشد. وفي خضم هذه الأحداث، توجهت حكومة الاحتلال بطلب رسمي للولايات المتحدة لدعم عسكري مباشر، الأمر الذي يعيد إلى الواجهة سيناريوهات التدخل الأميركي، التي يمكن قراءتها من خلال سياق الأهداف الإسرائيلية والتوازنات الجيوسياسية الدقيقة.
أهداف الحرب: غياب الوضوح أم تعدّد الغايات؟
رغم تصاعد وتيرة العمليات العسكرية، فإن إسرائيل لم تُعلن حتى الآن عن هدف واضح ومحدد لهذه المواجهة، إلّا أن مراقبة السلوك السياسي والعسكري لقيادة الاحتلال خلال الأيام الماضية يسمح بتصنيف الأهداف إلى ثلاث فئات رئيسية:
استهداف البرنامج النووي الإيراني:
وهو الهدف الأكثر تداولاً في الخطاب الإسرائيلي، إذ ترى تل أبيب في تقدم البرنامج النووي تهديداً وجودياً.
تحجيم القدرات الصاروخية الإيرانية:
خاصة بعد ما كشفت الهجمات الأخيرة عن مدى تطور ودقة الترسانة الصاروخية الإيرانية.
السعي لإسقاط نظام الحكم في طهران:
وهو الهدف الأكثر طموحاً، وربما الأخطر، إذ يتطلب تدخلاً خارجياً واسع النطاق، وتداعياته الإقليمية والدولية ستكون هائلة.
ظهر هذا التوجه جلياً في تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي عبّر علناً عن رغبته في "تغيير النظام في إيران"، بل وصل به الأمر إلى مخاطبة الشعب الإيراني مباشرةً، داعياً إياه إلى الثورة ضد قيادته. لكن، وبعد فشل تلك الدعوات، وصمود النظام الإيراني، تراجعت لهجة الخطاب السياسي الإسرائيلي، وبدأت الحكومة بالتركيز على حشد الدعم الداخلي ومخاطبة الأقليات في الداخل الإسرائيلي لمواجهة التهديد الإيراني.
لماذا لم تتدخل أميركا بعد؟
حتى الآن، اكتفت واشنطن بتقديم دعم استخباراتي ولوجستي، دون انخراط مباشر في العمليات العسكرية. هذا التريث الأميركي يعود لأسباب متعدّدة، أبرزها:
عدم وضوح أهداف إسرائيل النهائية، ما يجعل واشنطن متردّدة في الانخراط في حرب قد تتوسع خارج السيطرة.
خشية الإدارة الأميركية من تصعيد شامل يجر المنطقة بأكملها إلى حرب إقليمية مفتوحة.
محاولة واشنطن ترك المجال مفتوحاً للحلول الدبلوماسية، على الأقل في المراحل الأولى من التصعيد.
سيناريوهات محتملة للتدخل الأميركي
انطلاقاً من ما سبق، يمكن حصر سيناريوهات التدخل الأميركي بثلاثة احتمالات رئيسية:
1. السيناريو الأول: الاستنزاف قبل الحل السياسي
تلجأ واشنطن إلى ترك الصراع يستمر على نحو محدود لبضعة أيام أو أسابيع، بما يؤدي إلى إنهاك الطرفين، ثم تتدخل لفرض تسوية سياسية. هذه التسوية قد تتضمن إخضاع البرنامج النووي الإيراني لرقابة دولية مشدّدة، بإشراف مشترك غربي – روسي، من دون إسقاط النظام الإيراني.
2. السيناريو الثاني: ضربة جراحية محدودة
تنفذ الولايات المتحدة هجوماً محدوداً يستهدف منشأة "فوردو" النووية تحت الأرض، أو منشآت استراتيجية مشابهة. يرافق ذلك ضغط سياسي واقتصادي شديد على طهران لفرض اتفاق جديد يضمن الحد من قدراتها النووية والصاروخية. هذا السيناريو يبدو الأكثر واقعية، ويتيح للإدارة الأميركية الظهور بموقف حاسم دون الانزلاق إلى حرب شاملة.
3. السيناريو الثالث: تدخل شامل وإسقاط النظام
وهو السيناريو الأكثر تطرفاً، ويتمثل في تدخل عسكري أمريكي – أوروبي واسع النطاق، بالتنسيق مع بريطانيا وفرنسا وربما حلف الناتو، ويهدف إلى إسقاط النظام الإيراني وتفكيك برامجه النووية والصاروخية كلياً. وقد يؤدي هذا إلى انهيار الدولة الإيرانية ودخولها في مرحلة فوضى، مع احتمالات غير مستبعدة لتقسيم البلاد على أسس عرقية ومذهبية.
مؤشرات على تحضير أمريكي؟
رغم غياب إعلان رسمي من واشنطن بشأن التدخل العسكري، إلّا أن بعض المؤشرات غير المباشرة بدأت تظهر. من بين هذه المؤشرات ما يُعرف إعلامياً بـ"مؤشر البيتزا"، وهو مؤشر ساخر يعتمد على رصد الارتفاع غير المعتاد في مبيعات البيتزا في بعض المتاجر القريبة من البنتاغون، الذي غالباً ما يسجل هذا الارتفاع قبيل اتخاذ قرارات عسكرية كبرى. وتشير تقارير صحفية إلى أن المبيعات قد شهدت ارتفاعاً لافتاً، وهو ما دفع البعض لاعتباره إشارة ضمنية إلى وجود تحضيرات عسكرية خلف الأبواب المغلقة.
خلاصة: أي سيناريو أقرب؟
برجحان الكفة، يبدو أن السيناريو الثاني هو الأقرب للتحقق في الوقت الراهن، إذ يمنح الولايات المتحدة هامشاً كافياً للتحرك من دون الغرق في مستنقع حرب إقليمية طويلة الأمد، كما أنه ينسجم مع رغبة واشنطن في فرض شروطها على إيران دون دفع ثمن سياسي كبير. لكن، وفي منطقة لا تخضع لقواعد ثابتة، تبقى كل الاحتمالات واردة، خاصة إذا تجاوزت إيران "الخطوط الحمراء"، حينها قد تجد الولايات المتحدة نفسها مجبرة على تغيير استراتيجيتها والمضي نحو سيناريوهات أكثر جذرية.
Related News
