
استضاف "البيت العربي"، في مقرّه بمدريد أمس الخميس، محاضرة ثقافية بعنوان "الفن التونسي والثقافة الأندلسية: تقاطع طرق"، قدّمها الفنان والأكاديمي التونسي محمد سامي بشير. جاءت المحاضرة في إطار تسليط الضوء على التفاعلات الثقافية بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، وقد مثّلت محطة فكرية، إذ عاينت العلاقة الوثيقة التي ربطت بين الفن التشكيلي التونسي والثقافة الأندلسية عبر قرون من التفاعل والتداخل.
هذا "الحوار البصري"، كما يسميه بعض النقاد، لا يمكن اختزاله في استعارات سطحية أو زخارف منقولة، كما وضح الأكاديمي التونسي، بل هو قائم على أساس بنية جمالية مركبة تتداخل فيها الطبقات الرمزية والأسلوبية.
وفي هذا الإطار، أكد بشير في محاضرته أن تأثير الأندلس على الهوية الفنية التونسية أعمق بكثير من كونه أثرياً أو تاريخياً، فهو ينبض بالحيوية في أنسجة التشكيل التونسي الحديث والمعاصر، بدءاً من رحلات المستشرقين الأوروبيين في بدايات القرن العشرين، وصولاً إلى روّاد الحداثة الفنية في تونس أمثال يحيى التركي (1902-1969)، الذي يُعد الأب المؤسس للرسم الحديث في البلاد.
كيف يمكن للعمل الفني أن يتحوّل إلى مأوى للذاكرة الجمعية؟
وطرح الفنان التونسي في المحاضرة المقامة على هامش معرض "إضاءات تونسية" الذي يتواصل حتى السابع والعشرين من يوليو/ تموز المقبل، سؤالاً فلسفياً مفاده: كيف يمكن للعمل الفني أن يتحوّل إلى مأوى للذاكرة الجمعية؟ وكيف يصبح الفنّ ساحة لمعركة مفتوحة ضد النسيان، خاصة في عالم يتسارع في نسيان جذوره؟
بالنسبة لبشير، إن اللوحة الفنية لا تقف عند حدود الشكل أو اللون، بل تنفتح على تأويلات لا نهائية، تحاور الزمان والمكان، وتحمل معها شحنات رمزية تعبّر عن لحظة ثقافية عابرة ومستمرة في آن.
ولد محمد سامي بشير في مدينة المنستير التونسية، وهو فنان بصري متعدد الوسائط، يجمع بين البحث الأكاديمي والممارسة التشكيلية. نال الدكتوراه من جامعة السوربون في تخصص "علوم وتقنيات وجماليات الفنون"، ويعمل حالياً أستاذاً للفنون الجميلة في معهد سوسة العالي للفنون الجميلة. في أعماله، يزاوج بين المدارس التقليدية والتجريب الحديث، ويستلهم في ممارسته الفنية مفهوم "اللايقين الجمالي"، حيث تصبح المادة التشكيلية مجالاً لطرح الأسئلة بدلاً من تقديم الإجابات.
شارك في العديد من المعارض الفردية والجماعية داخل تونس وخارجها، وكان المدير الفني للدورتين 15 و16 من مهرجان الفنون الجميلة الدولي بالمنستير.
