العطلة الصيفية في المغرب: فرصة للراحة أم عبء إضافي؟
Arab
4 hours ago
share

مع اقتراب العطلة الصيفية في المغرب، تنطلق استعدادات الأسر وفق إمكانياتها وتطلعاتها المتباينة. فبين من يتهيّؤون لقضاء إجازاتهم في المدن الساحلية والشواطىء، ومن يترقّبون التحاق أبنائهم بالمخيمات الصيفية مع حلول شهر يوليو/تموز، هناك عائلات أخرى لا تسعفها الظروف للسفر، فتكتفي ببرامج متفرقة إلى الشواطئ المجاورة أو المسابح العمومية. أما بعض المراهقين، فيرون في العطلة فرصة للعمل وكسب المال لمساعدة أسرهم أو لتأمين مستلزمات الدخول المدرسي المقبل.
تحت وطأة غلاء المعيشة وتزايد الأعباء، تتحوّل العطلة، التي يُفترض أن تكون متنفساً للراحة وتجديد الطاقة، إلى عبء نفسي ومادي يثقل كاهل العديد من الأسر، خاصة بعد موسم دراسي طويل زادت من أعبائه تكاليف الدراسة ودروس الدعم وضغط الامتحانات. هكذا، يدخل كثيرون في سباق جديد مع النفقات: تكاليف السفر، تسجيل الأطفال في الأنشطة والمخيمات، أو حتى مجرد تأمين حدٍّ أدنى من الترفيه.
تقول سلمى، موظفة وأم لطفلين، إن العطلة بالنسبة إليها ليست ترفاً، بل ضرورةٌ نفسيةٌ لأطفالها: "نخطط منذ بداية السنة لها، نحاول الادخار تدريجياً حتى نتمكن من قضاء أسبوع في مدينة ساحلية. نختار إقامة متواضعة ونتفادى المصاريف الزائدة، الهدف أن يغيّر الأطفال الأجواء، ويبتعدوا عن الشاشات ولو لأيام معدودة".
في المقابل، يجد عبد الحق، وهو سائق وأب لأربعة أبناء، نفسه محاصراً بأولويات الحياة اليومية: "لا أملك إمكانيات للسفر أو الاصطياف. الصيف بالنسبة لي يعني مزيداً من العمل لتغطية الكراء والطعام. لكنني أحاول تعويض أبنائي بنزهات نهاية الأسبوع نحو الشاطئ أو المسابح العمومية، فقط ليشعروا بشيء من التغيير".
منال، أستاذة لغة فرنسية وأم لثلاثة أطفال، تسعى لإحداث توازن بين الترفيه والتربية خلال العطلة: "نسافر خارج المغرب لأن الكلفة هناك تكون أقل مقارنة بما تفرضه بعض الوجهات السياحية داخل البلاد من أسعار مرتفعة وخدمات غير متوازنة ونشجع الأطفال على أنشطة متنوعة تلامس اهتماماتهم، لكنني أعي تماماً أن أسراً كثيرة لا تملك هذه الرفاهية. لذلك فإنه من الجيد توسيع شبكة المخيمات الصيفية المجانية لضمان تكافؤ الفرص بين الأطفال".
ويوضح عادل، مصمم غرافيكي وأب لطفل، أنه اتخذ خطوة بتسجيل ابنه في مخيم صيفي تنظمه إحدى جمعيات التربية والتخييم في الفترة من 1 يوليو/ تموز إلى 31 أغسطس/ آب ويستهدف الأطفال واليافعين ما بين 7 و17 سنة : "لاحظت تأثير العزلة الرقمية على ابني البالغ من العمر 9 سنوات، ونصحني أحد الخبراء بالمخيم باعتباره فضاءً سيساعده على التفاعل مع أطفال آخرين، والمشاركة في ألعاب جماعية ومسابقات وأنشطة رياضية وشاطئية، بالإضافة إلى أن ما شجعني هو وجود تأطير تربوي ومواكبة للأطفال". 
غير أن العطلة قد تبدو أكثر تعقيداً للأسر التي تعيش وضعيات خاصة، مثل حالة السعدية، أم لطفلين واحد منهما مصاب بطيف التوحد، تفيد: "كل صيف أشعر بالارتباك. لا أنشطة صيفية قريبة تناسب ابني البالغ من العمر 7 سنوات، ولا أستطيع أن أسجله في مخيمات لحاجته الدائمة إلى المرافقة والرعاية لتلبية احتياجاته. في أحسن الأحوال أسافر عند شقيقتي لمدينة طنجة، من باب تغيير الروتين".
بالنسبة لبعض الأطفال والمراهقين، لا تعني العطلة راحةً أو سفراً، بل هي موسم للعمل الموسمي. سواء على الشواطئ أو غيرها من الأنشطة التي تكثر صيفاً، محمد رضا يافع يبلغ 15 سنة من أحد أحياء الدار البيضاء، يقول لـ "العربي الجديد": "منذ نهاية الامتحانات وأنا أشتغل في محل ألعاب. أساعد صاحبه وأعطي أمي جزءاً من الأجر، فهي تتكفل بنا وحدها. أحاول أيضاً أن أوفر قليلاً من المال لمصاريف المدرسة". ورغم ضغط العمل، لا يتخلى رضا عن لحظات الفرح الصغيرة: "ألعب مع إخوتي في الحي، سواء كرة القدم أو ألعاب الفيديو. لا نعيش عطلة مثالية، لكن نحاول أن نخلق لحظات من السعادة".
في هذا الصدد، يؤكد الخبير التربوي، لحسن تالحوت، أن ظاهرة انخراط اليافعين في العمل خلال العطلة الصيفية لتوفير مصاريف الدراسة أو لمساعدة أسرهم، يمكن النظر إليها تربوياً من زاويتين: فمن الزاوية الأولى، يُمكن اعتبار هذا العمل محطةً تكوينيةً أساسية في مسار المتعلم، إذ يُتيح له فرصة ملموسة لفهم قساوة الحياة، وإدراك أهمية الكفاح والجدية، وحشد القدرات والكفايات الذاتية لمواجهة التحديات، والتكيف السريع مع التحولات الاجتماعية والاقتصادية. كما يساعد هذا الانخراط المبكر في عالم الشغل على تعزيز الإحساس بالمسؤولية، واكتساب مهارات عملية، وتنمية الاستقلالية والثقة بالنفس.
غير أن الزاوية الأخرى لا تخلو من جوانب سلبية ينبغي الانتباه إليها، إذ قد يؤدي العمل المكثف إلى تراكم الإرهاق والتعب لدى المتعلم، ويُفضي إلى خبو المكتسبات المعرفية والثقافية التي راكمها خلال السنة الدراسية. والأخطر من ذلك، بحسب تالحوت، هو احتمال انجرار المتعلم نحو إغراء كسب المال السريع، ما قد يجعله يُهمل مساره الدراسي أو يُضحّي به بالكامل، فيقع في فخ الفشل أو الهدر المدرسي، وهو ما يستدعي من الأسر والمجتمع التربوي مواكبة هذه التجارب وتأطيرها برؤية متوازنة تضمن تكامل الجانبين التكويني والدراسي معاً.

يقول: " تكتسي العطلة الصيفية أهمية بالغة في حياة الأطفال واليافعين، إذ تأتي بعد عام دراسي حافل بالجهد والاجتهاد، ليجدوا فيها فرصة ضرورية للراحة واستجماع الطاقة في إطار من الترفيه، استعداداً للمحطات الدراسية المقبلة". 
ويضيف تالحوت أن العطلة لا تعني الانفصال عن التعلم، بل يمكن أن تشكل مناسبة لتدارك التعثرات الدراسية من خلال أساليب وألعاب ترفيهية، تساعد على تثبيت المكتسبات وتجاوز الصعوبات. 
ويضيف أن من الضروري إعداد برنامج تشاركي متوازن، يتضمن أنشطة ترفيهية وتربوية متنوعة، تُراعي مختلف أبعاد النمو لدى الطفل: المعرفية، النفسية، الحسيّة الحركية، الاجتماعية، على نحوٍ ينسجم مع حاجياته ونقط قوته وتميّزه. 
كما دعا إلى التركيز على أنشطة تُعزّز الكفايات الأساس، مثل القراءة والكتابة والحساب، من دون إغفال الكفايات الكبرى المرتبطة بتطوير الذات والقدرة على التكيّف مع المحيطين الاجتماعي والاقتصادي.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows