أسبوع حرب إسرائيل على إيران: الأهداف المعلنة والخفية
Arab
4 hours ago
share

في مؤتمرٍ صحافي عقده الاثنين الماضي، عدّد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إنجازات إسرائيل العسكرية في حربها ضد إيران منذ بدء الهجوم في 13 يونيو/حزيران الحالي. وقد بدا جلياً، من خلال لغة الجسد والأجواء العامة والمفردات التي استخدمها نتنياهو، أن هذا المؤتمر يختلف في طبيعته واجوائه عن المؤتمرات الصحافية التي عقدها في أعقاب السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، إذ اتّسم المؤتمر بطابع احتفالي بالنسبة لنتنياهو، لا سيما في ظل ما تراه إسرائيل إنجازات عسكرية في مقابل الرد الإيراني المتواضع. روّجت إسرائيل خلال السنوات الأخيرة لما وصفته بتضخّم قدرات إيران العسكرية، ولما تمثّله من مخاطر على إسرائيل والمنطقة، بل وعلى العالم بأسره، كما دأب نتنياهو على الادّعاء.

الهجوم على إيران

وعلى مدار العقدين الماضيين، نشرت الحكومات الإسرائيلية والمؤسسة العسكرية ومراكز الأبحاث المتخصصة، تقديرات مفادها بأن أي هجوم عسكري على إيران ستكون له أثمان باهظة، سواء على مستوى قوات الجيش وسلاح الجو، أو في الجبهة الداخلية، وذلك بسبب قدرة إيران على إطلاق مئات الصواريخ الباليستية المحمّلة بمئات الكيلوغرامات من المواد المتفجّرة، بالإضافة إلى الطائرات المسيّرة، باتجاه القواعد العسكرية الإسرائيلية ومراكز المدن. صحيح أن ما تنشره إسرائيل بشأن التهديد الإيراني لا يخلو من المبالغة، فالجيش الإسرائيلي يعتمد أحياناً على هذا التكتيك التهويلي بهدف الحصول على ميزانيات إضافية، وتعزيز مكانته ونفوذه. كما وظّف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو هذا الخطاب التخويفي في خدمة مشروعه السياسي، ولضمان استمراره في الحكم، حتى أنه حوّل "التهديد الإيراني" إلى أيديولوجيا متكاملة.


تتسع شهية إسرائيل كلما تشعر بأنها تحقق إنجازاً ميدانياً، ما يدفعها إلى توسيع دائرة الأهداف والضربات

لا يمكن الجزم في هذه المرحلة بنتائج الحرب، على الرغم من ادعاءات إسرائيل بتحقيق إنجازات عسكرية مهمة. من الواضح أن الهدف الأساسي لإسرائيل هو توجيه ضربة قاسية للمشروع النووي الإيراني، وكذلك لقدراته الصاروخية. وقد أضافت إلى ذلك استهداف القدرات العسكرية الإيرانية، والصناعات العسكرية، والبُنى التحتية المرتبطة بالأمن والعِلم، بما في ذلك الكوادر البشرية المتخصصة. ويبدو، وكما هو معتاد في سلوك إسرائيل العسكري، أن شهيتها تتسع كلما تشعر بأنها تحقق إنجازاً ميدانياً، ما يدفعها إلى توسيع دائرة الأهداف والضربات. والحرب على إيران تحظى بدعم دولي واسع، من دون وجود ضغوط حقيقية على إسرائيل لوقف العمليات العسكرية. كما تحظى الحرب، بعد مرور أسبوع على اندلاعها، بدعم كبير داخل المجتمع الإسرائيلي، وفقاً لاستطلاع للرأي نُشر في القناة 13 أول من أمس الأربعاء، إذ عبّر 75% من المشاركين عن تأييدهم للحرب على إيران. وبما أن هذه النسبة تشمل أيضاً المواطنين العرب الذين يُرجّح أن يعارضوا الحرب، فمن المتوقع أن تكون نسبة الدعم الفعلية بين الإسرائيليين اليهود أعلى من ذلك بكثير. وأظهر استطلاع آخر أجراه مركز دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، الثلاثاء الماضي، ارتفاعاً في مستويات الثقة بالحكومة وبنتنياهو منذ بداية الحرب على إيران.

وقد انعكس هذا الدعم الشعبي، وفقاً لاستطلاع القناة 13، في ارتفاع متوقّع لعدد المقاعد التي قد يحصل عليها حزب الليكود في الانتخابات المقبلة، إذ ارتفعت من 24 مقعداً في الاستطلاع السابق إلى 27 مقعداً، في مقابل تراجع في قوة جميع أحزاب المعارضة. وبهذا، يكون نتنياهو قد حقق أحد أهداف الحرب غير المُعلنة: ترميم مكانته السياسية، وعودة الليكود لتصدر المشهد كأكبر حزب في الكنيست. من الواضح أن نتنياهو يسعى إلى توسيع أهداف الحرب، واستغلال الظرف الإقليمي والدولي الناشئ لتحقيق غايات استراتيجية أوسع. ويمكن الافتراض أن نتنياهو يرى في إضعاف إيران فرصة سانحة تُمكّن إسرائيل والولايات المتحدة من فرض شروط قاسية على طهران في أي مفاوضات مستقبلية لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب. التنازل عن المشروع النووي أو تقليص القدرات الصاروخية لم يعد كافياً، في نظر إسرائيل، لوقف العمليات العسكرية، إذ تهدف إلى إقصاء إيران من المعادلات الإقليمية وتفكيك نفوذها في المنطقة. كما انعكس في إضافة نتنياهو، خلال المؤتمر الصحافي، هدفاً آخر للحرب تمثّل في "تفكيك أو القضاء على محور الإرهاب"، على حدّ تعبيره، في إشارة إلى المحور الإيراني الإقليمي.

إيران والتخلي عن الحلفاء

هذا يعني أن على إيران الانسحاب من مشروعها الإقليمي، ووقف دعمها للقوى الحليفة لها، مثل حزب الله في لبنان، وجماعة الحوثيين في اليمن، وحركة حماس في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ومن خلال ذلك، تسعى إسرائيل إلى إعادة ترتيب موازين القوى في المنطقة بما يعزز هيمنتها الإقليمية. ويُتوقع أن يُصعّب هذا السيناريو على حزب الله إعادة تنظيم قدراته العسكرية والمدنية، ما يشكل ضربة إضافية إلى الضربات التي تلقاها خلال الحرب. كذلك، فإن الوضع في اليمن قد يصبح مهيّأ أكثر لضرب قدرات جماعة الحوثيين من قِبل دول كالسعودية والإمارات، اللتين فشلتا في ذلك خلال السنوات الأخيرة. أما الأهم اسرائيلياً، فهو أن تراجع مكانة إيران الإقليمية سيُلحِق ضرراً بالغاً بقدرات حركة حماس، ويُضعف احتمالات إعادة بنائها لقدراتها العسكرية والمدنية والسياسية في المستقبل.

في سيناريو تغيير النظام في إيران، من المحتمل أن تسعى الإدارة الأميركية وإسرائيل إلى استغلال اللحظة لفرض تغيير داخلي في إيران، كما عبّرت إسرائيل أكثر من مرة منذ بداية الحرب عن رغبتها في الدفع نحو تغيير النظام، أو على الأقل خلق ظروف داخلية مواتية تدفع باتجاه التغيير. الحساب الأميركي مع الثورة الإيرانية قديم ومعقّد، تعود جذوره إلى انتصار الثورة عام 1979 والسيطرة على السفارة الأميركية في طهران واحتجاز الدبلوماسيين الأميركيين. لا نبالغ إن قلنا إن إضعاف إيران عسكرياً قد يدفع الإدارة الأميركية إلى إضافة شروط تتعلق بإصلاحات داخلية، كالدفع نحو "دمقرطة" النظام وضمان احترام حقوق الإنسان والحريات الفردية، وفق المفهوم الأميركي والغربي لهذه القيم. على الرغم من أن هذه القضايا لا تشكّل أولوية بالنسبة لإسرائيل، التي طالما تجاهلت أو استغلت قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان لأغراض سياسية، إلا أن ما يهمها في نهاية المطاف هو تحقيق ترتيبات إقليمية تضمن أمنها، واستقرار مصالحها السياسية والاقتصادية، وتوسيع شبكة علاقاتها والتطبيع مع الأنظمة في المنطقة، بغض النظر عن طبيعة هذه الأنظمة أو مدى احترامها للمعايير الديمقراطية.

تدّعي إسرائيل أنها حققت إنجازات عسكرية مهمة واستراتيجية منذ بداية هجومها على إيران وتؤكد نجاحها في توجيه ضربات قاسية للمشروع النووي الإيراني، ولمواقع الصواريخ الباليستية، ولمرافق عسكرية حيوية أخرى. وبالفعل، تمكنت إسرائيل من فرض سيطرة جوية على المجال الجوي الإيراني. ومع ذلك، لم تُحسم المعركة بعد، إذ لا تزال إيران تملك القدرة على الرد، وتواصل إطلاق صواريخ نحو العمق الإسرائيلي، وتمتلك القدرة على استنزاف إسرائيل في حال استمرت المواجهة لفترة أطول. وتشير غالبية التحليلات الإسرائيلية، سواء في مراكز الأبحاث أو وسائل الإعلام، أو عبر تصريحات قيادات عسكرية وسياسية سابقة، إلى إدراك المؤسسة الإسرائيلية أن إسرائيل، بمفردها، غير قادرة على القضاء الكامل على المشروع النووي الإيراني أو على القدرات العسكرية.


حقق نتنياهو أحد أهداف الحرب غير المُعلنة: ترميم مكانته السياسية

أهمية مفاعل فوردو

من هذا المنطلق، تسعى إسرائيل إلى دفع الإدارة الأميركية نحو الانخراط المباشر في الحرب، بهدف توجيه ضربات حاسمة للمنشآت النووية، وعلى رأسها مفاعل فوردو المحصن تحت الأرض. وبالنسبة لصنّاع القرار في إسرائيل، فإن التدخل الأميركي يبقى عنصراً حاسماً في تقصير أمد الحرب، وتقليص الخسائر، وضمان تحقيق الأهداف الاستراتيجية المعلنة. لكن، حتى اللحظة، لا يزال الرئيس الأميركي دونالد ترامب متردداً في اتخاذ قرار بالمشاركة المباشرة في العمليات، على الأرجح بسبب تقديرات أميركية بشأن التداعيات السلبية المحتملة لهذا التدخل. وهذا يطرح تساؤلات جدية حول قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها السياسية والعسكرية المعلنة من هذه الحرب، خصوصاً إذا لم يتم كسر إرادة النظام الإيراني أو إضعاف قدراته على المدى البعيد.

رغم أن نتائج الحرب الإسرائيلية على إيران لم تُحسم بعد، إلا أن نتنياهو وإسرائيل يحققان، حتى الآن، إنجازات عسكرية واستراتيجية وسياسية، ولو كانت غير مكتملة. فكما أن مآلات الحرب لا تزال مفتوحة، ولا يمكن التنبؤ بكيفية انتهائها، كذلك هو حال مستقبل نتنياهو السياسي، والذي يرتبط بشكل وثيق بمسار هذه الحرب ونهايتها. إذ أن نتنياهو كان المبادر والمُنَظِر الأول لهذه الحرب، وهو يسعى الآن إلى توظيف نتائجها المرحلية لتعزيز موقعه السياسي وترميم مكانته في الداخل الإسرائيلي. وفي حال فشلت إسرائيل في تحقيق أهدافها، فلن يكون بمقدور نتنياهو تحميل المسؤولية لأي جهة أخرى، ولا الادعاء بأنه لم يكن على علم كافٍ أو أن المؤسسة الأمنية والعسكرية لم تحذّره من المخاطر والتحديات، كما ادعى بعد الإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر 2023.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows