
يُنتظر أن تقدم لجنة التحقيق في أحداث الساحل السوري والتي شكلها الرئيس أحمد الشرع "للتحقيق في أحداث القتل والسلب خارج القانون التي وقعت في السادس من مارس/آذار الماضي"، تقريرها النهائي قبل التاسع من يوليو/تموز المقبل، بعد أربعة أشهر من التحقيقات ومقابلة الشهود ومعاينة الأماكن التي وقعت بها الأحداث. وشهدت مناطق الساحل السوري أحداثاً دامية في مارس الماضي، استمرت عدة أيام، بعد محاولة سيطرة على المنطقة قام بها مسلحون موالون للنظام السابق، وانتهت باستعادة الحكومة السورية السيطرة على المنطقة لكن تخلل ذلك انتهاكات واسعة من قتل بحق مدنيين، فضلاً عن أعمال سلب وحرق للممتلكات ارتكبتها فصائل مسلحة مرتبطة بالسلطة. ووفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، قتل في أحداث الساحل السوري ما لا يقل عن 889 شخصاً، من بينهم 51 طفلاً و63 سيدة على يد قوى مسلحة مرتبطة بالحكومة، و445 شخصاً، من بينهم تسعة أطفال و21 سيدة على يد المجموعات المسلحة الخارجة عن إطار الدولة والمرتبطة بنظام الأسد المخلوع.
مضر العلي: كان من الضروري مشاركة طرف أممي بالتحقيقات
جولات لجنة التحقيق
على الطريق الرئيسي الواصل بين مدينتي اللاذقية وجبلة تقع قرية الصنوبر التي قتل فيها عدد من المدنيين في أعمال انتقامية. ووفق مضر العلي، قريب لضحية قُتلت هناك، فإن لجنة التحقيق زارت القرية بالفعل واستمعت لرواية الأهالي الذين أطلعوها على موقع المقبرة الجماعية ومن هاجمهم، لكنه شكك في حديث لـ"العربي الجديد" بمحاسبة مرتكبي هذه الانتهاكات. وتساءل: "كيف يمكن للجنة تحقيق شكلها الرئيس أن تحقق في جرائم نفذتها قوات وزارة الدفاع التابعة للحكومة والضباط الذين قادوا بعض العمليات التي أسفرت عن جرائم في الساحل تمت ترقيتهم قبل العملية ولا يزالون في مناصبهم مثل محمد الجاسم الملقب أبو عمشة، وأحمد إحسان الهايس الملقب أبو حاتم شقر وكلاهما تم تعيينهما قادة فرق عسكرية في وزارة الدفاع". وأردف: "كان من الضروري وجود طرف أممي مثل الأمم المتحدة أو منظمات حقوقية وبالعموم لا آمل أي شيء جدي من عملها".
يذكر أنه في أواخر شهر مايو/أيار الماضي أضاف الاتحاد الأوروبي إلى قائمة العقوبات المتعلقة بسورية، قائد الفرقة 25 في الجيش السوري الجديد محمد حسين الجاسم، الملقب بـ"أبو عمشة"، وسيف الدين بولاد "أبو بكر"، والمعيّن حديثاً قائداً للفرقة 76 في الجيش السوري بسبب ارتباط اسميهما بالتجاوزات التي حدثت في الساحل السوري. كما أدرج الاتحاد الفصيلين التابعين للجاسم وبولاد وهما "لواء السلطان سليمان شاه"، والمعروف باسم فصيل "العمشات"، و"فرقة الحمزة"، والمعروفة باسم فصيل "الحمزات"، في قائمة العقوبات، إضافة إلى فصيل آخر، هو "فرقة السلطان مراد"، واستثنى القرار الأوروبي قائده فهيم عيسى الذي يشغل منصب معاون وزير الدفاع.
وفي مدينة جبلة التي تعاني من آثار أحداث مارس وشهدت انقساماً جلياً، قال الشاهد حسن، من دون الكشف عن باقي هويته، وقد راقب خروج مسلحين من فلول النظام للشوارع وقتل عناصر من الأمن العام، إنه التقى لجنة التحقيق وقدم شهادته كاملة، ووصف اللجنة بالمتعاونة وكان هناك تأمين لسرية الشهود ورغبتهم بعدم إظهار هوياتهم كاملة. وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد": "استمعوا لشهادتي وسألوني عن أدق التفاصيل وأعادوا الاتصال بي بعد يومين للتحقق من بعض المعلومات، لمست جدية كاملة في التحقيق وأتمنى أن تجد العدالة مسارها". أما في أحياء أخرى بمدينة جبلة توصف بأنها كانت الخزان البشري لنظام بشار الأسد، وارتكبت فيها انتهاكات وأعمال قتل خلال أحداث الساحل السوري كان ملاحظاً غياب الصلة والتواصل مع لجنة التحقيق إلى حد بعيد، وكان الجواب الأكثر تردداً عند سؤال كثر عن رأيهم في لجنة التحقيق بأنه "لم نرها أو نسمع بوجودها".
من جانبها، قالت ميس فارس، وهي شقيقة أحد ضحايا جرائم القتل في مارس الماضي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إنها تلقت دعوة شخصية من لجنة التحقيق. وأضافت: "ذهبت لأشهد بما حصل لأخي، وللأمانة اللجنة تجاوزت حدود الذوق والأخلاق وترفعت عن كلمة الطائفية... كانوا يحاولون جاهدين الوصول لأي معلومة مهما صغرت أو كبرت". وتابعت حديثها بالقول: "اليوم أعلم جيداً أن الأموات لن تعود والقتلى لن يبصروا النور لكن ما أسعدني خلال شهادتي أن الشخص الذي استمع لإفادتي هو شاب من إدلب والذي كان يكتب المحضر من حمص والشاهد على ما أقوله من حلب، ومن قدم لي العزاء من دمشق، وكل ما يهمني في هذه اللحظة أن سورية اليوم في مدينة جبلة تحاول أن تعزينا على ما فقدنا".
وتواصل "العربي الجديد" مع المتحدث الإعلامي باسم لجنة التحقيق ياسر فرحان للإجابة عن بعض التساؤلات والصعوبات التي واجهتها اللجنة لكنه فضل عدم التعليق حالياً، وقال إن اللجنة تؤجل إدلاءها بأية تصريحات إعلامية لحين إنهاء عملها. مع العلم أنه سبق لفرحان أن قال في مؤتمر صحافي سابق، إن اللجنة استمعت لشهادات من جهات أمنية وعسكرية ومدنية في محافظة اللاذقية، بالإضافة إلى لقاءات أجرتها مع شهود عيان في المواقع المتضررة. وتتكون لجنة التحقيق من خمسة قضاة ومحامٍ وضابط. من جهته، رأى رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه من المبكر الحكم على عمل اللجنة والأفضل انتظار التقرير الذي سيصدر عنها. وأضاف: "نأمل أن يكون التقرير موضوعياً ومستقلاً ومحافظاً على لغة حقوقية، وأن يكون على مسافة واحدة من جميع الضحايا وأن يثبت الحقائق ويتبع منهجية قوية، يستطيع من خلالها أن يرمم الثغرة التي حصلت ويقدم من تورط بالمجازر إلى المحاكمة". وكانت منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، أشارت إلى أن اللجنة لم تشكل من قبل هيئة تشريعية مستقلة أو هيئة قضائية عليا، بل من قبل رئاسة الجمهورية. واعتبرت أن ذلك يطعن بالاستقلالية الاسمية التي نشأت اللجنة على أساسها.
علي نصور: معظم السوريين من الطائفة العلوية لا يثقون باللجنة
مخاوف سكان الساحل السوري
من جهته، كشف علي نصور وهو من سكان جبلة وأحد القائمين على مبادرات اجتماعية لصون السلم الأهلي، أن هناك حالة خوف لا تزال قائمة لدى قسم كبير من أهالي الساحل السوري خشية من حصول أعمال انتقامية وثأرية، معتبراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "هذا الخوف يمنع الكثير من الشهود لتقديم إفاداتهم". ورأى أن غياب مشاركة المنظمات الحقوقية والأممية وتوفير دعم وحماية حقيقية للشهود، أضعف من عمل اللجنة وقدرة الوصول إلى العدد الأكبر من أهالي وذوي الضحايا. وأضاف نصور: "علينا أن نكون واضحين أن معظم السوريين من الطائفة العلوية لا يزالون غير واثقين بهذه اللجنة، كونها انبثقت عن السلطة المتهمة بالتسبب بهذه المجازر، ولكن في الوقت ذاته نأمل حقيقة أن تكون نتائج عمل هذه اللجنة مقدمة لبداية جديدة في سورية، تنزع فيها الحماية عن أي مسؤول أو عنصر أمن ينتهك حقوق الإنسان وتمهد لتطبيق العدالة لجميع الضحايا بغض النظر عن موقفهم من الحكومة".
