حين تتحوّل الأجهزة الأمنية عبئاً على النظام
Arab
5 hours ago
share

أطلّ شاه إيران من طائرته، التي حملته عام 1979 خارج قصره، على الحشود المجتمعة لإسقاط نظامه، سائلاً: "كلّ هؤلاء ضدّي؟"، مع العلم أن منظّمة الاستخبارات والأمن القومي (سافاك) كانت من أهم أجهزة الاستخبارات في العالم. فهل فشل هذا الجهاز (على جبروته) في رصد إرهاصات الثورة وقمعها في مهدها، كما تفعل الأجهزة الأمنية للأنظمة الشمولية؟ أم أنه تآمر على إخفاء تنامي قوة المعارضة؟ (مع العلم أن جهاز استخبارات الشاه حُلّ مع نجاح الثورة الإيرانية). لعلّ هذا لسان حال القيادة الإيرانية وهي ترى هذا الاختراق الأمني الكبير: "كلّ هؤلاء الخونة في بيوتنا؟"، مع العلم أن جهاز الاستخبارات الحالي لا يُدير عملياتٍ ضخمةً وواسعة النطاق في الخارج فقط، في دول مختلفة، منها لبنان وسورية والعراق واليمن وليبيا وغيرها، بل أنشأ مؤسّساتٍ تحبس أنفاس الإيرانيين في الداخل. بل بلغت وزارة الاستخبارات درجةَ إحداث رقم ثلاثي يمكن لكلّ مواطن إيراني أن يتّصل به للإبلاغ عن أيّ نشاط مشبوه. وأعلنت الاستخبارات الأميركية، حسب تقرير المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب والاستخبارات، أن أجهزة الاستخبارات التابعة للوزارة تضمّ عشرات آلاف من الموظّفين. مع ذلك، حدث الاختراق بشكل واسع، وكان شبه مستحيل.
الآن مع الاختراق العميق لصفوفها، تقوم الأجهزة الاستخباراتية بتصفيات عشوائية. فلا الوقت ولا الظرف مناسبان للتحقيق في المسؤول عن الاختراقات. إيران تآكلت من الداخل، ولا يمكن إلقاء اللوم على استعداد "العملاء" للخيانة، بقدر ما هي تداعيات نظام قمع فضّل الحفاظ على أسسه على حساب الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان. وهو درسٌ لا ينفكّ يتكرّر لكلّ الأنظمة؛ أن قمع الشعوب لن ينفعها معه (في الأيام السوداء) لا حلفاء خارجيون ولا أموال مكدّسة، لأن انهيار الأنظمة يأتي من الداخل. أمّا الحسابات الإقليمية والدولية فستخذلها عند أول فرصة، وهذا ما حدث مع بشّار الأسد، فسقوطه كان سهلاً للغاية عام 2011، لولا التدخّل الأجنبي الذي أسنده إلى حين انتفت الحاجة إليه.
وإذا كنا نظّن أن الهجوم على إيران انطلق اليوم فنحن على خطأ، لأنه بدأ منذ سنوات، وساهم فيه الخطأ الإيراني القاتل بدخول الأزمات المجاورة وخوض حروبٍ بالوكالة مع أطرافٍ تخوض الحروب أيضاً بالوكالة، ما أسهم في خلخلة البناء الاستخباراتي، وانكشاف أماكن نشاط القادة وعيشهم ومراكز القوة العسكرية. ولأن تجاوز البناء المعقّد للدولة الأمنية الإيرانية ليس بهذه السهولة، بُنيت الحرب على مراحل، وبدأت بتحييد حزب الله أقوى أسلحة إيران الإقليمية، الذي كان شوكةً في خاصرة إسرائيل، وكان من الضروري إضعافه باغتيال قادته، ثمّ إسقاط جبهة سورية نهائياً لمنع إيران من استعمالها ضدّها. وهكذا جُرّدت من أذرعها ومن عيونها وآذانها بالتدريج.
كلّ ما كان ينقص السيناريو شخص أهوج مثل دونالد ترامب في رأس البيت الأبيض، لتعيث إسرائيل في الأرض فساداً. رغم أنه صعد على أكتاف خطابٍ انتخابيٍّ يدعو إلى الانشغال بالداخل الأميركي، بدل خوض الحروب في العالم. لكنّه وجد الحلّ، أن يموّل الحرب من أطرافٍ غير بلاده، حتى يُسكِت الأصوات التي قد تتحدّث عن كلفة الحرب، فملأ جيوبه في جولته الخليجية، وعاد فرحاً غير قلق من شيء، ليعطي الضوء الأخضر لعمليات الحساب والعقاب، والتحييد والتهديد.
عامل آخر كانت تنتظره إسرائيل، مدى صلابة الرأي العام العالمي تجاه عنفها الدموي، وكانت حربها في غزّة بمثابة الضوء الأخضر لهذا الرأي، الذي بارك الإبادة، ولم يحرّك ساكناً للضغط على إسرائيل. ولو فعل، لأوقفت حربها على غزّة على الفور، فهي، رغم مظهرها الجنوني المسعور، قائمة على ضوء أخضر عالمي لأميركا بتصفية ما زرعته من نزاعات الشرق الأوسط، كي لا يتبقّى سوى شرق أوسط ناعم عديم الشوك، تتمدّد فيه إسرائيل كما تشاء، بعد أن حقّقت أكبر اختراق في تاريخها حين طبّعت مع دولٍ في العلن مثل الإمارات، وتحت الطاولة مع السعودية. لقد تجاوزت الرفض السياسي والديني والشعبي، ولم يعد أمامها سوى إيران، لتقطع رؤوس الشرق الأوسط يانعةً أو كامنةً، وليت من تبقّى يعتبر.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows