الصالون التونسي للفنون التشكيلية.. فنانون من الأطراف ومعرض في المركز
Arab
3 hours ago
share

لا نعلم على وجه الدقة، كم من "صالون وطني للفنون التشكيلية" في تونس. إذ اعتدنا أن نسمع هذه التسمية تُطلق بشكل متواتر على تظاهرات تشكيلية كثيرة، بداية من الصالون الوطني الذي التأم بمدينة بنزرت في أقصى الشمال التونسي سنة 2020، وصولاً إلى صالون توزر الذي حمل الاسم نفسه مطلع هذا العام.

ومع ذلك، كشفت وزارة الثقافة التونسية يوم 13 يونيو/حزيران الجاري، عبر ندوة صحافية عُقدت بمتحف الفن الحديث بمدينة الثقافة، عن الدورة الأولى للصالون الوطني للفنون التشكيلية، الذي انطلق فعلياً في اليوم التالي في معرض دار الفنون، على أعتاب حديقة البلفيدير في العاصمة.

ورغم غياب الابتكار عن التسمية، فإننا، فعلياً، أمام حدث ثقافي قُدِّم على أنه مختلف هذه المرّة، وصالون ليس كغيره من الصالونات. إذ إن حجم المعرض، وحجم المؤسسات والهياكل الثقافية المركزية والمحلية المنخرطة فيه، حققا هذه المرة البعد الوطني المرجو منه.

شاركت في تأثيث الصالون جميع المندوبيات الجهوية للثقافة في تونس، وعددها أربع وعشرون، سواء بشكل مركزي أو عبر مؤسساتها الثقافية المحلية. فعلى سبيل المثال، مثّلت ولاية القصرين دار الثقافة في بلدة حيدرة، لا تلك التابعة لمركز الولاية، في سعي لتوفير تمثيلية أوسع للمناطق، وتحويل الحدث إلى "منصة لاكتشاف الإبداع"، وهو الشعار الذي رُفع للترويج له.

وفي هذا الإطار، قُبلت ملفات مشاركة لأربعة وستين فناناً من أصل مئة وخمسين مترشحاً، جلّهم من الشباب، الذين أُتيحت للبعض منهم فرصة المشاركة لأوّل مرة في تظاهرات كبرى من هذا النوع. وإلى جانب شباب الجهات مثل أيمن النبيلي، برزت أسماء فنية راسخة، على غرار محمد الهادي الشرف، أحد "مشايخ" الرسم التونسي المعاصر.

وبذلك، حقق الصالون أحد أهدافه المباشرة، ألا وهو خلق فضاء مختلط من حيث التمثيل الجهوي والفني، ومن هذا المدخل، سعى القائمون عليه إلى بلوغ هدف ثانٍ: تحويل الصالون إلى فضاء منفتح لا فقط على الجغرافيا التونسية، بل أيضاً على مختلف التيارات والتجارب الفنية، دون اشتراط الانضباط لموضوع أو تقنية أو صنف معين.

طُرح مقترح يدعو إلى تنظيم رحلات مدرسية لزيارة المعرض

ورغم غياب فعاليات موازية، كالمحاضرات أو العروض الفنية، فإن الصالون شكّل فسيفساء تشكيلية خالصة من حيث الأعمال المعروضة. فقد شارك الفنان نجيب شمس الدين بلوحة ذات طابع واقعي، توثّق مظاهر الحياة الأصيلة في واحة قابس، بينما قدّم آخرون أعمالاً انطباعية وتجريدية، مثل مبروك بن مبروك من قبلي في لوحته "وساوس"، وحذامي سلطان التي شاركت بعمل فني جمع بين تقنيتي الأكليريك ونقش "الحرقوس" على القماش.

وانفتح الصالون كذلك على أشكال فنية أخرى، إذ قدّمت مجموعة بن عروس نماذج من المنحوتات والقطع الخزفية، بينما عرض فنانو جزيرة جربة أعمال نقش على الخشب. وتنوعت المواضيع المعروضة أيضاً، بين التعبير عن الخيبة والاحتجاج، كما في لوحة "هرمنا" لأيمن النبيلي، وصولًا إلى الاحتفاء بالفلكلور الموسيقي المحلي، كما في أعمال عبد الحميد حدّان.

وُزّع على الحاضرين في الافتتاح "كاتالوغ" يوثق الأعمال المشاركة وأسماء أصحابها، مع وعد بأن يتحول الصالون إلى موعد نصف سنوي، ما من شأنه أن يتيح فرص عرض أوسع، خاصة للمشاركين من المناطق الداخلية. وهو الهدف الثالث الذي رفعه الصالون: "تقليص الفجوة بين الجهات" والحد من المركزية، التي تمثّل واحدة من أعتى مشاكل القطاع الثقافي التونسي.

لكن، رغم الجهد، فإن معالجة هذه الإشكالية ظلت في اتجاه واحد، حيث جُمعت أعمال من مختلف الجهات، عُرضت جميعها في رواق واحد بالعاصمة، ما يعني أن جمهور العاصمة وحده يستفيد منها، بينما تبقى المناطق الأخرى بعيدة عن هذه التجربة. وبالتالي، لا تزال اللامركزية الثقافية في مجال الفنون التشكيلية عرجاء، تُمارَس ضمن منطق مساومة: إما أن يُتاح لفناني الجهات فرصة المشاركة، أو لجماهيرهم فرصة المشاهدة، أما الجمع بين الاثنين، فيبدو أنه ما زال صعب المنال، حتى في هذه التظاهرة "الكبرى" والأولى من نوعها.

ولئن توفرت النيات الطيبة، فإن التعقيدات اللوجستية والمالية، وغياب البنية التحتية الفنية في المناطق الداخلية (من أروقة عرض، وخدمات نقل، وإقامة)، ما زالت عوائق تحول دون توسيع التجربة أو خوض مغامرات خارج المجال المألوف والمريح.

يكفي أن نشير، على سبيل المقارنة، إلى أن "الصالون الوطني لنوادي الفنون التشكيلية" (لاحظ التشابه في التسمية مجدداً)، الذي نُظم سنة 2024، اختير له المركب الثقافي الدولي في الحمامات. ورغم أنه خارج العاصمة، فإنه يظل في محيطها الجغرافي، ويتمتع منذ عقود بامتيازات ثقافية لا تتوفر لباقي الجهات.

وقد طُرح مقترح في أوساط المتابعين، يدعو إلى تنظيم رحلات مدرسية لزيارة المعرض، كما هو الحال في التظاهرات الكبرى مثل معرض الكتاب، وهي فكرة ذات وجاهة، لولا أنها اصطدمت بانتهاء السنة الدراسية. كما أن غياب القطاع الخاص، والاقتصار على موارد وزارة الثقافة الداخلية، سواء من إدارة الفنون التشكيلية مركزياً أو مندوبياتها جهوياً، يظل أحد العوامل التي تعرقل تطوير هذه التجربة، وتكسر رتابة الأنشطة الثقافية الرسمية.

وهكذا، رغم التسمية الجديدة، تبقى هذه التظاهرة، في جوهرها، لا تختلف كثيرًا عن سابقاتها، سوى في بعض التفاصيل. وإلى حين تجاوز المركزية فعليًا، ستظل صور بهجة الفنانين الشبان على صفحات المندوبيات ودور الثقافة، تغطي، مؤقتًا، على الإشكالات العميقة الكامنة في بنية العمل الثقافي التونسي.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows