كيف تسبب صدمات الطفولة الأمراض في الرحم لاحقاً؟
Arab
2 hours ago
share

كشفت دراسة علمية نُشرت في 11 يونيو/حزيران في مجلة هيومن ريبرودكشن Human Reproduction أن الصدمات النفسية التي تتعرض لها الفتيات في مرحلة الطفولة قد تشكل عاملاً رئيسياً في زيادة خطر الإصابة بمرض الانتباذ البطاني الرحمي في وقت لاحق من حياتهن. اعتمدت الدراسة على تحليل بيانات أكثر من 1.3 مليون امرأة في السويد، وخلصت إلى أن التعرض للعنف في الطفولة يُضاعف احتمالية الإصابة بهذا المرض النسائي المزمن.

يُعد الانتباذ البطاني الرحمي أحد أكثر الأمراض النسائية شيوعاً، إذ تُصاب به نحو امرأة من بين كل عشر نساء. ويحدث عندما تنمو خلايا شبيهة ببطانة الرحم خارج الرحم، على أعضاء مثل المبيضين والمثانة وجدار البطن. وتستجيب هذه الخلايا للهرمونات وتقوم بالنزف خلال الدورة الشهرية، ما يؤدي إلى آلام شديدة والتهابات مزمنة، قد تسبب التصاقات في الأعضاء الداخلية. رغم انتشاره، لا تزال الأسباب الدقيقة للمرض غير واضحة، ما يجعل هذه الدراسة خطوة بالغة الأهمية في فهم العوامل المؤثرة، ولا سيما تلك المتجذرة في مراحل الحياة المبكرة.

وعلّقت المؤلفة الرئيسية للدراسة، الطبيبة وباحثة الدكتوراه في معهد كارولينسكا السويدي، ماركا روستفال، أن النتائج تسلط الضوء على ارتباط محتمل بين الطفولة الصعبة والصحة الجسدية للمرأة لاحقاً.

حلل الباحثون بيانات لنساء وُلدن في السويد بين عامي 1974 و2001، وبلغ عدد المشاركات أكثر من 1.3 مليون امرأة، من بينهن ما يزيد على 24 ألف حالة شُخِّصَت بمرض الانتباذ البطاني الرحمي. واستعان الفريق بسجلات وطنية لتحديد الخلفيات الاجتماعية والنفسية، فشملت عوامل الطفولة المدروسة: وجود أحد الوالدين مصاباً بمرض نفسي، أو يعاني من تعاطي الكحول أو المخدرات، أو من إعاقة عقلية، إلى جانب الفقر، أو إنجاب طفل من قبل والدين مراهقين، أو فقدان أحد أفراد الأسرة، أو التعرض للعنف الجسدي أو الجنسي.

وأظهرت النتائج أن التعرض لواحد فقط من هذه العوامل كفيل بزيادة خطر الإصابة بنسبة 20% مقارنة بمن لم يتعرضن لأي من تلك التجارب. أما النساء اللواتي تعرضن لخمس تجارب سلبية أو أكثر، فبلغت الزيادة لديهن 60%، فيما وصل الخطر إلى أكثر من الضعف لدى من تعرضن للعنف في الطفولة. وقالت روستفال لـ"العربي الجديد": "لاحظنا أن الخطر يرتفع بشكل تراكمي كلما زاد عدد التجارب السلبية. التأثير يظهر بوضوح في النساء اللاتي تعرضن للعنف، وهو ما يجعله من أكثر العوامل تأثيراً في الإصابة بهذا المرض".

لم تقدم الدراسة تفسيراً مباشراً للعلاقة بين الصدمات النفسية المبكرة والانتباذ البطاني الرحمي، لكنها طرحت نظريتين أساسيتين. الأولى تشير إلى أن التوتر النفسي في الطفولة قد يؤثر في الجهاز المناعي، ما يحد من قدرته على التخلص من الأنسجة الشاذة التي تنمو خارج الرحم. أما النظرية الثانية، فتركز على تأثير الصدمات في الجهاز العصبي، ما يزيد من الحساسية للألم، ويجعل النساء أكثر عرضة للإبلاغ عن الأعراض أو تشخيص المرض مبكراً. وأضحت روستفال: "قد تؤثر الصدمات النفسية في آلية تفسير الدماغ للألم، فتجعل الأعراض أكثر حدة، ما يزيد من احتمالية التشخيص. هذه الفرضية تتوافق مع دراسات سابقة تربط بين الطفولة القاسية وأمراض مزمنة في مراحل لاحقة من الحياة".

أشارت الباحثة إلى أهمية هذه النتائج في إعادة النظر بأسلوب التعامل الطبي مع أمراض النساء، موضحة أن الرعاية الصحية يجب أن تنظر إلى المرأة ليس فقط من زاوية الأعراض الجسدية، بل أيضاً من خلال خلفياتها النفسية والاجتماعية. وتقول: "نتائج الدراسة تؤكد ضرورة تطوير استراتيجيات وقائية وعلاجية أكثر شمولاً".

في الختام، تفتح هذه الدراسة باباً مهماً لفهم الانتباذ البطاني الرحمي من زاوية جديدة، تضع تجارب الطفولة في صلب البحث، وتدفع نحو طب أكثر إنسانية يتعامل مع المريض ككل، لا مجرد حالة سريرية.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows