
ينتهي عمل بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) نهاية العام الحالي، بعد 22 عاماً من تأسيسها رسمياً في 14 أغسطس/آب 2003 بموجب قرار مجلس الأمن، عقب الغزو الأميركي للعراق. الخطوة تم تبريرها بانتفاء الحاجة لها، وتقديم الحكومة العراقية طلباً رسمياً بذلك لمجلس الأمن، خلق حالة من الجدل السياسي والحقوقي، وعند الفاعلين في المجتمع المدني في البلاد، الذين يجدون أن العراق لا يزال بحاجة إلى "يونامي" لا سيما في قضايا الحريات والانتهاكات واللجوء والنزوح. إلا أن وجهة النظر الحكومية والأحزاب الداعمة لها، تجد عكس ذلك، معتبرة أن البلاد لم تعد بحاجة إلى مراقبة دولية بعد حالة التعافي التي شهدتها معظم القطاعات الإنسانية وغيرها.
وسبق أن قرّر مجلس الأمن بالإجماع، بناءً على طلب بغداد، سحب بعثته الأممية من العراق نهاية 2025. وفيما تقول بغداد إن هذه الخطوة هي اعتراف أممي باستقرار العراق، فإن مراقبين وأعضاء من مجلس النواب، أكدوا أن انسحاب بعثة "يونامي" يعني تفشي السلاح وتقويته لدى الفصائل المسلحة والمليشيات على حساب أمن العراقيين واستقرارهم وطموحاتهم.
عدم الحاجة لاستمرار بعثة "يونامي"
وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قد تحدث عبر رسالة إلى مجلس الأمن، العام الماضي، عن "تطورات إيجابية ونجاحات"، طالباً إنهاء مهمة البعثة الأممية. وجاء في رسالة السوداني: "أوضحنا للفريق (الأممي) موقف الحكومة العراقية بشأن عدم الحاجة لاستمرار بعثة "يونامي" مع التأكيد على أهمية التعاون مع الوكالات الدولية المتخصصة العاملة في العراق، والبالغة 22 وكالة دولية، وفق آلية المنسق المقيم. توصلنا إلى نتيجة بعدم الحاجة لاستمرار البعثة الأممية في العراق، وندعو إلى إنهاء ولايتها بشكل نهائي بتاريخ 31 ديسمبر/ كانون الأول 2025".
محمد الصيهود: الأوضاع الهادئة التي يمر بها العراق تستدعي إنهاء دور يونامي
وتشكلت "يونامي" عقب غزو العراق في 2003، ومقرها في المنطقة الخضراء شديدة التحصين في بغداد، للمساعدة في تطوير المؤسسات العراقية ودعم الحوار السياسي والانتخابات وتعزيز حقوق الإنسان. وتضمنت ولايتها، التي تم تعزيزها في 2007 وتجديدها سنوياً، دعم الحكومة لإجراء حوار سياسي شامل ومصالحة وطنية، وتنظيم الانتخابات أو إصلاح قطاع الأمن. ومنذ الاحتلال الأميركي بدأت حكومة العراق في اتخاذ خطوات لإنهاء عمل عدة بعثات دولية، من بينها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، الذي أنشئ في 2014 للتصدي لتنظيم "داعش"، فضلاً عن مهمة الأمم المتحدة التي تشكلت للمساعدة في تعزيز المساءلة عن جرائم الجماعة المتشددة. وعملت البعثة الأممية ضمن نطاق مهام سياسية واجتماعية وتنموية وأمنية مختلفة، بموجب قرار مجلس الأمن عام 2003 المرقم 1500، بالتزامن مع احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة.
ولاقت بعثة "يونامي" انتقادات واسعة خلال السنوات الماضية، بسبب ما اعتبر دوراً خجولاً أو محابياً لقوى سياسية وفصائل مسلحة متورطة بانتهاكات حقوقية واسعة في البلاد، وهو ما تنفيه البعثة بطبيعة الحال، لا سيما في فترة تسلم جينين بلاسخارت رئاسة البعثة (2018 ــ 2024) التي اتُهمت بأنها أخفقت في مراقبة ملفات مهمة ومتابعتها، مثل الفساد والانقسامات والإفلات من العقاب والتدخل غير المبرر في وظائف الدولة والجهات المسلحة التي تعمل خارج سيطرة الدولة، وتقوية علاقتها الوظيفية والخاصة حتى أصبحت صديقة لزعماء الأحزاب وقادة الفصائل المسلحة.
ووفق المتحدث باسم البعثة الأممية، سمير غطاس، ففي "نهاية هذا العام ستنتهي أعمالنا (البعثة) في العراق، ولا توجد أية مباحثات لتجديد المدة، حيث تم اتخاذ القرار النهائي"، مؤكداً، في تصريح صحافي أخيراً، أن "عدداً من الموظفين الذين يتطلب وجودهم لإنهاء بعض الأمور المالية والإدارية سيبقون بعد انتهاء المدة، وأن المؤسسات التنموية الأممية، والبالغ عددها 23 مؤسسة، ستبقى وستستمر أعمالها في العراق".
وتواصل "العربي الجديد"، مع مصدرين اثنين يعملان في البعثة، فقالا إن الطلب العراقي بإنهاء عمل "يونامي" لم يأت بسبب مشكلات ما بين البعثة والحكومة العراقية أو بقية السلطات في البلاد، بل من شعور هذه السلطات بأن عملية التحول الديمقراطي في العراق تسير وفق الرؤية العراقية الجديدة، وأن العراق قد تغلب على معظم التحديات، وما بقي تحت سيطرة مُحكمة من قبل السيادة العراقية، وبالتالي فإن مبررات وجود البعثة أو أسبابه انتهت تقريباً. وأضافا أنه لا تزال بعض الملفات المرتبطة بالنازحين غير مكتملة، وأوضحت البعثة هذا الأمر للسوداني، إلا أن الأخير كانت له وجهة نظر ثابتة بأن حكومته قادرة على إتمام هذه الملفات.
ولفت المصدران إلى أن العراق يشهد استقراراً أمنياً وتقدماً خدمياً وعمرانياً، وعلى صعيد الاجتماعي، فإن الظواهر الاجتماعية الصعبة والحساسة متجهة نحو التراجع، بضمنها المخدرات التي تراجع تأثيرها وانتشارها كثيراً بعد سقوط نظام بشار الأسد، بالإضافة إلى الخطط الأمنية والصحية العراقية لمحاربة هذه الظاهرة، لكن بعض القضايا الإنسانية والحقوقية في وضع حساس، خصوصاً بعد إقرار تعديل قانون الأحوال الشخصية الذي اعتبرته البعثة إجحافاً بحق النساء العراقيات بمسائل تتعلق بالإنفاق المالي على المطلقات وسلب حق الحضانة من الأم.
وستتم عملية إنهاء أعمال "يونامي" في العراق بشكلٍ تدريجي ومنظم كما سيتم نقل المهام المتبقية إلى الوكالات والبرامج الأخرى التابعة للأمم المتحدة العاملة في العراق، أو إلى المؤسسات الحكومية العراقية المعنية، في حين أن الأمم المتحدة ستظل ملتزمة بدعم العراق وشعبه في جهود تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة وتعزيز حقوق الإنسان، ودعم العملية السياسية، وتقديم المساعدة الإنسانية، ومراقبة حقوق الإنسان، وتقديم المشورة للحكومة العراقية في مختلف المجالات، وذلك من خلال وكالاتها وبرامجها المتخصصة، وذلك بحسب بيانات سابقة صدرت عن "يونامي".
ابتسام عمران: اختفاء دور يونامي سيؤدي لصعود نجم قوى السلاح
والأسبوع الماضي، قدّم الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق محمد الحسان، إحاطة أمام مجلس الأمن في نيويورك خلال اجتماعه الدوري. وقال الحسان إنه "بقي أقل من ستة أشهر على انتهاء يونامي. أود أن أؤكد لأعضاء المجلس أنّ البعثة تواصل سعيها نحو انتقال منظم وفقاً للجدول الزمني وبالتعاون الوثيق مع فريق الحكومة العراقية الانتقالي". وأكد "إغلاق مكاتب البعثة في الموصل وكركوك، وكذلك العمل على تقليص أعداد موظفي الأمم المتحدة تدريجياً، سعياً لتحقيق التوازن بين تخفيض عدد أفراد البعثة واستمرار المهام الموكلة إليها". وأشار إلى أن العراق "على الطريق الصحيح نحو انتخابات برلمانية وطنية أخرى، المقرر إجراؤها في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2025"، مؤكداً أن "عودة أكثر من 800 عراقي قبل أيام من مخيم الهول شمال شرقي سورية إلى "مركز الأمل" في العراق، يُجسّد التزام الحكومة بتسريع عملية عودة مواطنيها، ومن الضروري استثمار الموارد الكافية لدعم إعادة إدماج العائلات العائدة بكرامة". كما تحدث عن أوضاع الأيزيديين في العراق، لافتاً إلى أن "مئات الآلاف من الأفراد، معظمهم من الأيزيديين من سنجار، يعيشون بمستوطنات عشوائية في إقليم كردستان، بينما لا يزال أكثر من 180 ألف شخص يعيشون في مخيمات في ظروف محفوفة بالمخاطر".
الصيهود: العراق لم يعد بحاجة لمراقبة من العالم
من جهته، اعتبر عضو البرلمان العراقي محمد الصيهود، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "العراق تعافى ولم يعد بحاجة للمراقبة الجادة من العالم، لأن العراق لم يعد ساحة صراع أو غابة وحوش ويستعيد عافيته بشكلٍ تدريجي، والمزاج السياسي العام يرفض الوصاية في الملفات الداخلية، بما فيها الوضع السياسي والاجتماعي والظواهر السلبية التي بات العراقيون يعرفون آليات التعامل معها". وأضاف أن "يونامي كان لها دور كبير في المساعدة بمعالجة مشكلات النازحين في المخيمات الداخلية والخارجية، كما تدخلت على خطوط سياسية هامة وأسهمت بتهدئة بعض المواقف بالتدخلات الإيجابية، لأن الأوضاع الهادئة التي يمر بها العراق، ونعتقد بأنها ستستمر، تستدعي إنهاء دور يونامي".
أما الناشطة العراقية ابتسام عمران فلفتت إلى أن "تراجع دور يونامي الأممي في العراق ثم اختفاءه، سيؤديان إلى صعود نجم الجهات التي كانت لا تستطيع أن تنفذ بعض المخططات في العراق، ومنها قوى السلاح التي تريد أن تسيطر على القرار الحكومي والبرلماني، وللأسف هذا الانتهاء يتزامن مع استمرار غياب مفوضية حقوق الإنسان، بالتالي فإن المراقبة المحلية والدولية على الملفات الحقوقية ستكون غائبة".
ولفتت، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "يونامي عملت في السنوات الماضية على خطوط صعبة جداً، ومنها الوصول إلى حالات تهدئة مع الفصائل المسلحة التي كانت تستهدف المصالح الأميركية، بالإضافة إلى الإشراف على عمليات نقل النازحين في مخيم الهول السوري إلى مخيم الجدعة العراقي وتأهيلهم ومن ثم إعادة دمجهم في المجتمع، ناهيك عن قضايا المناخ والحصص المائية ودعم الحركات المدنية والاحتجاجية والتوسط لحل مشكلات المجتمع المدني، لذلك فإن العراق سيفتقد هذا الدور في المستقبل".

Related News

