
يطاول التهديد الإسرائيلي باستهداف المفاعلات النووية الإيرانية ملايين الأشخاص بإيران ودول الجوار ويخشى كثيرون حدوث تلوث إشعاعي ينذر بكارثة "تشيرنوبيل" شرق أوسطية
يحبس العالم أنفاسه خشية تطور القصف المتبادل بين إيران وإسرائيل إلى كارثة نووية في حال قرر جيش الاحتلال أو الإدارة الأميركية الإجهاز على البرنامج النووي الإيراني، وإمكانية رد إيران بقصف مفاعل ديمونا الإسرائيلي، ما يهدد بتسرب كميات كبيرة من الإشعاع الذري، ويهدد سلامة الملايين في الدول المجاورة.
ويخشى المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، من "احتمال حدوث تلوث إشعاعي وكيميائي داخل منشأة التخصيب النووي الإيرانية الرئيسية في نطنز" بمحافظة أصفهان (وسط)، رغم أن مستويات الإشعاع خارج المنشأة لا تزال ضمن الحدود الطبيعية في الوقت الحالي"، بينما يتذكر كثيرون كارثة انفجار مفاعل "تشيرنوبيل" التي تعد أسوأ كارثة نووية شهدها العالم رغم انقضاء 39 عاماً على الواقعة.
وحذّر غروسي خلال اجتماع طارئ مغلق لمجلس محافظي الوكالة الدولية في فيينا، من أن "استمرار هجمات إسرائيل على المنشآت النووية الإيرانية، خاصة منشأة التخصيب في نطنز، قد يؤدي إلى تلوث إشعاعي وكيميائي، رغم عدم وجود خطر فوري حاليّاً".
ويؤكد مدير الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية، بلال نصولي، في اتصال مع "العربي الجديد"، أنه "لم يتم رصد أي إشعاعات غير طبيعية حتى 16 يونيو/حزيران. عقدنا اجتماعاً لشبكة الرصد الإشعاعي البيئي والإنذار المبكر التابعة للهيئة العربية للطاقة الذرية، والتي تضم 14 دولة، واتّضح أن الدول العربية لم ترصد أي إشعاع غير مألوف، سواء الدول القريبة من مفاعل (ديمونا) النووي في إسرائيل، أو من مفاعلات بو شهر ونطنز وأصفهان في إيران، وتم الاتفاق على تعميم أي رصد بشكل مباشر، وتبادل المستجدات عبر الشبكة من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة".
ويلفت إلى أنه "حال حصول أي تسرّب نووي في إيران، فإن أول الدول المتضررة ستكون دول الخليج، بحكم موقعها الجغرافي، وستتفاوت الأضرار بحسب نوعية وكمية التلوث، وحال حصول تسرب بمفاعل ديمونا، فإن أول المتضررين سيكونون سكان الأردن والضفة الغربية. لكن تلك المفاعلات تتّسم بدرجة أمان عالية. هناك نحو 450 مفاعلاً نووياً حول العالم، والحوادث التي وقعت فيها محدودة للغاية، وكارثة تشيرنوبيل كانت بسبب خطأ بشري، وحادثة مفاعل فوكوشيما وقعت بسبب أمواج المد العاتية (تسونامي) التي ضربت محطات الكهرباء وأوقفت التبريد. نحن اليوم أمام تكنولوجيا أكثر أماناً، ومعايير أكثر تشدداً تشترطها الوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل الموافقة على بناء مفاعل نووي تشمل آلية صارمة من 19 مرحلة لضمان السلامة".
يتابع نصولي: "وقّعت إيران على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، والبروتوكول الإضافي المرتبط بها، والعديد من المعاهدات المتعلقة بالسلامة النووية والطوارئ الإشعاعية، كما يواظب خبراء الوكالة الدولية على زيارة المفاعل النووية الإيرانية لتقييم السلامة ومراقبة الضمانات. لكن الخشية تبقى من إسرائيل، كونها لم توقّع على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، ونشاطها النووي لا يزال خارج إطار المراقبة الدولية".
بدوره، يطالب نائب رئيس هيئة الطاقة النووية المصرية السابق، علي عبد النبي، بتحرك عربي سريع لطلب ضمانات من مجلس الأمن، ومن الولايات المتحدة الأميركية، تضمن عدم قيام إسرائيل بضرب المفاعلات النووية الإيرانية، خصوصاً مفاعل بوشهر، محذراً من الاندفاع الإسرائيلي المتأثر بالرد الإيراني القوي إلى اتخاذ إجراء منفرد لضرب المفاعلات الإيرانية، ما يهدد المصالح العربية، خصوصاً في دول الخليج التي تعتمد بشكل كبير على تحلية مياه الخليج، وتقوم اقتصاداتها على إنتاج النفط، ما يحيل تلك الحرب إلى كارثة إقليمية مع تسرب المواد المشعة في الهواء والماء وإلى باطن الأرض.
ويوضح عبد النبي أنه "رغم تكرار الاعتداءات الإسرائيلية على مراكز إنتاج وتخصيب اليورانيوم في منشآت نطنز وفوردو في وسط إيران، فإن هذه المراكز المعملية التي تحتوى على معدات تخصيب تصدر مواد إشعاعية ضعيفة، لكنها في نفس الوقت شديدة السمية، وهذ المواد السامة التي تنطلق مع الإشعاع ثقيلة نسبياً، ما يجعلها تهبط إلى الأرض بسرعة حال تعرض المكان المخزنة به إلى انفجار، لكن يظل أثرها محدوداً، ولا تحدث انفجارات نووية، كما لا تتحول من بلورات ثقيلة عالقة في الهواء إلى غاز إلا إذا زادت درجة حرارتها عن 56 درجة مئوية".
ويؤكد أن "تدمير معدات الطرد المركزي الموجودة في نطنز وفوردو يشكل خسائر كبيرة للمشروع النووي الإيراني لصعوبة تعويض الكوادر والمعامل، لكنه لن يشكل تهديداً لكل الأراضي الإيرانية، ولا لدول الخليج البعيدة عن مناطق التفجير، وفي حالة تفجير المفاعل الإسرائيلي في صحراء النقب، والواقع على مسافة 60 كيلومتراً من الحدود المصرية (في سيناء)، سيمثل ذلك مخاطر على الأردن، وعلى الأراضي الفلسطينية المحتلة الواقعة في نطاق حركة الرياح، وحال تسرب الإشعاع النووي إلى طبقات الجو العليا أو باطن الأرض، يمكن أن تزحف الإشعاعات إلى داخل الأراضي المصرية".
وخلال اجتماع طارئ، حذّر المجلس الوزاري الخليجي من أن "أي تصعيد يطاول المنشآت النووية في إيران، ستكون له آثار محتملة على البيئة الإقليمية، وإمكانية تعطيل حركة التجارة، ونقل الطاقة، وتهديد سلامة الممرات الملاحية".
بدوره، أكد رئيس هيئة الرقابة الإشعاعية والنووية المصرية، سامي شعبان، في تصريح صحافي، عدم تأثير أي مشكلات نووية في إيران على مصر، في حين يظل التهديد قائماً من المنشآت النووية الإسرائيلية في صحراء النقب.
والسبت الماضي، شكلت الحكومة العراقية غرفة طوارئ نووية، خاصة وأن منشأة نطنز الإيرانية لا تبعد سوى نحو 400 كيلومتر عن الحدود العراقية، وعقدت الهيئة الوطنية للرقابة النووية والإشعاعية، اجتماعا طارئاً لتقييم المستوى الأمني والفني للتداعيات، ومراجعة مؤشرات السلامة الإشعاعية من خلال تقارير منظومات الرصد الاشعاعي. كذلك، فإنّ المسافة بين محطة بوشهر الكهروذرية، أقرب بكثير إلى المدن والعواصم الخليجية من طهران.
تقول عضو لجنة البيئة النيابية في لبنان، نجاة صليبا، لـ"العربي الجديد": "تبقى الوكالة الدولية للطاقة الذرية هي المرجع العلمي المعتمد، كونها تمتلك مراصد للإشعاعات، وهي من يحدد الاحتمالات والسيناريوهات والتوصيات التي يجب على الدول الالتزام بها. باعتباري متخصصة في الكيمياء التحليلية ونوعية الهواء، أدعو إلى عدم إثارة الذعر، والتركيز على رصد الإشعاعات، والتواصل مع البلدان المجاورة لمقارنة الأرقام، ومع المنظمات الدولية المعنية لرفع الجهوزية، فمضاعفات الإشعاعات النووية تطاول كل جوانب الحياة، ومن المهم توعية الأفراد، وحثّهم على الالتزام بالإرشادات الرسمية".
وتضيف صليبا: "إضافة إلى المنشآت النووية، هناك منشآت نفطية وصناعية يؤدي استهدافها إلى نشر التلوث، خصوصاً معامل استخراج الأمونيا وتخزينها في إسرائيل. كل خطر كيميائي أو إشعاعي في إسرائيل سيؤثر على لبنان، بينما نبعد عن إيران آلاف الكيلومترات، وفي حال حصول تسرب إشعاعي في إيران، فإن الدول الأكثر قرباً هي الأكثر تضرراً، ومن الضروري وضع خطة جاهزة للتنفيذ".
وفي 16 يونيو/حزيران الماضي، كشف "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام" أن "الدول المسلحة نوويّاً في العالم، وهي الولايات المتحدة وروسيا والمملكة المتحدة وفرنسا والصين والهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل، تعزّز ترساناتها النووية، وتنسحب من اتفاقيات الحد من التسلح، ما يؤسّس لحقبة جديدة من التهديد"، مؤكداً أن "نحو 2100 من الرؤوس الحربية الجاهزة للاستخدام وُضعت في حالة تأهب قصوى للتشغيل على صواريخ باليستية، وغالبيتها في الولايات المتحدة أو روسيا".
وتتواصل آثار الكوارث النووية لقرون، وهي خير شاهد على كون الطاقة النووية نعمة ونقمة في ذات الوقت، فرغم أنها مصدر نظيف ومستدام للطاقة، على خلاف الوقود الأحفوري، إلا أن مخاطرها مدمرة. وفي عام 1990، صمّمت الوكالة الدولية للطاقة الذرية المقياس الدولي للأحداث النووية والإشعاعية "إينيس"، والذي يُصنّف كل الكوارث النووية عبر سبعة مستويات، إذ تشير الدرجة الأولى (الأضعف) إلى "حالة شاذة"، بينما يشير المستوى السابع إلى حادثة كبيرة.
ورصد موقع "وورلد أتلاس" أخطر 10 كوارث نووية تاريخية، والتي بلغت جميعها المستوى الرابع أو أكثر على مقياس "إينيس"، وهي كارثة تشيرنوبيل (أوكرانيا) في 1986، والتي صنفت في المستوى السابع، ومثلها كارثة فوكوشيما (اليابان) في عام 2011، وتضم القائمة حادثة مدينة كيشتيم الروسية في عام 1957، في المستوى السادس، وحوادث ويندسكيل في المملكة المتحدة عام 1957، ومحطة ثري مايل آيلاند في الولايات المتحدة عام 1979، ومختبرات "تشوك ريفر" في كندا عام 1952، وياسلوفسكي بوهونيس (تشيكوسلوفاكيا) عام 1977، ومفاعل "إس إل-1" في الولايات المتحدة عام 1961، وحادثين في مفاعل سان لوران (فرنسا) الأول عام 1969، والثاني في عام 1980، وفي المركز الأخير بقائمة أخطر 10 كوارث نووية، تأتي كارثة توكيمورا في اليابان عام 1999.

Related News



