من الملاجئ إلى القبة الحديدية... عن عنصرية نظام الحماية في إسرائيل
Arab
5 hours ago
share

في 15 يونيو/ حزيران 2025، خرج رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو معلقاً على مقطع مصور أظهر مجموعة من الإسرائيليين يحتفلون بسقوط ضحايا من الفلسطينيين بعد إصابة مبنى بشكل مباشر بصاروخ أطلق من إيران على بلدة طمرة العربية، قائلاً إن "الصواريخ لا تفرّق بين اليهود والعرب"، في تصريح أثار غضباً في المجتمع العربي بالداخل الفلسطيني، إذ إن رئيس الحكومة، المطلوب للعدالة الدولية بسبب جرائم الحرب التي ارتكبها بحق المدنيين في قطاع غزة، تجاهل بوضوح أن نظام الحماية في إسرائيل لا يتعامل مع الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء، ففي حين تتمتع المجتمعات اليهودية بشبكة شاملة من الملاجئ المحصنة الثابتة والمتنقلة، تعاني البلدات العربية من نقص حاد في هذه المرافق الحيوية، ما يترك الفلسطينيين عرضة لخطر الحروب التي يشعلها نتنياهو وحكومته دون حماية.

من نظام القبة الحديدية، الذي يصنف المناطق العربية في النقب مناطق مفتوحة يمكن إسقاط الصواريخ فوق رؤوس سكانها، إلى سياسة توزيع الملاجئ التي تهمش المناطق العربية على حساب توزيع مزيد من الملاجئ والمناطق المحصنة في مناطق التجمعات الإسرائيلية، ينتهج نظام الحماية في إسرائيل سياسة ممنهجة تقوم على تصنيف الأرواح وترتيبها في سلم أولويات عنصري واضح. هذا النظام لا يكتفي بالتمييز في توفير الحماية، بل يمضي أبعد من ذلك ليعتبر المناطق العربية، مناطق يمكن التضحية بسكانها في سبيل حماية المستوطنات والمجتمعات اليهودية.

نقص حاد في الملاجئ والمنشآت الوقائيّة

لم تكن حادثة بلدة طمرة منفصلة عن سياق واسع من هذه العنصرية التي تتبعها إسرائيل تجاه الفلسطينيين في الداخل، فقد أسفرت حالات شبيهة عن سقوط ضحايا لم تكن هناك أي ملاجئ موجدة لخدمتهم في مئات البلدات العربية. مساء الخامس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول 2024، أسفرت صواريخ أطلقت من حزب الله في لبنان عن مقتل شخص يبلغ من العمر 22 عاماً وسيدة تبلغ من العمر 25 عاماً في بلدة مجد الكروم العربية، فيما أصيب أكثر من 27 آخرين، في حادثة كشفت بوضوح أن نظام الحماية في إسرائيل يتعمد تهميش وإهمال حياة الآلاف من الفلسطينيين الذين يعيشون تحت حكم دولة الاحتلال، من خلال حرمانهم من أنظمة الحماية الخاصة بالحروب.

في حين تتمتع المجتمعات اليهودية بشبكة شاملة من الملاجئ المحصنة الثابتة والمتنقلة، تعاني البلدات العربية من نقص حاد في هذه المرافق الحيوية

بعد تلك الحادثة، عممت الهيئة العربية للطوارئ بياناً قالت فيه إن "ما حدث في مجد الكروم، يعكس تماماً حجم ونتائج سياسات التهميش والإهمال التي تعانيها البلدات العربيّة، والتي تتمثّل بالنقص الحادّ في أعداد الملاجئ والمنشآت الوقائيّة وأدوات التعامل مع حالات الطوارئ، بسبب غياب الدعم الحكومي"، في بيان لم يشر فقط إلى بلدة مجد الكروم بقدر ما كان يشير إلى بلدات عربية كثيرة تعيش في ظل هذه الحرب دون أدوات حماية أساسية من الصواريخ التي تستهدف إسرائيل أو من شظايا القبة الحديدة. إذ تشير عدة دراسات مسحية، أجرتها جهات عربية في الداخل الفلسطيني، إلى أن جزءاً كبيراً من البلدات العربية لا يوجد فيها ملاجئ عامة بتاتاً، فيما يوجد ملجأ واحد في بلدات أخرى، ويكون داخل المدارس أو رياض الأطفال أو الحضانات، وهو ما يصعّب عملية الوصول إليه. وتظهر النتائج أن 87% من الملاجئ العامة في البلدات العربية موجودة داخل مؤسسات تربوية - تعليمية مختلفة.

وكشف تقرير نشره معهد الديمقراطية الإسرائيلي أن البلدات العربية في إسرائيل تفتقر إلى الهياكل الوقائية، تحديداً عند مقارنتها بالبلدات اليهودية. وقالت ليتال بيلر، وهي مؤلفة التقرير، إن "الافتقار إلى الهياكل الوقائية والتفاوت بين البلدات العربية واليهودية في هذا الصدد يجبر السكان العرب على العيش في حالة من الخطر الدائم، وبالتالي المساس بحقوقهم الأساسية في الحياة، والرفاهية الجسدية، والمساواة". وأضاف التقرير أن الدولة لم تستكمل بعد حماية البلدات العربية من خطر إطلاق الصواريخ والقذائف، على الرغم من القرارات والخطط المختلفة المتفق عليها"، مؤكداً أنه لا تزال هناك "فوارق كبيرة في توفير الهياكل الوقائية في هذه البلدات".

هذه العقلية تحوّل التكنولوجيا العسكرية نفسها، من القبة الحديدية إلى خوارزميات تحديد المناطق المستهدفة، إلى أدوات لتنفيذ مشروع الإبادة البطيئة والانتقائية

وكان مراقب الدولة في إسرائيل قد نشر تقريراً حول نظام الحماية في إسرائيل أظهر أن حوالي 15% من جميع السكان الذين يعيشون على بعد 9 كيلومترات من الحدود الشمالية غير محميين بشكل صحيح، 60% منهم هم من الفلسطينيين. كما أوضح التقرير أن هذه التناقضات ليست جديدة، إذ إنه بحلول عام 2018، كان هناك 11 بلدة فقط من أصل 71 بلدة عربية سلط التقرير الضوء عليها لديها ملاجئ عامة، أما باقي البلدات فلم تكن تحتوي على أي مكان للحماية، كما أن ثلاث بلدات من أصل 11 بلدة كان فيها ملجأ واحد فقط لجميع السكان.

وبالإضافة إلى البلدات العربية في الشمال، فإن البلدات العربية جنوب دولة الاحتلال الإسرائيلي، ومنها منطقة النقب، تفتقر إلى أي نظام حماية، حيث أشار تقرير مراقب الدولة إلى أن الفلسطينيين الذين يعيشون في جنوب إسرائيل "والموجودين بالقرب من منشآت عسكرية حساسة"، لا يتمتعون بالقدرة على الوصول إلى المساحات الآمنة والملاجئ. على سبيل المثال، فإن بلدة رهط التي تبعد حوالي 30 كيلومتراً من قطاع غزة ويسكنها حوالي 80 ألف شخص، لا يوجد فيها أي ملجأ عام"، فيما يوجد داخل بلدة أوفاكيم الإسرائيلية، التي تبعد أيضاً حوالي 30 كيلومتراً عن غزة ويبلغ عدد سكانها حوالي 40 ألف نسمة، عشرات الملاجئ العامة. كذلك، أكد التقرير أن حوالي 120 ألفاً من سكان 35 بلدة عربية ليس لديهم أي حماية على الإطلاق من الصواريخ أو شظايا صواريخ القبة الحديدية.

القبة الحديدة وآلية تحديد المناطق المفتوحة

في الأيام الأولى من بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، نشر المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي بياناً مقتضباً قال فيه إن صاروخاً أطلق من قطاع غزة سقط في مناطق مفتوحة. ساعات قليلة بعد هذا الإعلان حتى انتشرت صور على وسائل التواصل الاجتماعي أظهرت أن هذا الصاروخ سقط على مركبة فلسطينية في بلدة عربية داخل منطقة النقب جنوب إسرائيل. لم يكن إعلان المتحدث باسم الجيش حينها خطأً تقنياً، وإنما كان يشير بالفعل إلى آلية عمل عنصرية ينتهجها نظام الحماية في إسرائيل تجاه الفلسطينيين في الداخل، إذ كانت عشرات القرى الفلسطينية التي لا تعترف فيها إسرائيل هي مناطق مفتوحة بالنسبة لنظام القبة الحديدية المصمم خصيصاً لاعتراض هذه الصواريخ، وهو ما يعني أن النظام يعمل على إسقاط الصواريخ فيها.

برز اسم القبة الحديدية خلال كل الحروب التي خاضتها إسرائيل خلال الأعوام الماضية، وبدأ هذا النظام في العمل عام 2011، لكن عملية تطويره بدأت قبل هذا بسنوات، عندما وُكلت مؤسسة رافائيل الدفاعية المتقدمة المحدودة المملوكة لدولة الاحتلال بدعم من الولايات المتحدة بتطوير هذا النظام لمواجهة نيران الصواريخ خلال حرب عام 2006 مع حزب الله. كما أن نظام القبة الحديدية على عكس أنظمة الدفاع الجوي المصممة لإيقاف الصواريخ الباليستية، فإنه يعمل على استهداف الصواريخ غير الموجهة التي تبقى على ارتفاعات منخفضة. وُصفت القبة الحديدية في بداية الأمر بأنها توفر تغطية تكفي لمدينة ضد صواريخ يتراوح مداها بين أربعة كيلومترات و70 كيلومتراً، لكن خبراء قالوا إن هذا المدى توسع منذ ذاك. وتكلف أنظمة الاعتراض الإسرائيلية لإسقاط التهديدات القادمة ما بين عشرات الآلاف وملايين الدولارات. وكانت إسرائيل قبل الحرب الحالية تطور نظاماً يعمل بالليزر لدرء مخاطر صواريخ العدو وطائراته المسيرة بكلفة تقديرية تبلغ دولارين فقط لكل عملية اعتراض.

يُعرّف جيش الاحتلال منظومة القبة الحديدة على موقعه الرسمي بأنها "منظومة دفاعية تعمل من خلال رادارات بالغة الحساسية، ترصد الصاروخ الذي يطلق على إسرائيل، وتتمتع بالقدرة على معرفة اتجاهه ومكان ووقت سقوطه. فإذا بدا أنه سيسقط في منطقة مفتوحة، يترك ليكمل طريقه. ولكن إذا تبين أنه سيسقط في منطقة مأهولة أو حساسة، فإن المنظومة تطلق باتجاهه صاروخاً إسرائيلياً مضاداً، فيفجره وهو في الجو".

لا تكتفي إسرائيل بالقتل المباشر أو التهجير الجماعي، بل تخلق منظومة "الموت المُبرمج"، موت محسوب ومُدار تكنولوجياً، يحدث تحت غطاء الدفاع عن النفس والحماية المدنية

وبحسب التقارير الإسرائيلية، فإن نظام القبة الحديدية يعمل من خلال أربع خطوات رئيسية، إذ يقوم أولاً برصد الهدف، وثانياً يعمل على تحديد اتجاه الصاروخ أو الجسم بشكل أولي، فيما يقوم ثالثاً بتقييم خطورة الصاروخ، وفي حال كان في طريقه لإصابة منطقة مأهولة بالسكان يعمل على إسقاطه في الخطوة الرابعة والأخيرة، أما إذا كان الأمر غير ذلك، يتجاهل النظام الصاروخ، ويسمح له بالسقوط دون ضرر. وفي حال توقع النظام أن الصاروخ في طريقة إلى مساحات مأهولة، يعمل على إسقاطه في الهواء فوق المناطق المفتوحة. لكن هذا النظام المصمم خصيصى لـ"حماية المدنيين"، يصنف تجمعات فلسطينية واسعة على أنها مناطق مفتوحة، وهو ما يعني أن نظام القبة الحديدية قد يتجاهل الصواريخ الموجهة إلى تلك المناطق، أو أنه قد يسقط صواريخ أخرى فيها. على سبيل المثال، فإن أبرز تلك المناطق هي التجمعات البدوية في منطقة النقب جنوبي فلسطين المحتلة، التي تصنفها إسرائيل تجمعات "غير قانونية"، وتعمل على هدمها من حين إلى آخر.

ويوجد في النقب أكثر من 40 قرية غير معترف بها، يعيش الفلسطينيون فيها داخل خيام ومنازل مصنوعة من أدوات بسيطة، ويحرمون من كل الخدمات، وتحاول السلطات الإسرائيلية بين فترة وأخرى هدم ومصادرة بعض المناطق التي يعيشون فيها، ومنذ بدء الحرب الحالية على غزة، تضررت منازل ومركبات عدد كبير منهم بفعل الصواريخ التي تستهدف إسرائيل أو من شظايا الصواريخ الاعتراضية التي تطلقها القبة الحديدية فوق هذه المناطق.

عنصرية نظام الحماية في إسرائيل

ما تكشفه هذه البيانات والمشاهد حول نظام الحماية في إسرائيل يتجاوز مجرد التمييز في توزيع الملاجئ أو آليات عمل القبة الحديدية، ليضعنا أمام منظومة كاملة تُصنف الأرواح وفقاً لقيمتها الاستراتيجية والعنصرية داخل المشروع الاستعماري. فالفلسطينيون في هذا السياق لا يُعاملون كبشر لهم حق في الحياة. هذه العقلية تحوّل التكنولوجيا العسكرية نفسها، من القبة الحديدية إلى خوارزميات تحديد المناطق المستهدفة، إلى أدوات لتنفيذ مشروع الإبادة البطيئة والانتقائية.

هذا النموذج يمثل تطوراً متقدماً في تقنيات الهيمنة الاستعمارية، حيث لا تكتفي السلطة بالقتل المباشر أو التهجير الجماعي، بل تخلق منظومة "الموت المُبرمج"، موت محسوب ومُدار تكنولوجياً، يحدث تحت غطاء الدفاع عن النفس والحماية المدنية. هكذا تصبح كل قذيفة تسقط على رأس فلسطيني في منطقة "مفتوحة" ليست مجرد "ضرر جانبي"، بل نتيجة حتمية لخوارزمية مصممة لإعادة إنتاج علاقات القوة الاستعمارية تحت قناع التقدم التكنولوجي والكفاءة العسكرية.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows