
تنذر شظايا الحرب المتطايرة بين إسرائيل وإيران بصراع أوسع في المنطقة، تطاول أضراره حتما الاقتصاد التركي، ولا سيما قطاعات السياحة والتصدير والاستهلاك، وسط احتمالات حدوث حالات هجرة من إيران، مع ما يفاقم التضخم العنيد الذي تكافح السلطات لتحجيمه منذ سنوات.
ولم تتجلَّ آثار الحرب الإسرائيلية الإيرانية، عملياً، على الاقتصاد التركي، عدا تراجع عدد السياح خلال الأيام الماضية وإلغاء الحجوزات كما يقول محموت آلتن باش، وهو صاحب شركة سياحية في إسطنبول، لـ"العربي الجديد". فأسعار السلع والمواد الاستهلاكية لم تتبدل، خلال الأيام الأربعة للحرب الإسرائيلية الإيرانية، كما لم تتراجع العملة التركية المتذبذبة بالأساس، لتستقر عند نحو 40 ليرة مقابل الدولار. لكن المخاوف تتسرب للكثيرين من اتساع دائرة الحرب ما يكون لها تداعيات ملموسة خلال الفترة المقبلة.
ويقول المحلل الاقتصادي التركي وعضو حزب العدالة والتنمية الحاكم، باكير أتاجان، إنه لا يمكن النظر "بسطحية" لآثار ما يجري حولنا، لأنها ستطاول الاقتصاد التركي، حتى لو لم تدخل تركيا أو تتدخل في الصراع، لأن الحرب اليوم ستؤثر على أسعار النفط وتركيا تستورد أكثر من 95% من احتياجاتها من الخارج، وتؤثر على أسعار المواد الأولية بسبب صعوبة النقل ومخاطره وتؤثر على الصادرات التي تأخذها تركيا على أنها أحد أهم روافع اقتصادها والمأمول أن تزيد هذا العام عن 265 مليار دولار.
وتزيد فاتورة واردات تركيا من الطاقة عن 50 مليار دولار سنوياً. ولروسيا النصيب الأكبر من تلك الواردات بنسبة تبلغ نحو 33.6%، تتبعها أذربيجان بنسبة 21.2%، وإيران بنسبة 17.1%، وفق البيانات الرسمية. وترفع الفاتورة المتزايدة للطاقة من أعباء الإنتاج وبالتالي أسعار السلع النهائية، فيما يعد التصدير بجانب عائدات السياحة من أبرز روافد الاقتصاد التركي.
ووفق أتاجان في تصريحات لـ"العربي الجديد" فإن تركيا تعوّل على عائدات سياحية بنحو 65 مليار دولار للعام الجاري بعد بلوغها 61 ملياراً العام الماضي، مشيرا إلى أن السياحة والصادرات هما جناحا الاقتصاد التركي اللذان يطير بهما لرفع نسبة النمو وخفض التضخم وتحسين سعر الصرف، فإذا ما طالت الحرب، فإن كثيرين من السياح سيغيرون وجهتهم من تركيا باتجاه أوروبا وجنوب آسيا.
وبلغ عدد السياح الإيرانيين إلى تركيا نحو 3.2 ملايين شخص في 2024، كما تصدر الإيرانيون قائمة السياح إلى تركيا خلال الأشهر الأولى من العام الجاري، إذ تشير البيانات الرسمية إلى تصدّرهم القائمة خلال شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط ببلوغهم نحو 463 ألفاً و800 سائح.
لكن، لعضو حزب الشعب الجمهوري المعارض، جيواد كوك، رأي آخر، إذ يؤكد لـ"العربي الجديد" أن بلاده ستستفيد من الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل، لأن الطرق التجارية البرية برأيه مفتوحة، وسياسة الرئيس رجب طيب أردوغان "معروفة" بتحويله الأزمات إلى فرص سياسية واقتصادية.
ويضيف كوك أن إسرائيل تستهدف البنى التحتية الإيرانية، العلمية والنفطية والاقتصادية، ولن تجد إيران أفضل من تركيا لتستورد ما تحتاجه، سواء الآن إسعافياً أو مستقبلاً للبناء والترميم، متوقعاً زيادة حجم التجارة بين البلدين للعام الجاري عن 14 مليار دولار.
وكان سفير إيران في أنقرة، محمد حسين حبيب الله زاده، قال مؤخراً لوكالة الأناضول إنّ "تركيا كانت، العام الماضي، الشريك الثالث للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومن المتوقع هذا العام أن تصبح الشريك الثاني" مشيراً إلى أنّ حجم التبادل بين البلدين بلغ 12 مليار دولار عام 2013 ونحو 14 ملياراً العام الماضي والتوقعات أن يزداد هذا العام إلى 16 مليار دولار.
لكنّ كوك يحذر من موجات نزوح كبيرة من إيران إلى تركيا، إذا طال أمد الحرب، ما يشكل كارثة لتركيا حسب وصفه، ووقوعها بأزمات جديدة بالتزامن مع بدء عودة أكثر من 270 ألف لاجئ سوري بعد سقوط نظام بشار الأسد، لأنّ هجرة ملايين من الإيرانيين، ستبدّل الأسعار والايجارات، وتضغط على المرافق والخدمات والبنى، مع آثار أخرى كثيرة نتيجة دخول ملايين دفعة واحدة، من دون تخطيط.
وكانت أخبار متضاربة على وسائل التواصل وبعض وسائل الإعلام تحدثت عن تدفق إيرانيين بأعداد كبيرة إلى تركيا، وهو ما نفاه، الأحد الماضي، مركز مكافحة التضليل في دائرة الاتصالات برئاسة الجمهورية التركية، مؤكداً في بيان له أن تلك الادعاءات لا تعكس الواقع، ولا زيادة غير طبيعية في أعداد الداخلين عبر الحدود الإيرانية التركية.
وأشار البيان إلى أنّ وزارة الداخلية تتابع الحدود التركية الإيرانية بدقة، ولم تسجل أي تحركات غير عادية أو زيادة في أعداد الداخلين، كما أنّ الحدود مؤمّنة بالكامل عبر وحدات أمنية متخصصة، مدعومة بأحدث أنظمة الحماية والمراقبة، بحسب البيان.

Related News

