
تتجه الأنظار في الحرب بين إسرائيل وإيران إلى قمة مجموعة السبع التي بدأت أعمالها، أمس الاثنين، في ألبرتا الكندية، والتي من الممكن أن يرشح عنها، موقف يدعو إلى وقف التصعيد العسكري، والعودة إلى طاولة المفاوضات لحلّ مسألة النووي الإيراني. ورغم أن هذا الموقف يعتمد بشكل كبير على خطط الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي غادر القمة عائداً إلى واشنطن، فإن انزلاق الصراع في الشرق الأوسط إلى مرحلة الفوضى، وعدم رغبة ترامب في دخول حرب لا يملك تصوراً شاملاً لنهايتها، أو استراتيجية خروج، سواء ذهبت إسرائيل بعيداً في محاولة لإسقاط النظام في طهران أم لا، يجعل من المأمول لدول كبرى حاضرة في القمة، التوافق على الضغط لفرض خريطة طريق للتهدئة، لكنها تبقى مشروطة بانصياعات محدّدة مطلوبة من إيران، وهو ما يبدو متوافقاً حوله من قبل أوروبا والولايات المتحدة.
دبلوماسياً، أكد رئيس الحكومة الكندية، مارك كارني، قبيل بدء أعمال القمة التي تختتم اليوم الثلاثاء، أن كندا تستطلع آراء الدول بشأن دعوة مشتركة لـ"خفض التصعيد". ويمكن للقمة أن تدعو لذلك، مع تكرار "حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها" وتحميل طهران المسؤولية عن التصعيد الراهن على غرار ما عمدت إليه رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون ديرلاين، التي قالت من كندا، مساء الأحد، إن إيران تتحمل مسؤولية النزاع الجديد، مشيرة إلى قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية أخيراً بأنّ طهران لم تفِ بالتزاماتها. وقالت فون ديرلاين: "في هذا السياق، لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها. وإيران هي المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار الإقليمي".
أكدت ألمانيا أنها ستدعم إسرائيل بحال تعرّض وجودها لتهديد
وكشفت وكالة رويترز، أمس، عن مسودة بيان القمة، وقالت إنه ينص على أن إيران "يجب ألا تمتلك سلاحاً نووياً أبداً"، مؤكداً أن "من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها". وذكر مسؤول أميركي أن ترامب لا ينوي التوقيع على بيان مجموعة السبع بشأن الحرب، لأنّه يتضمن الدعوة إلى خفض التصعيد في الصراع. وقال الرئيس الأميركي أمس، من كندا، إن إيران ترغب في الحديث حول خفض الأعمال العدائية مع إسرائيل، وعليها أن تفعل ذلك "قبل فوات الأوان". وأضاف: "يمكنني القول إن إيران لن تربح هذه الحرب، وعليهم أن يتحدثوا، وعليهم أن يفعلوا ذلك قبل فوات الأوان".
أوروبا متمسكة بـ"حق إسرائيل بالدفاع عن النفس"
وفي الواقع، أبدت كلّ الدول الأوروبية، المشاركة في قمة السبع، وهي فرنسا وألمانيا وإيطاليا، بالإضافة إلى بريطانيا، منذ اللحظة الأولى لبدء الهجوم الإسرائيلي على إيران فجر الجمعة الماضي، انحيازها الكامل لإسرائيل، معتبرة في مواقف شبه موحدة، أن البرنامج النووي الإيراني لا يمثل خطراً فقط على دولة الاحتلال بل على أوروبا ومن غير المسموح لإيران امتلاك سلاح نووي. كما اتهمت هذه الدول، طهران بالمماطلة بالمفاوضات التي كانت تجري بينها وبين واشنطن، ما أوصل الدبلوماسية إلى طريق مسدود. ولا تزال أوروبا ترى أن الجيش الإسرائيلي، يقوم بشكل من الأشكال بالمهمة عنها إلى حدّ الآن، وطالما أن الصراع لا يزال مضبوطاً فمن المفيد مواصلته. كما ترغب هذه الدول، بالانتقام من طهران لدعمها روسيا في غزوها أوكرانيا.
وبحسب صحيفة لوموند، يوم السبت الماضي، فإن دعم أوروبا لإسرائيل بدا "بهلوانياً"، إذ كانت هذه الدول تشجع إيران على التفاوض، لكنها في الوقت ذاته رأت نفسها مبعدة عن طاولة المفاوضات الأميركية الإيرانية، وكانت تخشى اتفاقاً يقدم فيه ترامب تنازلات كبيرة لإيران على حسابها. وأجمعت كل الدول الأوروبية وبريطانيا على لازمة واحدة، بعد بداية الهجوم، وهي "حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها" من الخطر الإيراني، مبدية أيضاً بنسب متفاوتة، استعدادها لدعم إسرائيل عسكرياً، فيما لم تخف فرنسا إعجابها بنتائج الضربات الأولية.
هكذا، وبعبارات أخرى، تعقد قمة السبع، على وقع شبه إجماع داخل أوروبا على ضرورة منع إيران من المضي في برنامجها النووي. ولتحقيق هذا الهدف، تريد إسرائيل تحييد خطر الصواريخ الإيرانية، إذ يبدو أنها طلبت أخيراً من الدول الغربية، إعادة تشكيل تحالف لصدّ الصواريخ الإيرانية، الذي تشكّل العام الماضي، خلال هجومين صاروخيين نفذتهما إيران باتجاه الأراضي المحتلة، في إبريل/نيسان وأكتوبر/تشرين الأول 2024.
تحالف صدّ الصواريخ قيد البحث
وبحسب تقرير "كان 11" الذي نُشر أمس الاثنين، فإن إسرائيل طلبت المساعدة من دول أخرى، في التصدي للصواريخ والطائرات المسيّرة الإيرانية واعتراضها، وقد قُدّم الطلب رسمياً، ويهدف إلى إعادة تأسيس التحالف الدولي الذي كان فاعلاً في هجمات إبريل وأكتوبر من العام الماضي. ونقلت عن مصادرها الإسرائيلية، أن بريطانيا وافقت على المشاركة في عملية اعتراض الصواريخ، حيث يُتوقع أن تتخذ إجراءات بشأن ذلك "قريباً"، فيما "لا تزال فرنسا تُعالج هذه المسألة". وقال مسؤول فرنسي لـ"كان 11"، إن باريس "مستعدة للتحرّك بشأنها". وفي برلين، أكد نائب المستشار الألماني لارس كلينغبايل، مساء أول من أمس الأحد، أنه "لا يستطيع تصور رفض دعم إسرائيل حال تعرض وجودها لتهديد"، مؤكداً استعداد بلاده لتقديم الدعم اللازم. وكان وزير الدفاع بوريس بيستوريوس قد صرّح في وقت سابق بأن "القوات المسلحة الألمانية لم تتلقَّ أي طلبات من إسرائيل تتعلق بحربها مع إيران"، فيما لفت المستشار فريديريش ميرز إلى أن إسرائيل طلبت معدات لمكافحة الحرائق.
حول ما إذا كان الدعم الشفهي يترجم إلى دعم عسكري، فإن الموقف الفرنسي يبقى ضبابياً
أما فرنسا، فمنذ بداية الضربات الإسرائيلية التي قال وزير خارجيتها جان نويل بارو إن باريس أبلغت بها مسبقاً، كانت واضحة في دعمها "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وذلك على لسان الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي اعتبر في أحاديث لاحقة أنه "لا يمكن أن يتخيل نفسه في عالم فيه إيران تملك القنبلة النووية". كما أن باريس، منذ ذلك الحين، واصلت التحذير بأن إيران بسلاح نووي، تشكّل خطراً على أوروبا، وتهدد الاستقرار الجماعي، وفق ماكرون. لكن حول ما إذا كان الدعم الشفهي يترجم إلى دعم عسكري، فإن الموقف الفرنسي يبقى ضبابياً. وقال بارو أول من أمس، في حديث إذاعي: "نحن مستعدون للمساهمة في حماية إسرائيل، حتى لو أنه في هذه المرحلة، وبالنظر إلى طبيعة ومسار الضربات الإيرانية، فإن القدرات العسكرية الفرنسية لم يجر تحريكها".
من جهتها، دعت إيران، أمس، على لسان المتحدث باسم الخارجية إسماعيل بقائي، الدول الأوروبية، إلى وقف العدوان الإسرائيلي، معتبراً أنه "كان ينبغي على ألمانيا وفرنسا وبريطانيا إدانة جرائم الكيان الصهيوني بوضوح تام".
ويبقى أن هناك توافقاً غربياً بين الدول الكبرى على استمرار الضوء الأخضر لإسرائيل حتى اللحظة، طالما يحقق الأهداف المشتركة المرجوة منه، وهو إضعاف النظام الإيراني، ودفعه إلى تقديم التنازلات الكبيرة المطلوبة في أي مفاوضات، والتي لن تكتفي بأي حال وفق الرؤية الغربية، بعد الهجوم، بالبند النووي. التدخل الغربي، الذي يحاذر أصحابه الحديث عنه بشكل واضح حتى اللحظة، يبقى مرهوناً بعوامل عدة، ومنها إمكانية وصول الصراع إلى حالة من الجمود العسكري بالنسبة لإسرائيل، أو تدخل أطراف أخرى لضرب مصالح غربية في المنطقة، حيث إن المواجهة قد تكون في بدايتها، بالنسبة للدول الأوروبية التي تراقب من كثب مجريات الأمور. هذا الوضع، قد تكون أكدته فون ديرلاين التي تحدثت عن أهمية الوصول إلى وقف لإطلاق النار "على المدى البعيد"، من دون أن تطالب بوقف فوري لإطلاق النار.
