وهذه الحرب في مستواها الاستراتيجي مثل أي حرب أخرى تظهر عوامل القوة والضعف لكل طرف، رغم أنها في جانبها الإعلامي تبدو حربًا دينية يرفع فيها الكيان شعارات توراتية بعنوان الأسد الصاعد، وترفع فيها الجمهورية اسم الإمام علي بن أبي طالب (رض) برمزية خيبر والغدير.
ومن عوامل القوة التقليدية للدول هناك ثلاثة عوامل تتميز بها إيران عن إسرائيل هي التفوق المطلق في العامل الجغرافي والعامل الديموغرافي والموارد، مقابل تفوق إسرائيلي في التكنولوجيا والابتكار والنفوذ الدولي، والتقارب بين الطرفين في مستوى الاستقرار السياسي والعامل الأيديولوجي.
تتفوق إسرائيل عسكريًّا في استخباراتها وقوتها الجوية، وقد أظهرت إسرائيل تفوقها التكنولوجي والاستخباري وتماسك قاعدة حلفائها منذ الساعة الأولى من عمليتها العدوانية، وتتفوق إيران في قوتها الصاروخية الباليستية والفرط صوتية، وقد أظهرت تفوق صواريخها البالستية والفرط صوتية التي يتضاعف تأثيرها ومفعولها نتيجة صغر مساحة الكيان نسبة إلى إيران التي تمكنت من تغيير معادلة القوة بعد حوالى 18 ساعة كانت الكفة فيها لصالح الكيان، ونجحت في امتصاص الصدمة مما يظهر مرونتها وقدرتها على استيعاب الضربة الأولى وسرعة إيجاد البدائل رغم هول ما تعرضت له.
"الصواريخ الإيرانية التي يتم إطلاقها بكثافة أحدثت مفاجأة استراتيجية ربما لم يكن يتوقعها الإسرائيليون، إذ فشلت منظومات الدفاع في صدها بالكامل
وفي الوجه الآخر أظهرت الحرب الهوة الاستخبارية بين إيران وإسرائيل، وضعف منظومة الدفاع الجوي الإيراني في النهار الأول للعملية رغم أنها تمكنت لاحقًا من استعادة قدرتها، وأظهرت بعض النجاحات، ومن مفاجآت هذه الحرب إخفاق وفشل منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية كالقبة الحديدية ومقلاع داوود كونها منظومات صُممت لمواجهة صواريخ قصيرة المدى، لكن منظومات أخرى مثل منظومة آرو ومنظومة ثاد كان من المتوقع أن تكون قادرة على مواجهة الصواريخ البالستية الإيرانية لكنها كانت أضعف مما قيل وكُتب عنها، فالصواريخ الإيرانية التي يتم إطلاقها بكثافة أحدثت مفاجأة استراتيجية ربما لم يكن يتوقعها الإسرائيليون.
بقي أن نعلم أن حرب السماء لا يمكن أن تُحسم إلا بالمطاولة والصمود أمام ضربات العدو والقدرة على إنهاكه معنويًّا ونفسيًّا، فمثلما تلعب عوامل المساحة والسكان لصالح إيران، تلعب عوامل التكنولوجيا لصالح إسرائيل، مع عامل إضافي هو الدعم الأميركي الغربي اللامحدود لإسرائيل وهو العمق الذي يميز إسرائيل عن سائر دول الشرق الأوسط، سواء في حروب الأرض أو حروب السماء.
وأخطر مشهد يمكن تصوره هو حدوث تسرب إشعاعي من أحد المفاعلات النووية، وأخطر سيناريو يمكن توقعه هو دخول الولايات المتحدة رسميًا إلى جانب إسرائيل في حال شعرت واشنطن بقوة الكفة الإيرانية، لكن من المؤكد أن الشرق الأوسط سيتغير بشكل كبير بعد هذه الحرب، حرب سماء الشرق الأوسط.
Related News

