
في خضم ملفات سياسية وأمنية متصاعدة، أعلنت الحكومة البريطانية، أمس الأحد، تعيين بلايز مترويلي رئيسةً لجهاز الاستخبارات الخارجية "MI6"، لتصبح بذلك الرئيسة الثامنة عشرة للجهاز، وأول امرأة تتولى هذا المنصب في تاريخه الممتد لأكثر من قرن.
مترويلي، المعروفة خلال مسيرتها الاستخباراتية الطويلة بالاسم الحركي "آدا"، انضمت إلى الجهاز عام 1999، ولم يكن صعودها إلى القمة سهلاً، إذ تنافست على المنصب مع السفيرة البريطانية السابقة لدى الصين، باربرا وودوارد، التي اعتبرها البعض الأوفر حظاً. غير أن انتقادات لاحقتها مؤخراً لكونها "متساهلة" مع بكين، في وقت تسعى فيه لندن إلى تعزيز تحالفاتها مع واشنطن بقيادة دونالد ترامب، ورجّحت مصادر إعلامية أن تكون مترويلي نفسها وراء حملات الانتقاد تلك.
يعكس تعيين مترويلي (47 عاماً) توجه الحكومة البريطانية نحو التركيز على التكنولوجيا والاستخبارات الرقمية. فهي تشغل حالياً منصب رئيسة الفرع التقني في MI6، المسؤول عن البحث والتطوير وتزويد العملاء بالمعدات، وهو الدور المعروف في الثقافة الشعبية من خلال شخصية "Q" في سلسلة أفلام جيمس بوند، كما سبق لها أن عملت في جهاز الاستخبارات الداخلية MI5، إذ ترأست المديرية "K" المختصّة بمتابعة التهديدات الصادرة من دول تصنفها بريطانيا "معاديةً"، مثل روسيا والصين وإيران.
وفي مقابلة أجرتها مع صحيفة فاينانشال تايمز قبل ثلاث سنوات، حين كانت تُعرف فقط باسمها الحركي، وصفت مترويلي نفسها بأنها "مهووسة بالتكنولوجيا"، وكشفت أن أول مهامها كانت في مجال مكافحة الانتشار النووي، ما منحها فرصة فريدة للتعمّق في "العلم النووي"، وبناء علاقات مع عملاء كانوا "يخاطرون بحياتهم لمشاركة الأسرار".
أشارت في المقابلة ذاتها إلى أن رغبتها في أن تصبح جاسوسة بدأت منذ الطفولة، وأن كونها امرأة ساعدها أحياناً في الميدان عند تجنيد العملاء، وقالت: "عندما تقرر أن تصبح عميلاً، عليك إجراء آلاف الحسابات المبنية على المخاطر، لكن لا أحد يُعدك للاستجابات العاطفية. لا توجد قواعد للآداب. إنها منطقة رمادية. وفي تلك المساحة، تكون النساء بارعات في إيجاد أرضية مشتركة".
تحمل مترويلي شهادة في الأنثروبولوجيا الاجتماعية من جامعة كامبردج، وتجيد اللغة العربية بطلاقة، بحسب زملائها، كما تملك خبرة واسعة في الشرق الأوسط، بما في ذلك العمل في مناطق صراع، وهي ميزة يُتوقع أن تلعب دوراً محورياً في ظل التوترات المتصاعدة بين إسرائيل وإيران، إلى جانب ذلك، شاركت في مهام استخباراتية حساسة في أوروبا، في وقت تتعمق فيه الحرب بين روسيا وأوكرانيا وتستمر بريطانيا في دعم كييف عسكرياً واستخبارياً.
تعيين مترويلي يأتي أيضاً في سياق تعزيز بريطانيا لقدراتها الدفاعية؛ إذ رفعت الحكومة إنفاقها العسكري إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي، بعد أن كان 2%، ما يمثل أكبر زيادة منذ الحرب الباردة، وستُضخ نحو 13.4 مليار جنيه إسترليني إضافية سنوياً في قطاع الدفاع حتى عام 2027، مع خطط لرفع النسبة إلى 3% بعد الانتخابات المقبلة، استجابةً لضغوط حلف الناتو، خاصة بعد تخفيض إدارة ترامب مساهماتها في تمويل الحلف.
رئيس الوزراء كير ستارمر علّق على تعيين مترويلي بالقول: "في عالم يزداد اضطراباً، وتمثل التكنولوجيا قوة رئيسية ويتعاون خصومنا على نحوٍ غير مسبوق، سيكون تعيين بليز مترويلي ضماناً لقدرتنا على التصدي لهذه التحديات والحفاظ على أمن بريطانيا"، كما أعلن عن استثمار إضافي بقيمة 600 مليون جنيه في مجتمع الاستخبارات.
مترويلي، التي تمضي عامها السادس والعشرين في العمل الاستخباراتي، ستحل مكان السير ريتشارد مور، الذي شغل المنصب منذ أكتوبر 2020، الذي وصف زميلته بأنها "ضابطة استخبارات وقائدة بارعة، وإحدى أبرز المفكّرين في مجال التكنولوجيا".
وزير الخارجية ديفيد لامي رحّب بدوره بالتعيين، معتبراً أن خبرتها الواسعة في شتى مجالات الأمن القومي تجعلها "الأنسب لقيادة MI6 نحو المستقبل".
وفي أول تصريح لها، قالت مترويلي: "يشرفني أن يُطلب مني قيادة MI6. الجهاز يلعب دوراً حيوياً إلى جانب MI5 ومقر الاتصالات الحكومية GCHQ في الحفاظ على سلامة البريطانيين وتعزيز مصالحنا في الخارج. أتطلع إلى العمل جنباً إلى جنب مع زملائي وضباطنا وشركائنا الدوليين".
ورغم أن تفاصيل حياتها الشخصية لا تزال طي الكتمان، كما هو معتاد في عالم الاستخبارات، يُعرف أنها تخرجت من كلية بيمبروك في كامبردج، وشاركت في سباق القوارب الشهير عام 1997، إذ فاز فريقها على جامعة أوكسفورد، ويُعتقد أن أصول عائلتها تعود إلى جورجيا، ما يعكس خلفيتها الأوروبية الشرقية، كما مُنحت وسام قائد القوات المسلحة البريطانية (CMG) تقديراً لخدماتها في السياسة الخارجية خلال احتفالات عيد ميلاد الملك العام الماضي.
وقد رأت بعض الصحف البريطانية في تعيين مترويلي تجسيداً واقعياً لما قدمته السينما، مشيرة إلى تشابه قصتها مع شخصية "M"، التي جسدتها الممثلة جودي دينش في أفلام جيمس بوند، في انعكاس لواقع باتت فيه المرأة تتصدر أعلى مواقع القرار الأمني والاستخباراتي في بريطانيا.

Related News

