
يتابع العراق بحذر التطورات الأمنية الخطيرة مع تواصل الحرب الإسرائيلية الإيرانية والتبادل الكثيف للهجمات، فيما تسعى الحكومة للحفاظ على الحياد ومنع اتساع نطاق الحرب التي يبدو أن الفصائل الموالية لطهران قد تشارك فيها، لا سيما مع استمرار الجيش الإسرائيلي بضرب منشآت مهمة وحيوية في المدن الإيرانية. وقال رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، في بيان عممه مكتبه، إن "الكيان الصهيوني يسعى الى توسيع رقعة الحرب بالمنطقة من أجل رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط"، ما يؤكد وجود مخاوف من اتساع دائرة الحرب الحالية لتشمل الأراضي العراقية.
جاء ذلك خلال استقبال السوداني عدداً من رؤساء البعثات الدبلوماسية للدول الآسيوية والأميركيتين العاملة في العراق، وسفيري أستراليا وتركيا. ووفق البيان ذاته عبر السوداني عن "التضامن الكامل مع إيران"، وعن "إدانته للعدوان الصهيوني عليها، كونه يعد تهديداً للأمن والسلم، واستقرار وأمن العراق، وأن خرق القوانين من قبل الكيان بهذا الشكل ستكون له نتائج سلبية"، مشدداً على "رفض أي خرق للسيادة العراقية".
وأمس أكد السوداني أهمية التنسيق في مختلف المواقف وتوحيد الجهود بما يعزز الأمن والاستقرار الإقليميين، بحسب ما جاء في بيان عممه عقب تلقيه اتصالاً هاتفياً من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تناول تطورات الأوضاع في المنطقة. وأضاف البيان أن "الاتصال شهد إدانة متبادلة للعدوان الصهيوني على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الذي يأتي في ظل سعي الكيان الصهيوني للتصعيد وتوسيع نطاق الحرب، وهو ما يتطلّب موقفاً موحداً من جميع الدول، وفي مقدمتها الدول الإسلامية بضرورة الوقوف بوجه سياسات الكيان العدوانية".
وأكد رئيس الوزراء العراقي "رفض العراق القاطع لانتهاك سيادته والتجاوز على أجوائه، والذي يعد تجاوزاً فاضحاً على القانون الدولي"، مؤكداً "دعم العراق لانعقاد اجتماع وزراء خارجية الدول الإسلامية في إسطنبول، لمناقشة تطورات الأحداث الأخيرة". من جانبه، أكد الرئيس التركي دعمه لـ"سيادة العراق، وكذلك دعم الحراك الذي تقوم به الحكومة العراقية في الحفاظ على السيادة ومنع انزلاق العراق في ساحة الصراع".
نشر منظومات بانتسير للدفاع الجوي
في الأثناء، أعلن وزير الدفاع العراقي، محمد العباسي، عن نشر بطاريات "بانتسير" للدفاع الجوي في مناطق مهمة لحماية السيادة العراقية. وقال قائد الدفاع الجوي الفريق الطيار الركن مهند غالب الأسدي، إن القوات المسلحة ومنظومات الدفاع الجوي تمارس دورها الطبيعي لحماية العراق وأجوائه والأهداف الحيوية. ونقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع) عن الأسدي قوله إن "تحريك منظومات الدفاع الجوي يتم بين فترة وأخرى ضمن الإجراءات الطبيعية والروتينية لحماية جميع الأهداف الحيوية في العراق"، مبيناً أن القوات العراقية المسلحة بشكل عام ومنظومات الدفاع الجوي تمارس دورها الطبيعي لحماية الأجواء والأهداف الحيوية تحسبًا لأي طارئ".
وسبق أن دعت الحكومة العراقية إلى اتخاذ خطوات رادعة لإيقاف الاعتداءات الإسرائيلية وطالبت مجلس الأمن بالانعقاد الفوري، بينما دان زعيم "التيار الوطني الشيعي" مقتدى الصدر استخدام الأجواء العراقية من قبل الكيان الإسرائيلي، مطالباً الحكومة بمعاقبة إسرائيل بالطرق المعمول بها دولياً لضمان عدم تكرار هذا الخرق. وذكرت الحكومة في بيان، أن "الاعتداء العسكري الذي شنه الكيان الصهيوني على الأراضي الإيرانية يمثل انتهاكاً صارخاً للمبادئ الأساس للقانون الدولي، ويشكل تهديداً للأمن والسلام الدوليين، خصوصاً أنه وقع أثناء فترة التفاوض الأميركي-الإيراني".
ودعت الحكومة العراقية إلى اتخاذ خطوات رادعة لإيقاف الاعتداء، مطالبة مجلس الأمن الدولي بـ"الانعقاد الفوري واتخاذ إجراءات حاسمة وملموسة لردع هذا العدوان، وضمان عدم تكراره، واستعادة هيبة النظام القانوني الدولي". وأكدت التزامها الثابت بمبادئ السيادة وعدم استخدام القوة وتسوية النزاعات عبر الوسائل السلمية. من جهتها، أعلنت سلطة الطيران المدني، إيقاف حركة الطيران في المطارات العراقية وباشرت إخلاء الأجواء من الطائرات المقبلة والمغادرة والعابرة إلى حين إشعار آخر.
توجيهات جديدة
في السياق، قال مصدر أمني رفيع المستوى في وزارة الدفاع، إن "توجيهات رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، جاءت بتحصين المنشآت المهمة في البلاد، لا سيما النفطية ونشر منظومات الدفاع الجوي، وأهمية إجراء تحديث على توزيع الانتشار العسكري للقواعد والمعسكرات والمقرات العامة"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "التطورات الأمنية السريعة واشتداد وقع الحرب بين إيران والكيان الإسرائيلي، يجعل العراق مجبراً على اتخاذ تدابير أمنية وعسكرية وجوية عاجلة، لحماية السيادة العراقية، مع التأكيد على ضرورة منع الانزلاق في هذه الحرب".
من جهته، أكد عضو مجلس النواب العراقي، حيدر المطيري، أن "الحكومات العراقية المتعاقبة بعد 2003 ارتكبت خطأً استراتيجياً بإهمال ملف تأمين الأجواء، ما جعل أجواء البلاد مكشوفة أمام الاعتداءات الخارجية"، موضحاً في حديثٍ صحافي، أن "تأمين الأجواء العراقية يمثل أولوية استراتيجية لمنظومة الأمن القومي، لكن للأسف، الحكومات التي تعاقبت بعد عام 2003 لم تُعطِ هذا الملف الأهمية المطلوبة، ولم تُخصص الأموال الكافية لإنشاء منظومات دفاع جوي قادرة على حماية سماء العراق".
وأضاف "ما يحدث اليوم يؤكد حجم الإهمال، فالأجواء العراقية مخترقة بشكل علني من قبل الكيان الصهيوني، الذي استغل هذا الفراغ الاستراتيجي لشن عدوان على دولة جارة، من خلال الطائرات والصواريخ"، مستكملاً حديثه بأن "تأمين الأجواء بات ضرورة وطنية قصوى، ليس فقط لحماية السيادة، بل أيضاً لوقف مسلسل الانتهاكات المتكررة، ومنع تحوّل العراق إلى ممر للهجمات الخارجية".
بدوره، قال رئيس مركز التفكير السياسي العراقي، إحسان الشمري، إن "الحكومة العراقية غير قادرة على المحافظة على خيار الحياد، لأنها (الحكومة) مُشكّلة من تحالفات، أكثرها تأثيراً هو تحالف الإطار التنسيقي التي يضم مجموعة فصائل مسلحة تعلن أنها ضد الكيان الإسرائيلي وأميركا". وأوضح في حديث لـ"العربي الجديد" أن "هذه الفصائل العقائدية موجودة في مؤسسات الدولة، وقد لا تستجيب لخيارات الحكومة بشأن الحياد والنأي بالنفس، وقد فشلت معظم الحكومات العراقية السابقة باحتواء الفصائل المسلحة، بالتالي فإن الحكومة وإجراءاتها لا تعني أنها تمثل وجهة نظر الفصائل بأي حال من الأحوال".

Related News

