
أعلنت السلطات المصرية حالة استنفار أمني في القاهرة شملت الأجهزة الأمنية والسيادية، تأثراً بتطورات العدوان الإسرائيلي على إيران، ووجود مخاوف من استمراره لفترة زمنية طويلة، وملاحقة الراغبين في المشاركة بـ"مسيرة الصمود إلى غزة". ونشرت السلطات قوات الأمن المركزي والانتشار السريع بأغلب الميادين الرئيسية بالعاصمة القاهرة وكثفت من وجودها حول المتاحف والمزارات والفنادق السياحية الرئيسية بالقاهرة الكبرى والمحافظات، في ظاهرة اعتبرتها قيادة أمنية سابقة "ضرورية" لتأمين البلاد من أية مخاطر محتملة.
ورصد مراسل "العربي الجديد" وجود قوات أمنية كثيفة محيطة بالمتحف المصري في وسط القاهرة، مع زيادة عدد عربات الأمن المركزي بالشوارع الرئيسية بالعاصمة، أعيد تموضعها بالميادين منذ يوم الجمعة الماضي. وواكب الاستنفار الأمني حملا موسعة على وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الصحف قريبة الصلة بالجهات السيادية، تدعو المواطنين إلى عدم الانسياق وراء الشائعات، والترويج أو بث أية معلومات وصور تضر بالأمن القومي على وسائل التواصل الاجتماعي، وتدعو المواطنين إلى التحلي بالصبر في مواجهة الأزمات الاقتصادية، منوهة بأنها تتزايد على البلاد جراء الحروب المحيطة بمصر من كل جانب. وتحذر الدعوات المصريين من التعامل مع الأجانب أونقل معلومات لأي جهة أجنبية، بدون تصريح، حتى لا يتعرض ناقلها أو ناشرها إلى المحاكمات العسكرية، بتهمة الإخلال بالأمن القومي للدولة.
ووجهت وزارة السياحة تعليمات للشركات السياحية والفنادق والطيران التي تتولى تنظيم رحلات للمجموعات أو الأفراد، بضرورة إبلاغ شرطة السياحة والجهات الأمنية بكشوف حاجزي الرحلات قبل وصولهم للبلاد، وفي حالة استقدام سائح بطريقة منفردة، عليها أن تخطر الأجهزة الأمنية بمنافذ الوصول، بصورة من جواز السفر للتحري عنه قبل دخول البلاد. ولقى المنشور المعمم من قبل وزارة السياحة والغرف السياحية، استنكاراً من منظمي الرحلات، لصعوبة تنفيذه واقعياً، في سوق سياحي مفتوح يعتمد على توريد أكبر عدد من السائحين عبر وكالات سفر أجنبية ووصول السائحين بأنفسهم إلى مصر، دون مساعدة من الوكالات المحلية.
وقال مصدر في غرفة شركات السياحة إن الفنادق عادة تتولى تسليم كشوف المسافرين الذين يصلون إلى البلاد بالفعل، بعد حجزهم أماكن الإقامة لكل من شرطة السياحة والأمن العام، مؤكداً لـ"العربي الجديد" صعوبة تبادل المعلومات حول السائح مع الأجهزة المختصة، قبل وصوله، حيث تحتفظ الوكالة الموردة للسائحين بكافة المعلومات الخاصة به. وأوضح المصدر أنه رغم رغبة شركات السياحة في الحفاظ على أمن السائحين إلا أن السلطات تستهدف منع تسرب الأجانب الراغبين في الدخول إلى مصر للمشاركة في مسيرة الصمود إلى غزة.
في سياق متصل، قالت إسلام عوادي، منسقة المشاركة في القافلة المغاربية ضمن "مسيرة الصمود إلى غزة"، إن القافلة توقفت حالياً في مدينة مصراتة الليبية، في انتظار الإفراج عن عدد من الموقوفين من بين المشاركين، مشيرة إلى أن جميع الطرق نحو القطاع باتت مغلقة، سواء براً أو بحراً.
وأضافت عوادي في تصريحات لـ"العربي الجديد": "ننتظر تسوية ملف الموقوفين، وبينهم عشرة مواطنين ليبيين وتونسيان لا يزالون رهن الاحتجاز لدى الأمن الليبي. وبعدها، سنعود أدراجنا إلى تونس. لم يعد هناك مجال للذهاب إلى غزة، بعد أن أُغلقت في وجهنا كل السبل".
وتأتي تصريحات عوادي في ظل حملة تضامن واسعة تشهدها المنصات الإلكترونية العربية، دعماً للمشاركين في مسيرة الصمود، التي انطلقت بهدف كسر الحصار عن غزة، لكنها اصطدمت بجدران المنع والتضييق الأمني في أكثر من بلد، لا سيما مصر التي واجهت المشاركين في القافلة بالقمع والاعتقال، بحسب ما ورد في عريضة توقيعات إلكترونية نشرت على منصات عدة.
وكان نشطاء وشخصيات عامة من العالم العربي قد أطلقوا بياناً جماعياً طالبوا فيه الحكومة المصرية بوقف حملة القمع ضد المشاركين في المسيرة، والعمل بدلاً من ذلك على تأمينها والسماح لها بالوصول إلى معبر رفح، باعتبارها "تحركاً إنسانياً سلمياً يعكس ضمير الشعوب العربية".
وأكد البيان أن منظمي المسيرة تقدموا بأكثر من خمسين طلباً رسمياً للترخيص، قوبلت جميعها بالتجاهل، ما اضطر المشاركين إلى القدوم بوسائلهم الذاتية، ليفاجأوا بحملات توقيف واحتجاز شملت مواطنين من عدة جنسيات، بينهم أوروبيون ومشاركون من المغرب العربي.
وحذر الموقعون على العريضة من أن "الحكومات العربية، وفي مقدمتها مصر، باتت تتفوق على أمنيات الاحتلال ذاته في القمع والمنع"، مشيرين إلى أن مسيرة الصمود ليست تهديداً أمنياً، بل "واجب إنساني ورسالة حياة في مواجهة آلة القتل الإسرائيلية".
وتخطط الجهات المنظمة للمسيرة لتسليم نسخة من العريضة الموقعة إلى البعثات الدبلوماسية المصرية في عدد من العواصم، كما تسعى لنشرها في وسائل إعلام دولية بالشراكة مع منصة "آفاز"، بهدف الضغط على السلطات المصرية والعربية لإعادة النظر في موقفها.
ورغم توقف القافلة فعلياً، إلا أن المتضامنين يرون أن مسيرة الصمود لم تنته، وأنها أطلقت شرارة لا تزال تتفاعل على مستوى الشارع العربي، الذي يرفض أن يكون شاهداً صامتاً على الإبادة الجماعية في غزة، ويطالب بفك الحصار فوراً دون شروط.
